كتب: أحمد السماحي
منذ ثلاثة أيام طرحت صوت القلب العربي في أروع دقاته، والنبض الحي المستديم لكل رائع وجميل (ماجدة الرومي) كليب أغنيتها الجديدة (بلا ولا أي كلام) من كلماتها، وألحان يحيى الحسن، وتوزيع حسن يحيى المعيشي، وإخراج رامي أبو منصف، تسجيل ميكساج، وماستر، رالف سليمان، وإشراف عوض الرومي.
جاءت أغنية (بلا ولا أي كلام) للمطربة الكبيرة (ماحدة الرومي) لتنقذ روحنا من نماذج غنائية مهترئة يفصلها عن الفن مسافة من السلبية والمعالجة السطحية والتوهان، نماذج غنائية مسطحة الفكر، مريضة الإحساس، مستهلكة الكلمات، جعلت الأغنية تفقد دورها القيادي كفن سريع الوصول والتأثير على الجماهير.
حب ولد في صمت ورحل بعذاب
تتحدث أغنية (بلا ولا أي كلام) عن حب ولد في صمت يشبه صمت الطبيعة الجميلة المليئة بالخضرة والماء، ومع مرور الأيام كبر الحب في القلب ونضج بلا إستذان، لكن للأسف هذا الحب مثل كل قصص الحب الخالدة يتألم بلذة.
ويضحى في صمت، ويتعذب في سعادة، ويقاسي من بعيد، خاصة أنه حب برئ لا ينتظر تعويضا عن عذابه، لا يتوقع مكافأة، فالحب عند صاحبته مستمر، شيئ لا مفر منه، حكم أبدي، قدر، أنه عاطفة يبحث عنها العاشقين مع علمهما مقدما بأنهما سيتألمان.
ولكنهما في النهاية يقولون مع الكاتب والشاعر الأمريكي (رالف والدو إمرسون) : (كل المتع الآخرى لا تستحق آلامها إلا الحب) حتى لو كتبت كلمة النهاية.
وهذا هو حب (ماجدة الرومي) في رائعتها الجديدة (بلا ولا أي كلام) حب خاطف في البداية، لكنه مع مرور الأيام والوقت ثبت وتمكن من قلبها، وعذب صاحبته، وتألمت بسببه، لدرجة أنها رددت (يا ريتهن ما حبُّونا)، وقاست بقوة عند الفراق، لكن كان من الصعب أن تكمل هذا الحب المستحيل.
من يستمع إلى كلمات أغنية (ماجدة الرومي) يجد معان تلقائية بسيطة تؤكد المعنى الإنساني للحب قبل كل شيئ بإيقاع عصري جديد، ورؤية جديدة لحالة حب ميئوس منه، تعبر عن احساس انسان هذا العصر المحاصر بالمخاطر، المثقل بالقلق، الحالم بمستقبل مضيئ.
في النهاية وبين نبض الكلمات، ونبض الموسيقى، جاءت الأغنية تعبر عن حالة وجدانية عميقة ومشحونة بالعاطفة، وتحمل في أبياتها مزيجاً من الحب، والتضحية، والعتاب، واللوعة، والفراق.
الحسن ينزه ماجدة الرومي بين المقامات
صاغ الملحن اللبناني الموهوب بقوة (يحيي الحسن) كلمات أغنية (ماجدة الرومي) في عدة مقامات موسيقية، حيث بدأ من مقام (النهاوند الحساس)، وهو مقام له طابع رقيق عذب يناسب الألحان العاطفية الحزينة.
ثم انتقل إلى مقام (الكرد)، وفي (الكوبليه) استخدم مقام (الراست)، ثم رجع لأصل المقام الذي ابتدأ منه، ومن خلال هذه (المقامات) قام بعمل نزهه لصوت (ماجدة الرومي) الذي استوعب كل هذه المقامات وقام بتأديتها بشكل بسيط ورائع مليئ بالنضج والخبرة، دون (فذلكة) أو (فرد عضلات).
أما الموزع (حسان الحسن) فأبدع بشكل متميز، ورائع، خاصة في استخدامه (الوتريات) التى كانت في أفضل حالاتها الموسيقية في هذه الأغنية، وكانت في منتهى البساطة والفن، أما آلة (القانون) فكانت متميزة جدا جدا في الأغنية.
في النهاية جاءت الموسيقى عذبة الرواء كأنها لحن السليقة، ونوطة الفطرة التي تنساب في الآذان والأرواح كرشفة ماء.
رامي أبو منصف .. وسحر الطبيعة
حمل كليب أغنية (ماجدة الرومي) توقيع المخرج (رامي أبو منصف) الذي أبدع في تصوير الأغنية، وقدم حالة مختلفة وجديدة، وصورة مريحة للعين، اتحدى أي شخص يرى الكليب، ولا يعاود مشاهدته مجددا.
وذلك بسبب عذوبة وأداء (ماجدة الرومي) أولا، وجمال الطبيعة الخلابة التى ظهرت في الكليب والتى نافس بها المخرج لأول مرة في عالم (الكليبات) الكلام واللحن والتوزيع.
وكان (رامي) ذكيا جدا في اختيار أماكن التصوير التى عبرت عن حالة الضياع العاطفي، والوحدة لبطلة الكليب، وصورها وحدها بين الطبيعة ومن بعيد، ومن اعلى، ليؤكد حالة الوحدة التى تعيش فيها.
وجاءت إطلالة (ماجدة الرومي) بسيطة وحالمة، فهي واحدة من أصحاب الذوق الراقي والشيك في ملابسها، ولم ترتدي سوى (طاقمين)، الأول فستان باللون الأبيض، والثاني بنطلون و(شميز) باللونين الأبيض والبني.
وظهرت (ماجدة الرومي) بهما في الكليب بشكل بسيط ومختلف عما قدمته في أعمالها السابقة، وأعطت من كل قلبها لدعم المشهد بصورة طبيعية جدا.
أداء ماجدة الرومي
ماذا أقول عن أداء (ماجدة الرومي) في هذه الأغنية؟!.. صعب أن تطاوعني الكلمات لوصف شعوري، فالقلم في يدي عاجزعن وصف السعادة التى شعرت بها عندما سمعت الأغنية أولا منذ فترة، وقبل طرحها، ثم بعد أن شاهدتها كفيديو كليب.
لكن ما أستطيع قوله أن صوت (ماجدة الرومي) كالصلاة يستقطب كل الناس، الغني والفقير، الحاكم والمحكوم، صوت يخاطب أرواحنا، مليئ بالأنوثة والحنان الشفاف من خلال نبرات بالغة الرقي والتهذيب والدقة.
الكوبليه الأخير:
أغنية (بلا ولاي كلام) تؤكد أن القمة التى وصلت إليها (ماجدة الرومي) ليست من فراغ، ولكنها تشتغل على نفسها، وتتابع ما يحدث على الساحة، لكن في النهاية قادرة على إنتاج فن خاص بها وحدها، وتعرف كيف تستعمل صوتها وتفسر به الأحاسيس والعواطف.
وتؤكد مقولة الشاعر الفيتنامي (شين لاي فين): (إن حياة الإنسان بالغة القصر ولا يسع الإنسان أن يطيل عمره، ولكن بوسعه أن يجعل حياته أعمق وأغنى وأقيم، وأجمل، والغناء والشعر لا يطيلا أعمار الناس لكنهما يزيدان من طاقات الحياة الإيجابية، ويمنحاها الجمال والرقي).