رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(مجد مشرف).. الأقرب في أنسنة (يزيد بن معاوية)

(مجد مشرف).. الأقرب في أنسنة (يزيد بن معاوية)
ملامح الوجه وخيارات الأداء، كانتا من العلامات التي رسمت يزيداً بصورة واضحة في خيال المتلقي

بقلم الكاتب السوري: عامر فؤاد عامر

امتلك الفنّان الشابّ (مجد مشرف) حضوراً قويّاً أمام الكاميرا، وذلك عبر تجسيده شخصيّة (يزيد بن معاوية)، حيث كان لديه القدرة على فرض الكاريزما، خصوصاً في مشاهد السلطة والقوّة، وهو شيء ضروري لتجسيد شخصيّة مثيرة للجدل عبر التاريخ مثل (يزيد).

(يزيد بن معاوية) شخصيّة بارزة تابعنا تطوّرها في المسلسل التاريخي الذي عرض في الموسم الدرامي 2025 من إخراج طارق العريان – أحمد مدحت، وتأليف خالد صلاح، ومن المعلوم أنّ شخصيّة الخليفة (يزيد بن معاوية بن أبي سفيان) إشكاليّة الحضور في التاريخ العربي.

فكثير من المصادر قدّمتها لنا بعنفها وقسوتها لكن من الوصف يمكن استنتاج الدهاء الموروث والسلطة المكتسبة من البيت الذي تربى فيه أساساً، وعلى الرغم من كلّ ذلك يبقى هناك الجانب الإنساني الذي لا بدّ للدراما أن تعالجه وتتوقف عنده، وبقدر الإمكان أن تطرحه بصورةٍ محايدة، على الرغم من صعوبة تحقيق هذا الأمر في الدراما العربيّة على الأقل.

هنا يتجلّى الدور الأصعب للفنّان (مجد مشرف) في التحضير لشخصيّة (يزيد) التي تحتاج الدقة والانتباه في مراجعتها وقراءتها عبر المراجع التي تطرقت للفترة الزمنيّة التي عنونت بحكمه وما قبلها وما بعدها.

وهذا جهد كبير ومضنٍ لا بدّ منه، حتّى يتمكن المتلقي من تسليم نفسه متأثراً بهذه الشخصيّة عبر معرفة الممثّل الموهوب، ونعتقد بأنّ الممثّل (مجد مشرف) كان على مسؤوليّة ووعي فيما قدّمه من أسلوب جدّيّة للتعامل مع هذه الشخصيّة الصعبة.

لدى مراجعة وتفكيك شخصيّة يزيد بعد متابعتها في مسلسل (معاوية)؛ وكيف أسلمنا إيّاها (مجد مشرف) يمكن التوقّف عند بعض النقاط المهمّة والإشارة إليها، وكان من أبرزها: التحكم الجيّد بالصوت، فأداء (مجد مشرف) الصوتي كان مضبوطاً في نبرة هادئة وباردة أغلب الوقت، مما أعطى الشخصيّة غموضاً وقسوة غير مفتعلة.

(مجد مشرف).. الأقرب في أنسنة (يزيد بن معاوية)
أثبت (مجد مشرف) كممثل شابّ بأنّه موهبة واعدة أمام تصديه لدورٍ صعب جدّاً

ملامح الفنّان (مجد مشرف)

أيضاً ملامح الوجه وخيارات الأداء، كانتا من العلامات التي رسمت يزيداً بصورة واضحة في خيال المتلقي، فملامح الفنّان (مجد مشرف) ساعدت على تجسيد شخصيّة قياديّة باردة الأعصاب، وهذا كان في مصلحة العمل ككلّ.

نشيد أيضاً من ناحية الإقناع التاريخي، فقد نجح الممثّل الشابّ إلى حدٍّ بعيد في جعل يزيد شخصيّة مفهومة وغير كاريكاتوريّة، مما يُحسب لصالحه، خاصّةً أنّ المسلسل حاول تقديم شخصيّة يزيد بشكل معقّد، وليس صورة جاهزة سلبيّة أو إيجابيّة.

تعيدنا النقطة الأخيرة إلى فكرة أن شخصيّة (يزيد بن معاوية) حيث أنّه لم يتمّ التطرّق إليها بهذا الشكل من قبل، فبمراجعة واجبة نجد أنّ الدراما التاريخيّة كانت تلقي الضوء على الخليفة (يزيد بن معاوية) إمّا في مرحلة الطفولة أو أن تذكره عبر السياق الكلامي التاريخي الدرامي.

لكنّها لم تسلّط الضوء عليه بهذا القدر والمساحة، وعلى سبيل المثال نذكر دور الفنّان اللبناني القدير (رفيق علي أحمد) في تجسيد هذه الشخصيّة عبر مسلسل (معاوية والحسن والحسين) 2011، لكن بأسلوب صاخب وعاطفي يعلوه الغضب، فيزيد كان قد قُدّمَ هنا كرجل سلطة مندفع ومتسلّط.

أثبت (مجد مشرف) كممثل شابّ بأنّه موهبة واعدة أمام تصديه لدورٍ صعب جدّاً، فوجدنا امتلاكه أدواتٍ جيّدة، لكنّه بحاجة إلى استمراريّة في صقل تعبيراته الانفعاليّة الدقيقة أكثر، وهذا ما سيثريه على مستوى الأداء العاطفي مع مرور الوقت.

ونريد التأكيد هنا على صعوبة التصدّي لمثل هذه الشخصيّة الجدليّة، التي طرحتها كتب ومراجع التاريخ بأوجه من الصعب بمكان الجمع بينها، وعلى الأقلّ نجد فيها السياسي القوي من جهة والشاعر الفنّان العاطفي من جهة أخرى.

ومن هنا يتّضح موقف مجد مشرف في اتباع أسلوب الأداء المحافظ والمحسوب جدّاً المائل للبرود الذكي، والغامض، فأظهر لنا شخصيّة من التاريخ سماتها خليفة سياسي معقّد لكنّه ليس شيطاناً ولا بطلاً في نفس التوقيت.

بذلك يكون الفنّان (مجد مشرف) هو الأقرب في تقديم شخصيّة الخليفة (يزيد بن معاوية) كإنسان سياسي، نجح في (أنسنة) يزيد بطريقة محسوبة، وأكثر حداثة من كلّ من سبقه في تجسيدها.

(مجد مشرف).. الأقرب في أنسنة (يزيد بن معاوية)
هذا الفنّان التزاماً فنًيّاً واضحاً وقدرة على تجسيد شخصيّات متنوعة

مسيرة (مجد مشرف)

على الرغم من بعض الملاحظات البسيطة حول ضرورة تلقف المزيد من تنوع الأداء الشعوري في هكذا شخصيّة شاعرة بالضرورة، ولربّما يقع جزء من هذا العبء هنا على النص وعلى الإخراج في التكاتف للتصدّي لمثل هكذا شخصيّة شائكة في التاريخ العربي.

في الختام وبناءً على مسيرة (مجد مشرف) الفنّيّة حتّى الآن، يُظهر هذا الفنّان التزاماً فنًيّاً واضحاً وقدرة على تجسيد شخصيّات متنوعة كان آخرها (يزيد بن معاوية)، مما يجعله من الممثلين الذين يمكن أن يكون لهم تأثير مميّز في المستقبل، كما أنّ استمراره في اختيار أدوار متنوّعة، والعمل مع مخرجين متميّزين سيساهم في تعزيز مكانته في الوسط الفنّي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.