
بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
كانت وفاة سراج منير قاصمة لظهر (ميمى شكيب)، خاصة وأنها قد شارفت على الخمسين من عمرها.. فاستسلمت لفترة طويلة لكآبة الوحدة.. ولكى تتغلب على بعض من مرارتها استأجرت شقة في نفس العمارة التي تسكنها أختها (زوزو شكيب)..
حاول بديع خيرى إعادة (ميمي شكيب) إلى فرقة الريحانى.. حاولت لفترة لكن أشباح (نجيب الريحاني وسراج منير وعادل خيري) كانت تتحرك معها في كل أروقة المسرح.. كما أن النجومية المرتبط بالشباب والأنوثة قد بدأت تندثر مما جعل تفاعل الجمهور معها يهبط الى مستوى لم يعد يرضى كبريائها كفنانة .. مما دفعها إلى عدم القدرة على الاستمرار مع فرقة الريحاني ..
عادت (ميمي شكيب) إلى الوحدة لكن الديون التي بدأت تحكم الطوق حولها اضطرتها الى العمل، ولكن بعيدا عن عيون الجمهور وإنما أمام العيون الزجاجية للكاميرا، فشاركت في عدة أفلام لم تكف لتغطية مصاريفها وديونها مما اضطرها لبيع بعضا من أثاث البيت، ثم من سجاجيده حتى أنها باعت سيارتها لتستقل في تنقلاتها بعد ذلك سيارات التاكسى..

بين فرقة و أخرى
في هذه الفترة عرض عليها (سمير خفاجى) صاحب فرقة الفنانين المتحدين العمل في إحدى مسرحياته بأجر معقول فقبلت.. كما اتصل بها أحد معارفها القدامى الذى لم تتذكره جيدا، لكنها فوجئت في اليوم التالى باتصال من البنك يخبرها بتحويل منه باسمها بقيمة ألف جنيه..
ذات صباح اتصل بها (طلعت حسين) المدير السابق لفرقة الريحانى وصاحب فرقة (عمر الخيام المسرحية) حاليا.. عارضا على (ميمي شكيب) العمل في مسرحية من بطولة إسماعيل ياسين.. ورغم توقعها أن نجم (إسماعيل ياسين) أيضا قد خبى لصالح نجوم جديدة، مثل (فؤاد المهندس ومحمد عوض) إلا أنها وافقت على المشاركة.. و قد صح توقعها فقد توقف عرض المسرحية بعد فترة قصيرة ..
انتقلت (ميمي شكيب) بعد ذلك إلى فرقة صديقتها السابقة في فرقة الريحانى.. فرقة (نجوى سالم) التي سقطت مريضة بعد فترة قصيرة لينفرط عقد الفرقة، وتغادرها (ميمي شكيب) لتنتقل الى فرقة أمين الهنيدى الذى علا نجمه وأصبحت له جماهيرية عريضة..
استمرت في العمل معه لثلاث سنوات وحتى بداية السبعينات.. وهى الفترة التي تلت نكسة 67، والتي ضربت الجميع في مقتل بما فيهم الفنانين المصريين اللذين اضطروا للعمل في أفلام مقاولات هابطة أو الانتقال الى لبنان للمشاركات في أفلام عارية، مما جعل صورة الفنانات المصريات تهبط إلى مستوى جعلهن مطمعا لراغبى المتعة من الأثرياء العرب..

المصائب تدخل من باب الشقة
كانت (ميمى شكيب) تحاول مغالبة الوحدة بدعوة الأصدقاء والصديقات إلى بيتها.. ففتحت أبوابه على مصراعيها مما جعل الأقاويل تتناثر، ويصل صداها إلى مباحث الآداب لتبدأ في وضع تليفونها تحت المراقبة..
ومع التقاط بعض المكالمات التي تم تأويلها على أنها تسهيل للقاءات بين بعض الأثرياء العرب والفنانات المصريات.. تم عمل أكمنة حول بيتها بعد التقاط مكالمة حول عقد لقاء بين الممثلة (أ.ر) وأحد الأثرياء.. وفي الموعد المحدد انقضت الشرطة على البيت ليتم القبض على كل المتواجدين ومن بينهم العديد من الفنانات الناشئات مثل (ز.م، وم .ج، ون.ي، و(م .ا) وغيرهن ..
أقرت (ميمي شكيب) أثناء المحاكمات بأنها تقيم كما اعتادت في الزمن الماضى أن تقيم في شقتها سهرات تجمع الأصدقاء والصديقات.. وأنهم قد استغلوا طيبتها وحسن نيتها في عقد لقاءات فيما بينهم من وراء ظهرها..
كثرت الأقاويل والتفسيرات لهذه القضية.. وكلها تتمحور حول كونها قضية مسيسة و ليست جنائية..

ميمى شكيب ضحية للقذافى
من هذ الآراء أنه قد تم ابلاغ الرئيس الراحل (أنور السادات) بمحتوى مكالمة بين رئيس الوزراء الليبى (عبد السلام جلود) المتواجد في القاهرة وبين الرئيس الليبى (معمر القذافي)، وقد تم سب بنات السادات أثناء المكالمة مما جعله يتوعدهما بفضيحة كبرى من خلال الإيقاع بعبد السلام جلود عن طريق صديق عربى مشترك بينه وبين (ميمي شكيب) ودفع القضية إلى اتجاه قضية دعارة كبرى للانتقام..
والرأي المعاكس أن (القذافي) نفسه طلب من (السادات) تخليصه من مساعده المزعج (عبد السلام جلود) فتم تدبير هذه المكيدة له واستدراجه إلى شركها لتسقط صورته عند الشعب الليبى ويجد (القذافي) المبرر لاستبعاده عن الحكم..
ومن التفسيرات الأخرى أن السادات في هذه الفترة كان يريد الدخول تحت المظلة الأمريكية، فقدم هذه الضربة لدولة مثل ليبيا تدين للمعسكر الروسى كعربون للصداقة مع النظام الأمريكي خاصة أن (السادات) قبلها بفترة قصيرة قد عرض خطة حرب أكتوبر قبلها بساعات على (القذافي) و(عبد السلام جلود) فاعترضا على بعض البنود بها.
ولم يتقبل (السادات) أسلوب جلود في الاعتراض، خاصة وأنه لم يكن يرتاح إليه بعد أن هاجم (جلود) من قبل ثورة التصحيح التي تخلص فيها (السادات) من مراكز القوى الناصرية ووصفها بالانقلاب..
فحانت الفرصة متعددة الأبعاد في إيقاعه في شرك هذه القضية التي أطلق عليها قضية (الرقيق البيض).. وتعود التسمية الى مكالمة لعبد السلام جلود مع أحد أصدقائه يصف أجواء زيارته لشقة (ميمي شكيب) بأنها كانت مكتظة بالسيقان البيضاء..
في كل الأحوال كانت التفسيرات ذات جذور.. و قد ضمن الشاعر (أحمد فؤاد نجم) قصيدة له بعنوان (اللي حاصل في الحواصل) غناها (الشيخ إمام) ضمنها رأيه عن قضية (ميمى شكيب)، كتبها عام 1974 ضمنها اسم (عبد السلام) جلود فى قوله:
(يا سلام لم يا سلام/ شغل العداد وهاتك/ واعلى وانزل بديناراتك/ كله ماشى يا عبد السلام/ وأما ريحة القرع فاحت/ ع اللي باني وع اللى فاحت/ والإشاعة جات وراحت/ جابوا تفسير المنام/ ضحوا بفنانة زمنها/ بعد ما الزمان غبنها).

النيابة تعترض على البراءة
في الجلسة الأولى للقضية قام القاضي بالتنحى عنها لأسباب تتعلق بالإجراءات القانونية التي تحيط بملابسات القضية و القبض على المتهمين.. وقد قام المحامين بالتركيز على هذه الإجراءات القانونية في سياق الدفاع عن (ميمى شكيب) وبقية المتهمات كونها أخطاء إدارية..
منها أن توقيت إذن النيابة جاء بعد توقيت القبض على المتهمات.. ومنها انه عند مداهمة الشقة لم يثبت وجود أي أوضاع شائنة وإنما كان الجميع جلوس يثرثرون في مواضيع مختلفة يغلب عليها ما يتعلق بإنتاج أعمال فنية..
بالفعل بعد عدة جلسات تم إعلان حكم البراءة لجميع المتهمات، غير أنه بعد مدة صغيرة استأنفت النيابة على الحكم الخاص ببعض المتهمات من بينهن (ميمى شكيب) وعدم الاستئناف على بعض المتهمات الأخريات… وطالبت النيابة في استئنافها الغاء حكم البراءة..
بالفعل تم إعادة المحاكمة في الاستئناف والتي انتهت بإلغاء حكم البراءة وحبس (ميمى شكيب) سنة مع إيقاف التنفيذ لظروفها الصحية، حيث أنها انهارت نفسيا أثناء المحاكمات وألمت بها حالة اكتئاب شديدة جعلتها غير قادرة على النطق أمام المحكمة للدفاع عن نفسها، خاصة بعد أن تم تنفيذ حبسها على فترات بين الجلسات فيما يقرب من عشرين يوما مما ساعد على انهيارها نفسيا..

اعتزال الفن والحياة
عادت (ميمي شكيب) إلى شقتها بعد فض النيابة للشمع الأحمر.. لتجد الوحدة قد ازدادت توحشا خاصة بعد التوقف التام عن عرض كل أعمالها في التليفزيون.. رغم عرض أعمال بقية الفنانات المتهمات معها في نفس القضية..
واستمرار التليفزيون في قرار منع العرض رغم الحكم النهائي بالبراءة، مما أصابها بصدمة شديدة لشعورها بضياع كل ما كرست له حياتها فقررت اعتزال الفن تماما..
وعندما قدمت طلبا لصندوق المعاشات بوزارة الثقافة، وبعد مجهودات شتى تم الموافقة أخيرا على صرف معاش استثنائى لها بقيمة 100 جنيه.. وقد بدأت منذ فترة في سرد ذكرياتها الأشبه بالمذكرات لمجلة (الشبكة اللبنانية) تمهيدا لتجميعها كمذكرات تفصح فيها عن كثير من الأسرار لشخصيات عامة عرفتهم و تعاملت معم في زحام الحياة و الفن..
في 20 مايو سنة 1983.. صباح هادئ ليوم عطلة رسمية بالقاهرة.. استيقظ سكان شارع (عبد الحميد سعيد) المتفرع من شارع طلعت حرب على صوت ارتطام مكتوم لجسد برصيف الشارع لتستقر بجواره جثة هامدة لإمرأة ستينية سمينة نوعا في ملابسها المنزلية..
ارتفعت الهمهمات المتسائلة حول هويتها لدقائق ما لبث بعدها الإجماع على أنها جثة الفنانة الشهيرة (ميمى شكيب).. ارتفعت بعض الوجوه تتبين مكان سقوطها لتطالعهم نافذة شقتها المطلة على الشارع مفتوحة على مصراعيها..
كانت الجثة بين الأقدام المتزاحمة وقد أغمضت عينيها عن ملامحها المشهورة..ارتفعت الأصوات في الزحام تتساءل: هل هي جريمة قتل أم انتحار؟.. وإلى اليوم ما زال السؤال يتردد كإعصار في فضاء المجهول دون إجابة قاطعة.