(إبراهيم خان).. أنقذه (الشجعان الثلاثة) من الموت، ورشحه رشدي أباظة لـ (غروب وشروق)

كتب: أحمد السماحي
من نجوم الفن الذين تعرضوا لظلم كبير، لأسباب متعددة، الفنان (إبراهيم خان) الذي يعتبر النجم السوداني الوحيد الذي نجح في الفن المصري، في مجال السينما، والتليفزيون، والمسرح.
ومن خلال هذه المجالات التى تفاوتت نجوميته فيها، قدم (إبرهيم خان) العديد من الأعمال الفنية التى خلدت اسمه خاصة في مجال السينما، التى كانت بدايته من خلالها.
حيث ظهر وهو طالب في معهد الفنون المسرحية، كضيف شرف عام 1959 من خلال مشاهد بسيطة في فيلم (حكاية حب) بطولة عبدالحليم حافظ، ومريم فخر الدين، بعدها إختفى تماما لمدة عشر سنوات، ثم ظهر في بطولات ثانية، حيث شارك كبار نجوم السينما بطولاتهم السينمائية.
المتابع لأفلام (إبراهيم خان) يجد فيها الاندفاع الشهم المغامر الكاشف عن أعماق تعيسة، لشخصية الشاب الشقي، على مستويات متعددة.
فهو في بعض الأفلام كان مثال للأخلاق الرجولية العالية، وفي البعض الآخر المثير الغامض، وفي أعمال أخرى كان المغامر الشقي، وفي كل هذه الأفلام ترك بصمة واضحة.
من ينسى دور (سمير) الزوج المغلوب على أمره، الذي يشاهد زوجته إبنة المسئول الكبير، في سرير أعز أصدقائه في فيلم (غروب وشروق) فيقوم المسئول الكبير بتصفيته جسديا منعا لفضيحة ابنته.
وهو (صبري عبدالمنعم) الجاسوس العاشق لـ (عبلة كامل) التى سلمته لمشنقة الإعدام، في فيلم (الصعود إلى الهاوية).

فيلم (دائرة الانتقام)
وهو أيضا (شريف وهبي) أحد اللصوص الأربعة الذين يشتركون في عملية سرقة ضخمة، لكنهم يغدرون بصديقهم جابر (نور الشريف)، حيث يقومون بتخديره.
وإبلاغ الشرطة عنه بعد تركه داخل إحدى الشقق، من خلال فيلم (دائرة الانتقام)، وغيرها من الأفلام التى كتبت اسمه بحروف من نور في سجل السينما المصرية.
الأعجاب بأنور وجدي وشكوكو.
من الأشياء التى أعتز بها أنني منذ بداية مشواري الصحفي، ونظرا لعشقي للفن، وإمتلاكي لأرشيف فني ضخم، كنت دائما أضع عيني على بعض نجوم الفن الذين لا يتحدثون كثيرا لوسائل الأعلام، وأجري معهم حوارات صحفية.
وأسعدني الحظ بإجراء حوارات كثيرة جدا مع هؤلاء النجوم، نشر بعضها في مجلة (الأهرام العربي) وفي جريدة (الحياة اللندنية)، ومجلة (الوسط)، وغيرها، وكان من بين هؤلاء النجم السوداني (إبراهيم خان) الذي نتركه يتحدث عن محطات شخصية، وفنية مهمة في مشواره الفني..
في البداية يقول (إبراهيم خان): ولدت لأب سوداني، وأم مصرية، وأذكر أنني عندما كنت طفلا صغيرا في بلدي السودان، كنت شديد الإعجاب بأفلام النجم (أنور وجدي)، وأفلام الفنان والمطرب (محمود شكوكو).
وكنت أشاهد الفيلم الواحد أكثر من سبع مرات حتى أحفظ حواره عن ظهر قلب، ثم أتركه لأشاهد غيره، كنت أحب الفن بصورة غير طبيعية لمن هم في مثل عمري.
وكان والدي يلاحظ ذلك، ويشجعني عليه، وكان يقول لصديقه الفنان الكبير (يحيي شاهين): (يبدو أن إبراهيم هيزحمك في التمثيل لما يكبر!).
وعلى عكس الأطفال الذين كانوا ينتظرون (البسكليته) أو (الساعة) كهدايا للنجاح في الدراسة، كنت أنا لا أستطيع أن أكتم فرحتي ووالدي يقول لي: (عندما تنجح سوف أسافر بك إلى مصر، وأجعلك تقابل الفنانيين).

لقاء غير مسار حياته
من هنا نمت هواية التمثيل داخلي، ولكنها ضاعت قليلا وسط إهتمامي بالدراسة، وما تلا ذلك، حين سافرت للدراسة في (إكسفورد) وعدت من هناك لأعمل كموظف وكاتب إختزال للغة الإنجليزية، في إحدى المؤسسات السودانية.
ثم تشاء الظروف أن أسافر إلى القاهرة في زيارة قصيرة التقيت خلالها صديقا من السودان هو (خالد العجباني)، وكان قد تخرج من معهد التمثيل، ويعرف مدى حبي للفن، فسألني: (لم لا تلتحق بمعهد التمثيل أنت أيضا؟!).
وفي هذه اللحظة قفزت الهواية من داخلي، وسارعت بتقديم أوراقي وإلتحقت بمعهد الفنون المسرحية، وأرسلت خطابا إلى أسرتي أبلغها بأنني تركت الوظيفة، وعدت من جديد لأصبح تلميذا.
وفي هذه الفترةاإلتقيت بصديق والدي الفنان الكبير (يحيي شاهين) فأبلغته بنبأ التحاقي بالمعهد فقال لي: (وهل تعرف يا إبراهيم المعاناة التى يقابلها الفنان؟!، وهل تعرف إنك لن تصبح بطلا إلا بعد عشر سنوات؟)، ومن دون تردد وجدت نفسي أجيبه: (ولا يهمني هذا أنا غاوي فن).

يوسف شعبان وحمدي أحمد
يضيف (إبراهيم خان): بعد سنوات الدراسة تخرجت من المعهد، وكان دفعتي الفنانون (يوسف شعبان، وحمدي أحمد، وحسين الشربيني) وغيرهم.
وعلى الفور بدأت العمل في الإذاعة والتليفزيون الذي كان التليفزيون افتتح في العام الذي تخرجنا منه في المعهد، وقدمت طوال 4 سنوات أعمال سينمائية وتليفزيونية بسيطة، عبارة عن مشهد هنا، ومشهد هناك.

السفر إلى بيروت والعسل المر
لكنني اكتشفت أنني لم أحقق المكانة التى كنت أرجوها لنفسي، فاتخذت قرارا بالسفر عام 1965، إلى بيروت لأقضي أجازة قصيرة، وهناك كان اللقاء مع (محمد علي الصباح)، نقيب السينمائيين اللبنانيين في ذلك الوقت.
وعرض علي بطولة فيلم (العسل المر) مع الفنانة الشابة الجميلة (راندا)، والمطرب السوري موفق بهجت، وعندما بدأنا تصوير الفيلم لا أدري لماذا تذكرت كلمات الفنان الكبير (يحيي شاهين)، فقد تحققت نبوءته، وجاءتني البطولة بعد عشرة أعوام من لقائنا عام 1955.

وداعا يا فقر، وإيدك عن مراتي
بعد هذا الفيلم، والنجاح الذي حققه، استمرت إقامتي في لبنان لمدة أربعة أعوام، قمت فيها ببطولة مجموعة كبيرة من أفلام المغامرات والإثارة والحركة، من هذه الأفلام (العقل والمال) و(وداعا يا فقر).
و(مغامرات فلفلة)، و(إنتربول في بيروت)، و(الغرفة رقم 7)، و(كرم الهوى) و(القاهرون) و(إيدك عن مراتي) و(عصابة المهربين) و(لعبة الحظ).
وشاركني بطولة هذه الأفلام مجموعة كبيرة من نجوم مصر ولبنان وسوريا، مثل (رشدي أباطة، صباح، إسماعيل ياسين، طروب، عبدالسلام النابلسي، منى واصف، فريال كريم) وغيرهم.

حسام الدين مصطفى ونقطة التحول
يتابع (إبراهيم خان) حواره معي فيقول: في عام 1968 قابلت المخرج (حسام الدين مصطفى) حيث قال لي: (أنا عاوزك ترجع مصر علشان تشتغل معايا في فيلم من إنتاجي اسمه (الشجعان الثلاثة).
ووسط دهشتي سألته: (إزاي حاشتغل معاك وأنت لم تشاهد أفلامي التى قمت ببطولتها في لبنان؟)، فأجابني: (مش عاوز أشوف حاجة، وأنت عاجبني على كده، بس ضروري ترجع مصر الأول).
وبعد انتهاء اللقاء بيني وبين (حسام الدين مصطفى)، عرض على مخرج أرمني الأصل ولبناني الجنسية هو (غاري غيرابتيان) أن أشارك في بطولة فيلم بعنوان (كلنا فدائيون)، يصور بطولات المقاومة الفلسطينية، مع فنانيين سوريين ولبنانيين، وفلسطنيين، فوافقت على الفور.
وتحمست للفيلم، ولكن تصويره تأجل كثيرا، وفي أثناء ذلك جاءتني برقية من المخرج (حسام الدين مصطفى) يبلغني فيها بضرورة العودة إلى مصر لكي يبدأ تصوير فيلمه (الشجعان الثلاثة).
فانتهزت فرصة التحضير للفيلم اللبناني (كلنا فدائيون)، وعدم وجود مشاهد لي في البداية، وطلبت من مخرجه أن يسمح لي بالسفر إلى القاهرة لتصوير الفيلم المصري، والعودة إلى لبنان مع أول أيام تصوير المشاهد الخاصة بي.
ووافق المخرج، وعلى الفور سافرت إلى القاهرة، ووجدت المخرج (حسام الدين مصطفى) جاهز بكل مشاهدي حتى لا يضيع وقتا، خوفا أن يطلبوني في لبنان في أي وقت، ويخسر هو فلوسه كمنتج بسبب تعطيل التصوير.

مفاجأة صادمة زلزلت حياته
يفجر (إبراهيم خان) مفاجأة من خلال حواري معه فيقول: في أحد الأيام وبعد انتهاء تصوير أحد المشاهد الخاصة بي، وأثناء الأستراحة بدأت أقرأ بعض الجرائد العربية التى كانت تصل متأخرة يوم أو اثنين إلى مواقع التصوير.
وفجأة وجدت نفسي أمام خبر زلزل كياني وحطم أعصابي، يقول: أنه أثناء تصوير فيلم (كلنا فدائيون) في ناد للديسكو بلبنان اندلع حريق ضخم أودي بحياة المخرج، والمنتج ومعهما بقية فريق الفيلم!
انتهيت من قراءة الخبر، وانتابتني حالة من ذهول فلم أشعر بفنجان القهوة، وهو يسقط من يدي، ورحت أفكر في القدر الذي أنقذني من الموت بأعجوبة، فقد كان من الممكن أن أكون من ضحايا هذا الحادث المؤلم لولا لطف الله، وبرقية (حسام الدين مصطفى).

رشدي أباظة يرشحنى لغروب وشروق
يواصل إبراهيم خان ذكرياته معي فيقول: بعد هذا الحادث الذي ظل عالقنا بذهني طويلا، عدت لتصوير بقية الفيلم، ومن قبل أن يشاهده الناس في دور العرض السينمائية، فوجئت بالعروض تنهال علي.
فاختارني المخرج (كمال الشيخ) للمشاركة في بطولة فيلم (غروب وشروق) وذلك بناء على ترشيح الفنان (رشدي أباظة)، الذي كانت تربطني به صداقة وطيدة منذ أن شاركنا في بطولة فيلم (إيدك عن مراتي) الذي قمنا ببطولته أمام الفنانة صباح، وأخرجه المخرج السوري رضا ميسر.
ثم تعمقت الصداقة بيني وبين (رشدي)، بفيلم (الشجعان الثلاثة)، مما جعله يثني علي كثيرا أمام المخرج (كمال الشيخ)، فما كان من الأخير أن قال له: (يا رشدي أنا سمعت عن إبراهيم لكن لم أشاهده في أي فيلم).
ولم يتحدث (رشدي أباظة) كثيرا، ولكنه اصطحب (كمال الشيخ) إلى (ستوديو الأهرام)، وهناك عرض عليه (بوبينه) ـ فصل ـ من فيلم (الشجعان الثلاثة) فأقتنع (كمال الشيخ) بي، وأسند لي دور (سمير) الكابتن الطيار في فيلم (غروب وشروق).

أدوار لا تظهر موهبة الفنان
يستكمل (إبراهيم خان) حديثه فيقول: دارت العجلة بعد هذه الأفلام، فقدمت أفلام (إبن الشيطان) و(نهاية الشياطين)، و(الحب والثمن) و(الثعلب والحرباء) و(موسيقى وجاسوسية وحب)، و(نحن الرجال طيبون)، و(الأشرار)، و(ليلة حب أخيرة) و(عصابة الشيطان) وغيرها
غير إنني فوجئت ببعض المخرجين يسجنونني في قالب أدوار (الأكشن) ـ الحركة ـ فرفضت الانسياق وراءهم، لأنني أعلم أنها لا تتيح للفنان إظهار مواهبه وإمكاناته المتعددة.
من هنا حدثت حالة ركود في مسيرتي الفنية، انتهت بعدما عرضت علىّ مجموعة من الأدوار الجيدة في أفلام (الصعود إلى الهاوية، دائرة الانتقام، قطة على نار) وغيرها.
ولكن لم تستمر هذه الصحوة طويلا بعدما سقطت السينما المصرية في هوة أفلام المقاولات، والأفلام المجهولة الهواية التى اهتم منتجوها بتعبئة الشرائط بكم ضخم من الأعلانات يتخللها بعض المشاهد التى يزعمون أنها فيلم سينمائي.
من هنا كان قراري برفض المشاركة في هذه النوعية من الأفلام الهابطة، وأثرت ألا أحطم الصورة الجميلة التى علقت في ذاكرة الجمهور بأفلامي الجيدة التى قدمتها من قبل، واتجهت بقوة إلى الداما التليفزيونية التى قدمت فيها أدوارا جيدة جدا.
ومن أهم المسلسلات التى قدمتها في التليفزيون: (الزائر المجهول، أيام من الماضي، ومشيت طريق الأخطار، وتوالت الأحداث عاصفة، الفارس العاشق، المجهول بلا عنوان، سباق الثعالب، عمرو بن العاص..
وفارس الأحزان الزير سالم، محمد رسول الله، غريب على الطريق، بلاط الشهداء، شهادة ميلاد، أبرياء في قفص الأتهام، ملحمة الحب والرحيل، ورأفت الهجان)، وغيرها الكثير والتى أقتربت من 70 مسلسل.
رحم الله الفنان الخلوق (إبراهيم خان) الذي تتنساه وسائل الإعلام المصرية والسودانية، ولا يهتم أحد بإحياء ذكرى رحيله.