رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: من عطر الذاكرة .. (سامي السعيد).. و(فرج عطا الله يوسف).. (1)

إبراهيم رضوان يكتب: من عطر الذاكرة .. (سامي السعيد).. و(فرج عطا الله يوسف).. (1)
ديوان (الدنيا هى المشنقة)

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

بعد خروجى من المعتقل وعودتى إلى طلخا كنت كالمجذوم .. يفر منه الجميع .. مصافحتى تهمة.. والحديث معى قد يتبعه مراقبة لصيقة.. لن تنتهى بخير في كل الأحوال لمن يتحدث معي ..

 علم صديقي (سامي السعيد) بوصولي.. أخبرتنى أسرتى أنه كان دائم التردد على المنزل..  كان جريئا إلى أقصى مدى . لدرجة أنه كان يصحب والدى عند زياراته لى في معتقل طرة السياسى.. حتي يحمل عنه من جهة مشقة السفر.. ومن جهة أخرى حتي يوفر عليه تكاليف السفر

فشقيقه فتحي يعمل كمساريا في شركة الأتوبيس.. في كل زيارة كان والدي يبكي علي صدري عندما أعاتبه على عدم إرسال أي مبلغ لي من مرتبي الذي يصل شهريا من سوهاج عن طريق المبدع (فاروق حسان) الذي كان يشغل منصبا في مديرية التربية والتعليم في سوهاج..

وينشر قصصه معي في مجلة (الشباب العربي.. مجلة منظمة الشباب) التي لا أنتمي إليها.. الغريب أن (فاروق حسان) كان يحكم بالوفاة علي كل أبطال أعماله في نهاية قصصه التي تميل للسياسة.

يقول لي والدي: و الله يا ابني مفيش ولا مليم بييتوفر.. والنوته دى فيها كل المطاعم.. و الدكاكين اللي كنت باخدمهم أيام ما كنت صول في مركز طلخا.. و.. مش عارف أسددهم).

يقبلني والدي من خلال دموعه.. ويقبلني  (سامي السعيد) و هويطبطب علي ظهري ويردد: (خلاص يا إبراهيم.. هابعت لك أنا فلوس )

كان كل من في المعتقل.. لهم مبالغ في (الكانتين) يطلبون في حدودها أو منها كل كل ما يلزمهم.. جبنة.. أو طماطم..أو جاز للتوتو.. أو حلاوة طحينيه.. أو خلافه..

كان زميلنا قائد العنبر.. يتسلم كشفا بأسماء الذين ستوزع عليهم هذه الأشياء التي طلبوها.. ويتم الخصم من نقود المعتقل التي أودعها في الخزينة..

إبراهيم رضوان يكتب: من عطر الذاكرة .. (سامي السعيد).. و(فرج عطا الله يوسف).. (1)
بعد خروجي من المعتقل ووصولي إلي منزلي ..حضر (سامي السعيد) لزيارة أسرتي كالعادة

بعد خروجي من المعتقل

بعد خروجي من المعتقل ووصولي إلي منزلي ..حضر (سامي السعيد) لزيارة أسرتي كالعادة.. وكانت المفاجأة.. حينما وجدني موجودا بالمنزل.. احتضننى وهو يبكي.. طلب مني  أن ارتدي ملابسي لأمر هام..

كانت فرصة لي أن أري الشارع في صحبته، حيث كنت قد نسيت كل شئ أثناء وجودي في زنازين مصر..أخذني (سامي السعيد) إلى الكورنيش..أمام سينما أوبرا..حيث كان يواعد (فرج عطا الله يوسف)..

تذكرت الاسم الذى ردده على مسامعى أفراد اسرتى من قبل.. وحذرتهم وقتها منه لشكى انه قد يكون مخبرا هو أيضا.. اكتشفت بعد ذلك.. أن (فرج عطا الله يوسف) قد عثر على ديواني (الدنيا هي المشنقة).. فظل يبحث عني إلى أن أخبروه أن أعز اصدقائي اسمه (سامي السعيد)..

كان (فرج) يعمل بالتربية والتعليم قبل أن يصبح رئيسا للشؤون القانونية في الإداره..عثر (فرج) على (سامي السعيد) أخيرا.. وطلب منه أن يقرأ أوراق (إبراهيم رضوان) التي عنده.. 

تردد (سامي السعيد).. و.. من كثرة إلحاح (فرج عطا الله يوسف)  قال له (سامي السعيد): رغم انني غير مقتنع باطلاعك على الأوراق.. إلا أنني سأعطيها لك وأجري على الله.. و أنا أعلم جيدا.. أنني ارتكب جريمة كبيره في حق (إبراهيم رضوان) المعتقل في طره السياسي.

قال له (فرج) في المقابلة التالية بعد أن قرأ الأوراق: هل تستطيع أن توصلني الى منزل (إبراهيم رضوان) لأتعرف علي عائلته؟، قال له (سامي السعيد) يوم الجمعه.. إذهب الي مسجد التوابتي بطلخا..واجلس بجانبى ..وبعد الصلاة.. سأعرفك على والده.

قال له (فرج) لن أستطيع دخول المسجد لأنني مسيحي، فوافق (سامي السعيد) ووصف له عنوان المنزل.. أخبرهم (فرج) بعد أن وصل لهم أنه من أعز أصدقائي.. أخرج لهم الكارنيه الذي يثبت أنه زميلا لي في التربية و التعليم.. أصبح يذهب يوميا ليجلس معهم.. مؤكدا أنه من أعز الناس لي..

وأننا كنا لا نفترق.. وأنه حزين جدا لفراقي.. كانت الأسرة متعجبة جدا.. لأنهم لم يعرفوه.. أو يشاهدوه قبل ذلك معي.. تأكد والدي من المعلومات التي أبلغه بها بعد زيارته له بالإدارة التعليميه بالمنصورة.

كان والدي بعد خروجه عن المعاش يقبض أربعة جنيهات فقط.. لتسعة أبناء وزوجة.. تقدم بطلب ليعمل بجمعيه الأحذية التابعة لمديرية امن المنصورة.. كان (فرج عطا الله  يوسف) يحضر له في طلخا قبل أن يذهب الى مكان عمله.. ليوصله إلى الجمعية سيرا على الأقدام..

إبراهيم رضوان يكتب: من عطر الذاكرة .. (سامي السعيد).. و(فرج عطا الله يوسف).. (1)
مديريه الأمن بجوار كوبري طلخا مباشرة

بجوار كوبري طلخا

فمديريه الأمن بجوار كوبري طلخا مباشرة.. وفي موعد خروج والدي الساعة 4.. يذهب له (فرج) ليعود به.. ثم يأخذه من الساعة 7 ليلا.. حتي العاشرة مرة أخرى.. كانت صحة الوالد في طريقها إلى التدهور.. وقد تكالبت عليه أحمال  السن.. والفقر.. واعتقالي..

عندما علم أن شقيقتي مريضة.. أحضر لها الطبيب الى المنزل.. يشترى الدواء الغالي.. عندما يعلم أن والدتي تعاني من أي ألم.. يكون الطبيب في نفس اليوم بالمنزل..

كان خادما للأسرة.. يقوم بكل ما يلزمهم منيبا عنى في غيبتى.. يأتي لهم كل أسبوع بالحلوي والسندويشات التي يجلبها معه من الكنيسة.. كانوا يعرفون أنه مسيحي.. كانوا يتعجبون من الحب الذي يربطه باابنهم  ..

أعود إلى حيث وقفتى مع  (سامي السعيد) أمام سينما  أوبرا وأنا لا أدري السبب الذى أحضرنى له.. فجأة حضر شاب طويل القامة.. عانق (سامي سعيد).. أخذ يطيل النظر إلى ملامحي..

أخبره (سامي السعيد) أنني (إبراهيم رضوان).. وأنني خرجت من المعتقل اليوم.. ارتعش فرج.. انهمر فجأة في البكاء وهو يعانقني.. قال لي أنه سيعود لبيته فورا  ليبلغ أمه أنني خرجت من المعتقل.. فهى تشعل يوميا شمعه لستنا مريم.. وتدعو لي يوميا أن أخرج من المعتقل ..

و

كان كل الجو رياح ..و تراب و غبار.. و عواصف..

 ماشية ورايا في كل مكان

وأنا جوه القلب زلازل..

جوه الروح بركان

مش حاسس شئ غير الأحزان

والجان السكن جوه جميله أحلامي..

وجوه الروح

إنسان راجع من رحله طويلة..

حزين مجروح

دا لأنه بيعشق جدا روح الروح

ولأنه اتجرأ إنه يبوح..

بجميع أحاسيس الناس..

من غير ما يخاف

عيش دلوقتي في برد لعين..

مش لاقي لحاف

 لا لاقي ضفاف على أرضه يعيش

سحلوه في سجون الليل و الخوف

وما زالوا بيجروا وراه بحصان

يمكن يقدروا ينتفوا من جسده بقيت الريش

وما زال بيقول فوق الأوراق

الماشي وراه

وحياة من خلقك..

انت الفرد.. وقلمي الحر الهادر..

قادر إنه يواجه جيش

من كتاب (مدد مدد..)

سيرة ذاتية لبلد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.