بقلم الباحث والناقد السينمائي: محمود قاسم
الكم ثم الكيف، هكذا كانت مسيرة الفنان (إسماعيل ياسين)، فهو الذي فتح الأبواب لكي يسعي المضحكون للتواجد والعمل في أكثر من مجال، ليس المهم الدور، المهم أن تشد انتباه الناس، وأنت تمثل امامهم.
وقد بدأ (إسماعيل ياسين) بإلقاء المونولوجات في الصالات، وظل يعمل في الأدوار الصغيرة حتي منحه الفنان الشامل (أنور وجدي) فرصة ذهبية في أفلام كثيرة منها (عنبر، وقلبي دليلي، ودهب).
أما الفارس الحقيقي في مسيرة (إسماعيل ياسين) فهو المخرج الشاطر(حلمي رفلة) الذي منحه البطولة المطلقة في فيلمين هما (المليونير)، وهو هنا يغني المونولوج والدويتو، ويملأ الأماكن بالتعليقات المضحكة منها (يا سلام علي يني، وخمرة يني).
ولا يمكن الفصل بين إيفيهات (إسماعيل يس) وبين المونولوجات التي كان يرددها، وهو يردد في فيلم (دهب) مثلا : (ياعززول زوول زوول، جاك جوسة انشالله يهفك اتوبيس).
أو (ايه حايهمك ماللي يذمك، واللي يبعتر فيك ويلمك، خدها نصيحة صريحة مريحة خليك رجل وأوعي يهمك)، أو وهو يردد في فيلم (بنات حوا) في أحد الأوبريتات الغنائية: (يا سلام ع الحب في طوبة، يا خرابي علي هوا أمشير).
العسكري والشاويش
في المشاهد التي يعرفها الناس حق معرفة، كان (الشاويش عطية) هو أداة للسخرية كلما التقي مع العسكري المجند سواء في (الجيش أو الأسطول، او البوليس، أو البوليس الحربي، أوالطيران، أو الاسطول، أو ابن حميدو).
والذي يدخل الضحك في إطار أفلام التجنيد التي أخرجها (فطين عبد الوهاب) فهو مثلا في فيلم (ابن حميدو) الشرطي المتخفي لضبط عصابة تخريب، وبطل جرئ، ويتكلم إلى حرس الحدود: (فتشني فتش).
ويقوم بنقل شحنة الحشيش كي يكسب ثقة المهربين، ويكرر (ابن حميدو) الجملة عدة مرات، وفي مشهد آخر يردد: (دي شكولاتة)، ويلتهم قطعة من الحشيش أمام (الباز أفندي)، وذلك من أجل كسب ثقته.
وقد امتلأ فيلم (إسماعيل يس في الاسطول) بالمواقف المضحكة وهو يرتبك أمام الشاويش عطية عندما يأتيه الدور في الطابور ويبرطم في الكلام معبراً عن وظيفته، مما يثير دهشة (الشاويش عطية)، ويسأل (انت يا عسكري وظيفتك علي المدفع بوررووم)!
وفي الفيلم نفسه يحدث الحوار الشهير، حين ينادي الشاويش عطية: (طب مخالي شل) فلا يقوم (اسماعيل ياسين) بالتنفيذ، ويردد اللي: (اسمه مخالي يشيل)، مما يدفع الشاويش أن يشرح له الأمر.
وفي الفيلم نفسه يقوم بمواجهة خصمه المعلم (عباس الزفر) الذي يود الزواج من خطيبته ويقول له: (لا عمر الوحش يخلو، ولا الزفر ينضف).
إسماعيل ياسين وتكرار الإيفيهات
قد كرر (إسماعيل ياسين) إيفيه: (أنا عايز أروح عند أمي) في أكثر من فيلم دليلا على الجبن، وغني للخادمة سكر (عاوز أروح) في فيلم (المليونير) دليل احساسه انه ليس في بيته.
ومن الإيفهات الأخرى التى كررها: (يالهوتي)، أيضا دليل الخوف مما هو قادم، ويردد بسخرية من بقه الواسع، وأيضا: (ربنا ما يحرمك مني، ولك).
بالإضافة إلى النكت التي يلقيها أثناء المونولوج، منها الفلاح الذي ذهب يشكو أن مياه الأمطار دخلت البيوت فيرد العمدة الساذج (طب عقبال النور ياولا)!
إسماعيل ياسين (الظاهرة)
(إسماعيل ياسين) هو بلا شك الممثل الكوميدي الظاهرة الفريدة من نوعها في السينما العربية، ليس بالطبع لأنه الممثل الوحيد الذي حملت أفلامه إسمه، فقد كان هناك ممثل آخر سبقه إلى ذلك بعشرين عاما هو الفنان المصري (شالوم).
ولكن لأن (شالوم) قد حملت ثلاثة أفلام اسمه، بينما كانت الأفلام التى تحمل إسم (إسماعيل ياسين) أكثر من ستة عشر فيلما، وهو ظاهرة، لأنه تواجد في أذهان كافة الأجيال حتى بعيد رحيله.
وصنعوا كتب لتلوين أفلامه للصغار، ويعرفه الصغار من الأجيال الجديدة أكثر من معرفتهم بممثلين لا يزالوا يعيشون فيما بيننا، هو بلاشك الممثل الأغزر إنتاجا وتواجدا في أفلام السينما، وخاصة في الكوميديا، هو ممثل كوميدي في كل أعماله، وعندما ثقلت حركاته، وتكررت، توقف، وإختفى!.
اختلاف النقاد حول فنه
اختلف النقاد في أداء (إسماعيل ياسين)، فالبعض هاجمه، واتهمه أنه مهرج!، والبعض الآخر وصفه بصفات تبقيه في دائرة الخلود، وقد كشف الممثل عن موهبته المتواضعة في المواقف التمثيلية التى كانت تتطلب منه أن يكون تراجيديا أو مأوساويا!.
فبدا محدود الموهبة، خاصة في الأفلام التى كان يجسدها في حقبة الخمسينات، ولعل أدواره في (إسماعيل يس للبيع)، و(إنسان غلبان) أبرز دليل على ذلك.
لكن ألا يتطلب من الممثل الكوميدي أن يكون مهرجا، أن يبالغ في حركاته، وأدائه، وأن يتباسط مع الأشياء؟! ألم تكن المطاردات التى نراها في أفلام (شارلي شابلن) و(لوريل وهاردي) و(ويستر كتيون) نوعا من التهريج من أجل إحداث تأثيرها؟!
قد يكون تنفيذ الكثير من المواقف سيئا في أفلام الكوميديا المصرية، لكن لا شك أن هذا يرجع إلى المخرج، والنص المكتوب أكثر مما يرجع إلى الممثل نفسه.
فلاشك أن المخرج (فطين عبدالوهاب) قد أعطى بعدا إنسانيا للشخصيات التى جسدها (إسماعيل ياسين) على الشاشة، أكثر من غيره ممن نظروا إلى الممثل بإعتباره (المهرج)، و(المضحكاتي) الذي لابد من تواجده من أجل إضفاء البهجة على أجواء الفيلم.
إسماعيل ياسين و 300 فيلم
مر (إسماعيل ياسين) من خلال الأفلام الكثيرة والتى تقترب من 300 فيلم، والتى شارك في بطولتها، وأيضا من خلال تاريخه الطويل على كافة الأدوار الكوميدية، فكان ممثلا صغيرا، ثم كبرت مساحة أدواره.
وغنى المونولوج، ورقص، وكان أشهر من يرتدي زي النساء، وهو صاحب (الشلاضيم) غير الوسيم، وقام بالأدوار المساعدة، والمشاركة، ثم انفرد بالبطولة المطلقة.
ولا يوجد في الدنيا ممثل واحد له مثل هذا العدد من الأفلام الكوميدية، ولو نظرت إلى قائمة أشهر نجوم الكوميديا في العالم، فلن يزيد عدد أفلام أي منهم الضاحكة عن الثلاثين.
إذن فلابد لإسماعيل ياسين أن يكرر نفسه، وأن يبدو كأنه نسخة كربونية في أدائه، ولابد أن تفلت منه أشياء كثيرة بالنسبة لمن تابعوا أفلامه التى أضحكتنا كثيرا ومازالت.