رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد شمروخ يكتب: الشخصية الحقيقية لـ (معالي الوزير)

محمد شمروخ يكتب: الشخصية الحقيقية لـ (معالي الوزير)
الوزير الذي أبدعت شخصيته مخيلة وحيد حامد في (معالي الوزير)

بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ

فاسد لكل العصور.. كل هؤلاء كانوا (حضرة صاحب المعالى).. لكن من هو؟!.. فقد انشغلت كما انشغل كثيرون غيرى من مشاهدى فيلم (معالى الوزير) بسؤال عن صاحب الشخصية الحقيقية للوزير (رأفت رستم)، والتى جسدها الفنان الراحل (أحمد زكى) ببراعة جعلت من المستحيل أن تتصور أداءها من ممثل آخر مهماً بلغت عبقرية أدائه أمام الكاميرات!

ويمكن أيضا أن يكون نما إلى علمك، أن (وزير تشابه الأسماء) هو في الوقائع التاريخية، كان أحد وزراء آخر وزارة شكلها الزعيم الوفدى (مصطفى النحاس) لحزب الوفد في العهد الملكي!

غير أن الوزير الذي أبدعت شخصيته مخيلة وحيد حامد في (معالي الوزير)، لا يمكن أن يكون المقصود به هو (المستشار مرسي فرحات) وزير التموين في وزارة الوفد الأخيرة، لعدة أسباب،  يأتى في أهمها، أن السيرة الشخصية المعروفة عن (المستشار فرحات)، أبعد ما تكون عن شخصية رأفت رستم المجسدة على الشاشة!.

والحقيقة ببساطة هى أن (النحاس باشا) عندما طلب إسناد وزارة التموين إلى (المستشار فرحات)، لم يتذكر اسمه الأول، ومع حضور الوزار،ء المختارين قبيل حلف اليمين الدستورية أمام الملك فاروق، في يناير 1950،  قرر (النحاس) أن الذي الشخص المقصود لم يكن هذا الرجل وإنما الذي قصده كان (فرحات) آخر.

وتذكر النحاس اسمه الأول (قطب) لكن بعد إتمام حلف اليمين أمام الملك!.

وعموماً حدث بالفعل أن جاء (مرسي فرحات) وزيراً لا لسبب إلا التباس الاسم لدى مصطفى باشا النحاس!، لكن سيادة الوزير، كان قاضيا نزيها مشهودا له بحسن السمعة وبإجماع الآراء.

محمد شمروخ يكتب: الشخصية الحقيقية لـ (معالي الوزير)
أدى حريق القاهرة في يوم 26 يناير 1952، الى إقالة الوزارة كلها صبيحة اليوم التالي

إقالة وزارة النحاس

وعموماً لم ترصد فيما بعد، أي شبهات قد تؤخذ عليه إبان عمله وزيراً، كما أنه لم يطل عمر منصب الوزير أكثر من عمر الوزارة نفسها، والتى لم تعمر لأكثر من سنتين وجمعتين بالتمام والكمال، حيث أدى حريق القاهرة في يوم 26 يناير 1952، الى إقالة الوزارة كلها صبيحة اليوم التالي.

بعدها اختفى اسم السيد (المستشار مرسي فرحات) من سجلات مجلس الوزراء إلا وزير سابق في عهد سابق، ولم يذكر عنه أحد أنه شغل أى منصب رسمي لا خلال الشهور الستة الباقية من العهد الملكي بعد إقالة وزارة النحاس، ولا في أى من عهود الجمهورية التالية فيما بعد!

لكنها كانت فرصة طريفة وساتحة، تصلح لأن تكون بذرة لسيناريو حامدى عبقري في (معالي الوزير)!

فقد نسج منوال وحيد حامد شخصية (رأفت رستم) بأنه التقط من كل عهد وزارة، ومن كل وزارة واقعة متعلقة بوزير، ومن كل وزير صفة قبيحة اشتهرت عنه وعرف بها قبل أو طوال مكوثه في المنصب الوزاري!

فأنت إذن أمام وزير مناسب لكل العصور، ملكى أو جمهورى أو (جورملكي!),

فالحوادث المتتالية في فيلم (معالي الوزير) مأخوذة عن عدة وزراء في كل تلك العصور، من سمات ووقائع ومواقف وحركات وأساليب شكلت سماتهم حتى في النطق والمشية والنظرة والضحكة واللمحة!.

(كله، كله.. ماهو أصل رأفت باشا بتاع كله).

ومع ذلك.. فهذا ليس كل شيء!

فالأستاذ وحيد (ابن حنت) أى صاحب حرفة، أى ابن كار أصلى، فهو لم يكتف بالسمات والصفات والحركات فحسب، ولكن حتى الأسماء كان منتقياً ببراعة، اختارها من الواقع بكل ذكاء، إذ أنك تجد مساعده اللصيق به (وهو بتاع كله.. كله كله يعنى). اسمه (عطية)، وهو بالضبط اسم شخص حقيقي اشتهر في الدائرة المحيطة بأحد الوزراء المعمرين لفترة طويلة (إلا صاحب هذا الاسم اتخذ لنفسه لقبا آخر بسبب عقد نفسية واجتماعية لا يحملها اسم عطية لكن حامد وقع اختياره على الاسم الحقيقي).

كما أن من بين صفات الأستاذ (عطية) في فيلم (معالي الوزير)، والتى برع فيها الفنان (هشام عبد الحميد)  صفة مأخوذة من شخص آخر كانت مهمته توريد كل شيء من البدل التفصيل وحتى الحريم ع الفرازة، لبعض كبار المسؤولين من الوزراء والمحافظين وأصحاب المواقع – المؤثرين فقط – ويعطيك ما عطاه وإن لم يكن اسمه عطية!

محمد شمروخ يكتب: الشخصية الحقيقية لـ (معالي الوزير)
سالم الإخشيدي ومحجوب عبد الدايم في (القاهرة 30)

سالم الإخشيدي ومحجوب عبد الدايم

لكن الشهادة لله، كان هذا النموذج منتشراً في كثير من الوزارات والمؤسسات، نموذج يتضاءل بجواره شخصيات من أمثال (سالم الإخشيدي ومحجوب عبد الدايم) في فيلم (القاهرة 30).

كذلك ما ورد في أحد مشاهد كوابيس الوزير في أثناء التحقيق معه بتهمة الكسب غير المشروع، بذكر شخص اسمه (عبعزيز) في التسجيل الذي واجهه به المحقق (في الكابوس طبعاً) إذ لم يرد ذكر هذا الاسم اعتباطاً.

فقد اصطاده (وحيد حامد) من اسم مساعد كمبورة في سلسلة النكات الكاريكاتورية في جريدة الأخبار والتى أبدعتها قريحة ساخر مصر الأعظم (أحمد رجب)، وبريشة الفنان الكبير (مصطفى حسين)، أيام كانت تلك الشخصيات ينتظرها الناس كل صباح لتكون أول ما تقع  عيونهم عليها في جريدة الأخبار!

ملحوظة على جنب: (شاهدت بعيني شخصاً يحمل صفات تكاد تكون مطابقة لشكل (عبعزيز الكاريكاتيورى) بالضبط، وكان موظفاً في سكرتارية مسئول كبير بإحدى الوزارات،  فتذكرت صورة (عبعزيز) وخصوصاً تلك التعاريج الجلدية الصغيرة حول عينيه عندما يبتسم ابتسامته الصفراء..وكانت مهمته توريد الحشيش الملوكي.. وقد نحكى قصته بالتفصيل في مناسبات مقبلة)

هل مازال السؤال يراودك من هو رأفت رستم باشا؟!

وإمعاناً في الشهادة، لابد أن نذكر بخير الأجواء التى أنتج وعرض فيها هذا الفيلم الذي يحسب من أكثر الأعمال الفنية شجاعة في تاريخ الفن التمثيلي سينما، مسرح، تليفزيون، إذاعة.

حقاً.. كان هناك فساد.. لا أحد ينكر، لكن إحقاقاً للحق واستكمالاً للشهادة، كان هناك أيضاً، من يشير بوضوح إلى هذا الفساد ليكشفه أمام الجماهير، كاتباً أو رساماً أو ممثلاً أو مخرجاً أو سيناريست، لا يبالون.

كما أنهم كانوا يعودون إلى بيوتهم آمنين مطنئنين، لا يخافون، بل وأحياناً يتم تكريمهم ومنحهم الجوائز من الدولة نفسها التى أرادوا أن يلفتوا نظر أجهزتها إلى جميع ألوان الفساد التى انتجت شخصيات مثل (رأفت رستم) تتسرب إلى القمة، كأسوأ مثال على الوزير أو المسئول الفاسد، في كل العصور!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.