رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: (آسر).. دوران في الفراغ بإيقاع سريع

محمود حسونة يكتب: (آسر).. دوران في الفراغ بإيقاع سريع
تأتي النسخة العربية في 90 حلقة، مدة زمنية تكفي لحكي تاريخ بعض الدول الصغيرة

بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة

مسلسل (آسر) الذي يعرض حالياً، تركيبة تركية عربية، نال منها زيادة عدد الحلقات عن اللزوم، لتدور الأحداث في فراغ درامي، ورغم ذلك فإن مهارة الاخراج حافظت على سرعة الإيقاع.

فرضت الدراما التركية نفسها على الجمهور العربي، أصبح لها من يدمنونها وينتظرون كل جديد فيها، يحسون بالفراغ حال عدم وجود مسلسل تركي يتابعونه.

وأسباب النجاح الذي تحقق لها في الشارع العربي عديدة، أهمها طبيعة الموضوعات التي تتناولها ونعومة التناول الذي يغذي الوجدان، والمهارة في الجوانب الفنية من تصوير وإخراج وديكور ومواقع تصوير وما شابه.

والأهم اهتمام المحطات التليفزيونية العربية ومنصات العرض الإليكترونية وشركات الانتاج بها والاقتباس منها لتقديم أعمال معربة تختلف في بعض التفاصيل البسيطة مثل تعريب أسماء الشخصيات والأماكن وعدم الاقتراب من جوهر وفحوى الحكاية.

لا ننكر مهارة الأتراك في الصنعة الدرامية، وليس هناك مجال لإنكار مهاراتهم في تسويق أعمالهم وأفكارهم وقدراتهم، ولكنهم أيضاً لا يستطيعون إنكار أن أعمالهم طويلة جداً، ومهما كانت مهارات المخرج في ضبط الإيقاع والحرص على توفير كل عناصر الجذب.

إلا أن ذلك لا يمنع أن طول عدد ومدد الحلقات يخلّف مللاً ولو على الأقل من الحكاية ذاتها، مما يدفع البعض للتوقف عن المشاهدة مهما كانت درجة الإعجاب بالصنعة والاحترافية الدرامية، كثرة اللف والدوران في حد ذاتها تثير مللاً وإزعاجاُ.

مسلسل (آسر) الذي يعرض حالياً على بعض القنوات وإحدى المنصات هو النسخة العربية من المسلسل التركي (إزيل) والذي تم عرضه عام 2019، وتأتي النسخة العربية في 90 حلقة، مدة زمنية تكفي لحكي تاريخ بعض الدول الصغيرة، رغم أنها تحكي قصة بسيطة عن الخيانة والغدر بين الأصدقاء والمحبين، من دون أي تفريعات تستلزم كل هذه الحلقات.

محمود حسونة يكتب: (آسر).. دوران في الفراغ بإيقاع سريع
النسخة العربية كالمعتاد صناعة سورية لبنانية مشتركة

التشتت والتيه بين الشخصيات

عدد الممثلين في المسلسل محدود، ولعلها سمة في الكثير من المسلسلات التركية أن القصة محددة ومحورها شخصيات محدودة، وهو ما يفرض على المشاهد التركيز ويمنعه من التشتت والتيه بين الشخصيات والمحاور والأحداث.

النسخة العربية كالمعتاد صناعة سورية لبنانية مشتركة، البطولة الرجالية للسوريين (باسل خياط وعباس النوري وسامر المصري وخالد القيش)، والبطولة النسائية للبنانيات (باميلا الكيك وزينة مكي وريم خوري وكارمن لبس) ومعهن السورية (نادين خوري)، والقصة التركية كتبتها بينار بولوت وعربتها السورية رغداء شعراني والإخراج لاثنين من المخرجين الأتراك.

غالباً ما يستعين منتجو النسخ العربية من المسلسلات التركية بمخرجين وأحياناً فنيين أتراك لضمان نجاح الصنعة الفنية وسرعة الإيقاع بما يجذب الجمهور، وهو ما تحقق لمسلسل آسر وأشقائه من الأعمال العربية المستنسخة عن أعمال تركية.

الخيانة تزلزل الإنسان والغدر يفجّر براكين الغضب داخله، والتسامح مع الخونة والغدارين لا يفعله سوى من يعجزون عن الانتقام، والانتقام طريق طويل له بداية بلا نهاية، طريق يملأ النفس حقداً ويحول حياة الإنسان إلى سجن بلا أسوار، سجن النفس داخل غضبها وخططها وأدواتها ومساعيها الانتقامية.

هذا هو باختصار ما يدور في فلكه المسلسل من خلال شخصية (مجد)، الشاب المفعم بالحياة والأمل والحب، ولحظة بلوغه قمة الثقة في صديقيه راغب وعزت، وبلوغه قمة نشوة الحب مع معشوقته حياة، يفيق على اتحاد ثلاثتهم على سرقة محل مجوهرات وقتل حارسه وتلفيق التهمة لمجد ليودع في السجن ظلماً وغدراً.

بفضل الخيانة الأقسى من الثلاثة الأقرب إلى القلب والعقل، وفي السجن يتعرض للمزيد من الظلم ولكنه ظلم الأبعدين المعتاد والذي لا يترك ندوباً في النفس مثل ظلم الأقربين، حتى يلتقي سجيناً يعتبره السجانون والمساجين زعيماً، يلقبونه ب (الخال)، كلمته لا تصير اثنتين، أوامره نافذة، مثقف وصاحب رؤية وفلسفة.

يتعاطف مع (مجد) ويتبنى قضيته ويخطط له ويدربه حتى يستطيع الانتقام حال خروجه، يندلع حريق في السجن يحوله إلى ساحة هرج ومرج يستغله الظالمون ويشوهون مجد، فيتم تهريبه وإعلان وفاته ودفن جثة بلا ملامح مكانه.

محمود حسونة يكتب: (آسر).. دوران في الفراغ بإيقاع سريع

محمود حسونة يكتب: (آسر).. دوران في الفراغ بإيقاع سريع
مباراة في التمثيل سجل فيها كل ممثل هدفاً بل أهداف بطريقته وحرفيته

الصنعة الاحترافية الجاذبة

بتوصيات وتخطيط وتمويل من الخال تجري عدة عمليات لمجد تغيّر ملامحه وصوته ليعود للحياة باسم (آسر)، ومع (آسر) تبدأ رحلة الانتقام، رحلة معقدة وعلاقات متشابكة ومواقف مؤلمة وتناقضات حادة يعبر عنها الفنانون، ويتعايش معها الجمهور بفضل الصنعة الاحترافية الجاذبة، ولكن طول الحلقات يتسلل الملل رويداً رويداً إلى الناس بعد أن يضيقون ذرعاً من اللف والدوران في الفراغ الدرامي.

حرب بين فريق (آسر) المجني عليه وبين فريق الجناة الذي يضم راغب وعزت وحياة وغازي تستخدم فيها كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة، وتؤكد أن الجميع مسلوبة حياتهم مفقودة حريتهم ويتساوى في ذلك الظالم والمظلوم، وأن طريق الجريمة الكل فيه خاسر، والكل مصاب بعقد نفسية وندوب سلوكية..

مباراة في التمثيل سجل فيها كل ممثل هدفاً بل أهداف بطريقته وحرفيته، يتألق فيها الموهوب (باسل خياط)، والمعلم (عباس النوري)، والصادق (سامر المصري)، والمتألق (خالد القيش)، واصطف بجانبهم بموهبة فذة وقدرات متميزة اللبناني (مجدي مشموشي) في دور غازي، الشيطان الجشع.

نسائياً، جسدت باميلا الكيك حياة باقتدار، ولو أنها ضبطت حركات ولغة الجسد أكثر لتأقلت أكثر، (زينة مكي) في (ناي) جسدت النعومة والألم، أما (نادين خوري) في دور الأم الكفيفة التي ترى ببصيرتها وتحس بمشاعرها فقدمت دورها الأهم عبر مسيرتها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.