
بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
مسلسل (النص) الذي يعرض حاليا يمكن اعتباره المفاجأة السعيدة في دراما رمضان الحالي، حيث نجح فريق العمل الذي يخلو من نجوم الصف الأول وفقا للمعايير التجارية أن يقدم واحدا من أفضل وأرقى الأعمال الدرامية في رمضان.
المسلسل جمع الكثير من الأشياء الإيجابية ليتميز وسط الصخب الدرامي الرمضاني المعتاد من مسلسلات حافلة بالبلطجة والإسفاف والألفاظ الخارجة والمشاهد غير المحترمة، وهى الخلطة التي باتت مقررة على المشاهدين في كل رمضان في السنوات الأخيرة.
وعلى العكس من ذلك نجح (النص) في سحب المشاهدين إلى عالم النوستالجيا من خلال أحداث تدور في مصر في ثلاثينيات القرن الماضي، عن نشال يدعى (عبد العزيز) وشهرته (النص) يجسد دوره النجم (أحمد أمين)، يتوب عن النشل ويعمل في شركة الترام براتب شهري هزيل.
لكن بعد القبض على شقيقه الوطني المكافح ضد الاحتلال الإنجليزي، يطلب منه المحامي الجشع مبلغا فلكيا للترافع عن شقيه فلا يجد أمامه سوى العودة للسرقة، لكن هذه المرة يقرر أن يسرق من الأغنياء والانجليز الذين ينهبون البلاد والعباد.
الفكرة بسيطة وهى عن اللص الذي يتحول الى بطل شعبي، وسبق تقديمها من قبل في أعمال عالمية ومصرية، بداية من (روبن هود حتى أرسين لوبين)، كما قدمت في مسلسل (علي الزيبق) في ثمانينات القرن الماضي.
لكن المؤلف (عبد الرحمن جاويش) والمخرج (حسام علي) مع طاقم العمل نجحوا في تقديم نسخة شيقة للفكرة لم يشعر معها المشاهد بالتكرار أو الممل، واعتمدوا على إبهار المشاهدين بمناظر القاهرة القديمة بتفاصيلها الجذابة.

(أحمد أمين).. الموهبة والكاريزما
ويحسب للشركة المنتجة شجاعتها في تنفيذ مسلسل (النص) وخروجه بهذا الشكل، لأن الطبيعي من أي منتج عندما يعرض عليه عمل يضم مجموعة من المواهب دون أن يكون من بينها (أسماء بياعة) بالمفهوم التجاري سواء في طاقم التمثيل أو حتى في الإخراج والتأليف، فالأغلب أن الرد سيكون بالرفض.
لكن راهنت الشركة باعتمادها على فنان يمتلك الموهبة والكاريزما مثل (أحمد أمين) رغم أنه لا يحصل على ما يستحقه من نجومية تليق بموهبته، ومعه مجموعة من الممثلين الموهوبين، مع إسناد العمل للمخرج الشاب (حسام علي)، والتأليف للموهوب (عبد الرحمن جاويش مع سارة هجرس ووجيه صبري).
وكانت النتيجة عمل فني مبهر نجح كل فرد شارك فيه في ترك بصمة ستبقى لمدة طويلة في أذهان المشاهدين، وقد لفت انتباهي مثلا القدرة والدقة المذهلة للمخرج (حسام علي) في تقديم مشاهد للمجتمع المصري في ثلاثينات القرن الماضي دون هفوة واحدة في ديكور أو ملابس أو حتى طريقة كلام الابطال.
وبلغ الإتقان بالمخرج أن المشاهد لن يشعر للحظة بأن شخصية (عزيزة) أرملة النشال المتوفى وأم النشال المراهق التي تعكس طريقة كلامها ونصائحها ثقافة الأحياء الشعبية المصرية القديمة تجسدها الممثلة التونسية سامية الطرابلسي وليست حتى ممثلة مصرية.
كما نجح معظم النجوم الواعدين في لفت الأنظار، يتقدمهم الموهوب (حمزة العيلي) الذي لم أره من قبل في أي عمل درامي، لكنه فاجأني مثلما فاجأ الجميع بتقمصه المبهر لشخصية (درويش) عامل مخزن الملابس في المسرح الذي يحلم بالنجومية لكن إعاقة لسانه تحول بينه وبين حلمه، ويجد السلوى في صداقته بـ (النص) النشال النبيل.



براعة (صدقي صخر)
كذلك قدم (صدقي صخر) دور الصاغ (علوي) الحائر بين انحيازه للوطن ورغبته في رؤية الإنجليز مطرودين خارج مصر، وبين واجبه كضابط مصري يتلقى أوامره من الضابط الإنجليزي الذي لعب دوره بحرفية ايضا الفنان العراقي باسم قهار.
وأبدع الشاب (عبد الرحمن محمد) في تقديم شخصية زقزوق المراهق الذي يعيش في كنف (النص) لتعلم منه النشل لكنه في نفس الوقت يكن له مشاعر الابن لأبيه النشال السابق الذي مات دون أن يحظى (زقزوق) بفرصة القرب منه.
كما قدم (ميشيل بشاي) واحدا من الأدوار التي يصعب نسيانها حينما جسد شخصية (اسماعيل) المخترع المعقد الذي يعاني من التجاهل والاهمال ولا يجد يدا حانية سوى أيدي النص، ليصبح فردا من عصابته.
ونجحت الفنانة (دنيا سامي) في تجسيد دور (عيشة) زوجة (عبد العزيز) البسيطة التي لا تحلم سوى بالإنجاب حتى تربط زوجها معها، واستطاعت أن تخلق دويتو مثير في معظم الحلقات مع الفنانة التونسية (سامية الطرابلسي) التي جسدت شخصية (عزيزة)، والدة (زقزوق) التي قبلت دعوة (النص) لكي تنتقل للعيش في غرفة في منزله بعد وفاة زوجها (معلمة) وتركها غارقة الديون.
أما (أحمد أمين وأسماء أبو اليزيد) باعتبارهما عنصري الخبرة في تشكيلة أبطال المسلسل، فقد نجحا في تقديم شخصيتي (النص)، و (رسمية) ببساطة يحسدان عليها، كما نجحا في الاندماج مع بقية طاقم التمثيل الجدد نسبيا ليقدموا عملا وضحت فيه روح الفريق.