

بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
عاد الدكتور (يوسف زيدان) إلى عهده القديم في مهاجمة القائد المسلم (صلاح الدين الأيوبي)، الذي يمثل فيلمه الشهير واحدا من أيقونات الدراما السينمائية في البطولة والفداء، ليصنع نوعا من الجدل على سبيل لفت الانتباه ليس إلا، فقد اعتاد ما يسمى نفسه بالمفكر بأسلوب السب والقذف والتطاول على قامات راسخة في وجداننا بدعوى تصحيح المفاهيم.
ولست أدري سببا واحدا لأن يوكل (يوسف زيدان) إلى نفسه مهمة تكسير الثوابت وتحطيم عقيدة الناس وتحطيم الدراما الدينية، ليس بالحكمة والبرهان والتحقيق في الوثائق التي تخصص فيها، بل بأسلوب مستفز على جناح الاستقواء بألفاظ نابية تؤكد كذب ادعاءات الواهية، التي تخلو من العقل والمنطق الذي يتمتع به أمثاله من الأكاديميين.
فقط يحاول ركوب (الترند) المعلون وتحقيق شهرة مزعومة بناها على منطق (خالف تعرف)، فهاهو (يوسف زيدان) يحلق من جديد بأوهامه وخياله المريض، مدعيا أن (صلاح الدين الأيوبي حرق مكتبة القصر الكبير التي كانت إحدى أهم المكتبات في العالم بدعوة سياسية معتادة حتى الآن وهى مواجهة الفكر الشيعي).
و(يوسف زيدان) هنا لم يدفع لنا بوثائق أو مستدات تؤكد صدق ما يدعي، غير أنه يحاول أن يعلو بصوته الأجش بمنهج الوحش المفترس عبر فضائيات من خلال برامج تفتقد المصداقية، عندما يجاريه إعلاميوها بأصوات الجعير، وهم لايدرك حقيقة هذا الهراء الذي يلقى هوى عند رواد السوشيال ميديا ليعيسوا فسادا في الأرض الخراب.
فمن أين جاء (يوسف زيدان) بأن (الأيوبي) ارتكب جريمة إنسانية بمنع الفاطميين الذين حكموا مصر 250 سنة من التناسل، عندما قام بعزل الذكور بداية من المولود وحتى الرجال في عمر 100 عام في منطقة بعيدا السيدات، بحيث لا يروا أنثى حتى يقطع نسلهم، وهو ما لم يذكر في أي من كتب غابت عن سيناريو فيلم (صلاح الدين الأيوبي).
هل هذا كلام يصدر عن عاقل يدعي أن قصة (وإسلاماه) تزيد العنف عند الأطفال، ومليئة بالمغالطات التاريخية، فما هو سندك في هذا أيها المفكر الذي يدعي التدقيق وفحص شواهد التاريخ؟.. هل أجريت دراسة أو قمت بعمل بحث استقصائي للأطفال الذين شاهدوا الفيلم. ومن ثم زادت معدلات العنف عندهم؟!

تعبيراته (الخرائية) المقززة
غير أن (يوسف زيدان) يتفنن دوما بأسواب التشويق في رحلة انتقاله من محطة إلى أخرى في اختيارات تعبيراته (الخرائية) المقززة في إحداث صدمة للجمهور، ففي إحدى لقاءته التي أقل ما توصف بالفجاجة، قال: (البلوه اللى عملها الأيوبى جابلنا ناس قعدوا يحكمونا 500 سنة بنظام الحكم لمن غلب، ومكنش فيه مؤهلات للحكم).
وراح يبحر في ترهاته، قائلا في موضع آخر: (محمود بن سبكتكين) حاكم الدولة الغزنوية فى الفترة من عام 998م إلى 1030م فى زمن الخلافة العباسية، قتل مليون ونصف المليون هندى، ويتفاخر بذلك الفعل.
كما أنه حرق المكتبات وقتل (المعتزلة والشيعة)، وتابع: (ونهب الناس وكان واخد الهند تسليه بسبب عدم وجود ملك قوى لها، وكانت قاعدته فى غزة بأفغانستان، وكان يسمى نفسه (محمود بن سبكتكين) ناصر السنة وقامع البدعة.
لقد نصب (يوسف زيدان) نفسه وصيا على الأمة وراح يخاطب الناس في وقاحة: (يا أهل مصر، ويا كل العرب.. استفيقوا من أوهامكم التي رسخت في لاشعوركم الجمعي وقعدت بكم في قاع العالم المعاصر، حتي صيّرت صورتكم مزريةً في العالمين..
واعلموا أن الذين جعلوا لكم فيما سبق مكانة بين الأمم المتحضرة، هم علماؤكم وشعراؤكم والفنانون والصوفية الذين أسهموا في صناعة الحضارة الإنسانية، من أمثال (البيروني والرازي وابن سينا وابن رشد وابن النفيس).
وفي نزق وراءه ما وراءه من أغراض سيئة تخدم أجندة في رأسه هو ومن يوظفونه في سبيل هدم الثوابت الراسخة في وجدان أمة الإسلام حيث قال: (هؤلاء هم أبطالكم الحقيقيون، وليس أولئك المزيفين من حكامكم السفاحين الحقراء الذين استباحوا الدماء من أجل السلطة، أمثال (عبد الرحمن الداخل وأبو العباس السفاح والحجاج بن يوسف وقطز وبيبرس وصلاح الدين المملوك الكردي).
وفي تجرؤ غريب ومريب قال عن (صلاح الدين الأيوبي) أنه ترك قومه يعانون من ظلم العباسيين، وخان الحاكمين الذين أقسم لهما بالولاء: السلطان السني نور الدين، و الخليفة الشيعي العاضد الفاطمي.
وكأنه ناسك أعظم قال: (يوسف زيدان) كلامه على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك مؤدا وناصحا: (افهموا الملعوب يا عرب وارحموا أنفسكم فيرحمكم الله ويحترمكم المعاصرون).

تشويه شخصيات عظيمة
ولأن منشورات (يوسف زيدان) تثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ مهاجمته للقائد الإسلامي (صلاح الدين الأيوبي)، قائلا: (إنه أحد أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني)، فقد انقسم رواد السوشيال ميديا بين مؤيد ومعارض لوجه نظر (زيدان)، فأدان البعض ما اعتبروه تشويه لشخصيات عظيمة في التاريخ العربي والإسلامي، بينما رأى البعض أن تلك هى واقائع تاريخية لا يمكن إنكارها ويجب الاعتراف بها.
لست أدري كيف يتفوه (يوسف زيدان) الذي يطلق على نفسه مفكروأديب وروائي كبير، بأن (صلاح الدين الأيوبي) أفسد الأمة العربية وتسبب في تخلفها، متهما إياه بقتل نحو 800 ألف شخص، وأنه بدد ثروة مصر والشام في شراء المماليك، مؤكدا أن ذلك تسبب في ترسيخ حكم المماليك لمصر أكثر من 500 عام، تأخرت فيها مصر كثيرًا بعدما كانت متقدمة على أوروبا
وتابع: (وقت ما أوروبا كانت بتعتقد أن مرض الجنون سببه الأرواح الشريرة، المسلمين كان لديهم مستشفيات أمراض نفسية على أعلى مستوى)، مشيرا إلى أن أوروبا حققت نهضتها في الوقت الذي حكمت به المماليك الدول الإسلامية.
ومن ادعاءت (يوسف زيدان) التي تحمل أحكاما جزافية أن (صلاح الدين الأيوبي) كون جيشه من المرتزقة والعصابات المسلحة، وأن مصر فى عهده كانت كالعلقم.. وقطع نسل الخليفة الفاطمى فى مصر بفصل النساء عن الرجال.
واصل الروائى الموهوم (يوسف زيدان) حملة التنقيب فى سيرة القائد الإسلامى صلاح الدين الأيوبى، بقوله بيقين يحمل نوعا من الفساد العقلي: ليس هناك أي شك فى أن (صلاح الدين) صالح الصليبيين وكان كريما معهم.
بل وسعى إلى الارتباط بهم بعلاقة مصاهرة وتزاوج من أجل الاستعداد للحرب مع الخليفة العباسى (الناصر لدين الله) الذى كان يسعى لاستعادة هيبة الدولة الإسلامية التى تهرأت بسبب مطامع الحقراء الطامعين فى الحكم ولو على حساب وحدة الدولة الإسلامية التى يمثلها الخليفة العباسى فى بغداد، وهو ما لم يشر إليه سيناريو الفيلم من قريب أو بعيد سوى أن هذا الصلح كان ثمنه تسيلم مفاتيح القدس ومغادرة الصلبيين.

شطط (يوسف زيدان)
وإمعانا في نظرية المؤامرة التي ترسخ في ذهن (يوسف زيدان) وحده ليس غيره بحكم انتمائه إلى مايسمى (كيان) – وما أدراك ما (كيان) – يقول: كان الخليفة العباسي قد أعاد الجزء الشرقى (فارس) إلى نطاق الدولة، وأراد تطهير الجزء الغربى من الاحتلال الصليبى، فتقاعس (صلاح الدين) عن الاستجابة لهذا المطلب، وسارع إلى الصلح مع الصليبيين ومنحهم الأرض، وهذا نوع من التواطؤ والتآمر المقيت، كى يضمن لنفسه ولأولاده السلطة التى اغتصبها..
وبالمناسبة الذى ذكر ذلك هو المؤرخ (ابن الأثير) صاحب كتاب (الكامل فى التاريخ) وهو مؤرخ محايد، سُنى، قريب عهد بالأحداث، ومن يدري حقيقة أن هذا المؤرخ قال هذا الكلام وفي أي فصل من فصل كتابه، فلم يسرد لنا (يوسف زيدان) النص الذي يدعيه صراحة.
كانت بداية شطط (يوسف زيدان)، عندما قال خلال لقائه ببرنامج (كل يوم) على فضائية (ON E) مع الإعلامى (عمرو أديب)، أن صلاح الدين الأيوبى ليس بالشكل الذى قدمه الفنان أحمد مظهر، موضحا أن ذلك الفيلم من خلق مؤسسة الحكم فى الفترة التى قدمت فيه، ووظفت (يوسف شاهين).
وتابع: (صلاح الدين الأيوبى من أحقر الشخصيات فى التاريخ الإنسانى)، لافتا إلى أن (صلاح الدين قام بجريمة ضد الإنسانية ضد الفاطميين وعزل الرجال فى حتة والستات فى حتة، بحيث أن الذكور لا يروا أنثى، فانقطع النسل، وحرق مكتبة القصر الكبير).
ورد عليه في حينه بعض الؤرخين الذن كان لهم رأى أكثر علما وفهما لحوادث التاريخ، فالدكتور (محمد عفيفي) أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، قال: إن كل شخصية تاريخية سياسية لديها سلبياتها وإيجابيتها، ولا يصح اختزال مشوار أى شخصية بكلمة (أحقر أو أفضل).
وأوضح الدكتور (محمد عفيفي) في حينه في (اليوم السابع): أن استخدام لفظ (أحقر) دليل على نميمة المقاهى، فالمؤرخ الحقيقى يتعامل مع أى ظاهرة بهدوء، ويتحدث عن الشخصية بكل إيجابيتها وسلبياتها، إضافة إلى أن المؤرخين يتعاملون بالبحث الدقيق ويدرسون السيرة الكاملة.
وتابع (عفيفى): إن المؤرخين الحقيقيين لا يستخدمون كلمة (أحقر أو أفضل)، مع الأسف هذا ليس زمن العلماء.
وفى السياق ذاته قال الدكتور (أيمن فؤاد) رئيس الجمعية التاريخية أن صلاح الدين الأيوبى، يعد ضمن الشخصيات المهمة فى تاريخ العالم الإسلامى، أولاً لأنه وضع نهاية للحكم الفاطمى، وجعل مصر ضمن مجموعة الدول السنية التابع للخلافة العباسة، ووحد الجبهة الإسلامية فى موجه الصليبيين، وشيد قلعة القاهرة وانتهى الأمر بانتصاره فى معركة حطين.
وفى السياق ذاته قال (بسام الشماع) عالم المصريات أن هجوم (يوسف زيدان) على القائد (صلاح الدين الأيوبي) لم يكن الأول بل حدث ذلك من قبل، ولكن لم أكن أتخيل أن (يوسف زيدان) يستخدم كلمة (أحقر) على هذا القائد العظيم.
وأوضح أن بعد الهجوم على (صلاح الدين الأيوبي) فى المرة الأولى، قمت بتدشين صفحة رسمية على موقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك)، تحمل عنوان (صلاح الدين الأيوبى رد الاعتبار)، تتضمن 199 معلومة موثقة عن صلاح الدين.

من أين يستقى معلوماته؟
وفي النهاية يبقى السؤال الخطير: من أين يستقى يوسف زيدان معلوماته؟
الكتب جميعها لم تكن ضد (صلاح الدين الأيوبي) فكثير من المؤرخين كانت لهم رؤية إيجابية فى شخصية الناصر (صلاح الدين الأيوبى)، خاصة أن الربط بين شخصية السلطان الأيوبى وبيت المقدس علاقة لا انفصام لها، ومنها: (سيرة صلاح الدين الأيوبي)، لـ (ابن شداد)، وصلاح الدين الأيوبى.. لـ (جورج زيدان).
فضلا عن (صلاح الدين الأيوبى) لـ على محمد الصلابي، (صلاح الدين الأيوبي.. قاهر العدوان الصليبي) لـ محمد رجب البيومي، (صلاح الدين).. شاكر مصطفى)
وتظل شخصية (صلاح الدين) دائما قادرة على صناعة الكثير من الجدل بسبب هذا الاختلاف بين الكتب التى يذهب بعضها لتقديسه ويكتفى الآخر بشيطنته، ومع ذلك لم يذهب أي من هؤلاء بلفظ واحد يسب ويلعن (صلاح الدين الأيوبي) بنفس أسلوب الموتور (يوسف زيدان)، دون أن يقرأ المصادر الحقيقية التي تعتمد الأخلاقية في تقييم الشخصيات التاريخية.
ألم أقل منذ البداية أن تصريحات (يوسف زيدان) هى فقط لمجرد ركوب الترند وتحقيقة شهرة واهية بأسلوب التجريح وطعنه في شخصية (الناصر صلاح الدين الأيوبي)، والذي اعتبره من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني – على حد تعبير الوقح – بعد جرده من منقبة فتح القدس؟!