
بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
أصبح في حكم المؤكد أنه لا وصاية على الصحفيين المصريين في اختيار نقيب يمثلهم، وعلينا الآن أن نستفيد من دروس الانتخابات الأخيرة، والتي شهدت نوعا من الحشد السلبي للمرشح الذي أعلن عنه مرشح الدولة، وراح يعلن على الملأ وعودا كاذبة وأحلاما واهية لم تنل من إرادة أعضاء الجمعية العمومية لـ (نقابة الصحفيين).
ولهذا لزم الأمر إعادة نظر من جانب من هم يقومون على شئون الصحافة في مصر، نعم لابد من تغيير الصورة الذهنية السائدة منذ سنوات في دلاوب عملهم، خاصة أنها أصبحت تعلي من شأن من تحوم حولهم شبهات الفساد والكذب العلني، ولا أقصد مرشح بعينه بل أعني لابد من ضرورة الاطمئنان إلى حسن الاختيار.
ربما شاهد هؤلاء المسئولين على الهواء مباشرة، أنه على الرغم من انتهاء انتخابات (نقابة الصحفيين) المصرية التي شهدت أكبر نسبة مشاركة للجمعية العمومية؛ فإنها فتحت نقاشات حول أسباب بقاء النقيب اليساري (خالد البلشي) لدورة ثانية، بعد هزيمته منافسه الأبرز (عبد المحسن سلامة)، المرشح المقرب من السلطات، عضو (المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام).
منذ إعلان نتائج (نقابة الصحفيين) الصادمة للقائمين على أمر الصحافة المصرية قبل ثلاثة أيام، لم يتوقف الجدل ليس على مستوى النقيب فقط؛ بل امتد إلى الأعضاء الذين أسفرت النتائج عن فوز عضوين محسوبين على اليسار وتيار الاستقلال النقابي، وكذلك أسماء قوية ينتمي اثنان منهما إلى المؤسسات القومية.
هذا يدعونا بالضرورة إلى ملاحظة أن هنالك تغييرات كبيرة لحقت بالجماعة الصحافية التي تشكل الجمعية العمومية لـ (نقابة الصحفيين)، فلم تعد الخدمات المدعومة حكوميا ذات تأثير كبير أو حاسما للتصويت لصالح ما يسمى بـ (مرشح الدولة) كي يجتاز الأسلاك الشائكة في مهنة القلم بالزيف والتملق.
وهذا يعود إلى أنه هناك قضايا وملفات باتت وجودية وسط أجيال جديدة ضخت بالكتل التصويتية لم يكن أغلبها بالمؤسسات القومية، تلك التي توافقت عليها الجماعة الصحفية بأنها تابعة للدولة، وربما جاءت نقاط الضعف فيها جراء وقف التعيينات منذ أحداث 25 يناير التي انعكست سلبيا على هذه المؤسسات القومية.

اختيار خالد البلشي
ومع ذلك فإنني استهجن تصور البعض أن اختيار الجماعة الصحافية لـ (خالد البلشي) يعد بمثابة إعلان خصومة للدولة، فالمؤكد أن العاقل يدرك أنه لا نجاح للنقيب أو لمجلس (نقابة الصحفيين) بمعزل عن التعاون مع الدولة بكل مؤسساتها بل بالتعاون مع الحكومة، والنقيب (خالد البلشي) ذكي ومفاوض جيد جدا، ويعي ذلك تماما، وهو ما اتضح من أدائه في الدورة المنصرمة.
ياسادة: هذا التباين، ونتائج التصويت، لا تعكس بالضرورة انتصارا سياسيا، لفريق دون غيره، وإنما تعكس تحولات وتغييرات في الجمعية العمومية لـ (نقابة الصحفيين)، ومن ثم على المسئولين عن الترشيح والاختيار أن يأخذوا الأسباب على محمل الجد بعد تجربة الانتخابات الأخيرة لأنها تعكس الواقع الحقيقي على الأرض.
والشاهد من كلامي أن هناك أجيالا جديدة دخلت النقابة من أوساط خارج الصحف القومية وهو على عكس الحالة التي كانت سائدة قبل سنوات إيام انتخابات (إبراهيم نافع، ومكرم محمد أحمد) وغيرهما ممن كانوا محسوبين على الدولة، بدعم من مؤسسات قومية قوية كانت تتكاتف مع بعضا لإنجاح مرشحهم.
لابد أن نقر ونعترف بأن عوامل التجريف للمهنة هى التي تسببت في الخلل داخل المؤسسات القومية، وانعكست على أحوال (نقابة الصحفيين)، فلم تعد تلك المؤسسات هى المكون الأساسي للكتلة التصويتية للجمعية العمومية للصحافيين، والأمر الآخر أن الخدمات صارت متاحة للجميع، وليست مقتصرة على مرشح الخدمات أو المرتبط بالدولة.
لقد تغير الحال ولم يعد كما كان يحدث في فترة نقباء سابقين جاء أغلبهم من الصحف القومية، وكانت الخدمات ذات حيز مهم في برامجهم الانتخابية، ومع ذلك تغلب عليهم تيار اليسار أكثر من مرة في انتخابات (نقابة الصحفيين)، وفتحت أبواب المنافسة على مصراعيها، لكن القائمين على أمر الصحافة لايعون دروس الماضي أو الحاضر.
ظني أن المتأمل لخسارة آخر مرشحين اثنين منتميين للصحف القومية لمقعد النقيب بانتخابات 2023 و2025، تؤكد بما لايدع مجالا للشك أن (طرح الخدمات ليس مقنعا لأغلب الصحافيين)، خاصة أنه يرتبط ارتباطا شرطيا بموعد انتخابات (نقابة الصحفيين).
فلننظر إلى الأمر بعدسة مكبرة: هناك مشكلات وجودية تتعلق بالأجور وحرية الصحافة والخدمات الطبية والاجتماعية وغيرهما لا تحل بمسكنات فقط، بل لابد من المطالبة بحقوقنا وفقا للقانون ونداءت رئيس الجمهورية في توفير العيش الكريم للمواطن المصري، والصحفيون هم فئة من فئات أبناء هذا الوطن، الذين يعملون تحت ضغط وفي ظروف صعبة، وبالتالي لا ينبغي أن نقاتل من أجل فتات لا يكفى حاجتنا.

النقابة في خندق السياسة
إن تربص البعض على جعل نتائج النقابة في خندق السياسة، يجعلني أعود بالتاريخ إلى الوراء: وإذا عدنا للتاريخ، فإننا لابد وأن نلحظ أن (نقابة الصحفيين تشهد تلك الثنائية؛ مرشح مرتبط بالدولة، وآخر من تيار الاستقلال الذي تكون له رؤيته المستقلة في تقديم مصالح الصحافيين، سواء من خلال الضغوط أو التفاهمات أو ما شابه، وليس معاديا للدولة بالتأكيد).
أيها الصحفيون الأجلاء في المجلس الجديد: المهنة مهددة بالفناء والاندثار، وهناك قضايا حياتية ملحة، فليس الهدف أن نسعى في فترة انتخابات (نقابة الصحفيين) إلى زيادة بدل التكنولوجيا للصحفيين، بل على مجلس النقابة الحالى دور مهم في تثبيت الحقوق وفقا لقوانين الدولة، حيث يزيد الموظف بنسبة تغطي الحد الأدني من متطلبات حياته، بينما يحصل الصحفيون فتات، وهو أمر مذري للغاية.
فعلى سبيل المثال: لماذا لايقر المجلس الجديد بأن يحصل الصحفي الذي أحيل للتقاعد على معاشه من (نقابة الصحفيين) بجانب بدل التكنولوجيا، خاصة أن معاشه الحالي لا يوازي ربع إجمالي ما كان يحصل عليه في أثناء الخدمة، مع زيادة الأعباء المعيشية وتدهور الأحوال الصحية في ظل مؤسسات لا تفي بتعهداتها في الخدمة الطبية تحديدا.
مؤكد أن المجالس والنقباء السابقين لم ينتبهوا إلى مثل تلك الإخفاقات، ولم يقدم أى منهم شيئا على الإطلاق يخدم الصحفيين المحالين للتقاعد، كما أنه آن الأوان لأن يدرس المجلس الجديد تقنين أوضاع المواقع الإلكترونية، تمهيدا لقبول الصحفيين بها بالنقابة، شريطة أن يكون محتوى هذه المواقع مهنيا جادا ويخدم مصلحة الوطن، لا لكل من هب ودب!

معركة الجماعة الصحفية
أرى أن معركة الجماعة الصحفية الآن هى من أجل البقاء لمهنة تتعرض للفناء والاندثار دون مبالغات، وهناك صحف تغلق أبوابها وترشد نفقاتها وصحفيون يشردون، وهذا الكلام ينطبق على المؤسسات الصحفية القومية والحزبية والخاصة والمستقلة، والمواقع الإلكترونية التي تصارع من أجل البقاء.
وبالتالى حينما نتعرض لمخاطر البقاء، ونتعرض لغلق أبواب الصحف والعمل الصحفي يلزمنا أن نصطف جميعا في (نقابة الصحفيين) لهذا الغرض، فالأمر يتجاوز أى أمور، وهذه قضية حياة أو موت، وليست سياسية، بل قضية مهنية، لماذا لايقوم مجلس (نقابة الصحفيين) المعني بالأمر بالاجتماع مع المؤسسات للوقوف على المشاكل التى تسببت فى إغلاق الصحف، وتلك أخطر النقاط سلبية في المشهد الصحفي؟
لماذ لم تفعل المجالس السابقة شيئا على الإطلاق لأجل المهنة وتطوير الأداء المهنى، فبعد أن كان لدينا أعلى مركز تدريب بنقابة الصحفيين، لغوى، وأدوات الاتصال الحديثة، أصبح هذا الكلام مجرد ذكريات والمجلس لم يرتقِ بالصحفيين مهنيا ولا إداريا، ولا يحافظ على المؤسسات ولا يناقش أزمات الصحافة التى نعيش فيها؟
أصبح حريا بمجلس (نقابة الصحفيين) الجديد حل مشكلات الصحفيين الاقتصادية حلا جذريا، وأرى أن فئة كبيرة من الصحفيين الآن تلامس خط الفقر، وخاصة الزملاء الذين يعتمدون على البدل، وعمليا البدل نقص 50% بسبب التغييرات الاقتصادية التى تمت، ودخل الصحفى أصبح أقل من 50%.
وفي الوقت الذي أرى أن زيادة البدل مستحقة ومتأخرة حتى أصبح الصحفي في ذيل اهتمامات الدولة، أصبح ضروريا التوصل لحلول عملية تحفظ ماء الوجه للصحافيين، كما أرى أن معركة البقاء لمهنة الصحافة أصبحت تواجه تحديات كثيرة ربما تعصف بها إذا لم ننتبه الآن الآن وليس غدا.