
بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
كنت كلما انفردت بنفسى أبكي علي حال الأسرة.. وحالي الذي وصلت إليه.. فما ظلت وظيفيا على قوة قرية (نزلة تلويك) مركز طما محافظة سوهاج.. و(شعراوي جمعة) أخبرني أنه في حالة إبلاغه أنني تأدبت، و لم أعد عدوا لمصر سينقلني وجه بحري.. لم يقل لي طلخا أو الدقهلية.
فى هذه الفترة تعرفت علي مجموعة كبيرة من المهجرين.. عرفني أحدهم وهو (محمود الحطاب) وشقيقه (محمد) و هم أكبر تجار بن ببور سعيد بشاب ثرى.. سمع لي قصيدة عاطفية من مسرحية (السبرسجي).
فصمم علي أن يعرفوا (محمود الحطاب) بي أطبع هذه القصيده في ديوان علي نفقته الخاصة.. لأنها نصف حالته مع حبيبة له في المعهد التجاري العالي الذي تخرج منه وأصبح رتبة في الجيش.
بالفعل.. اتفق (محمود الحطاب) مع أكبر مطبعه في المنصوره التي أصدرت ديواني (الجنازة).. هذا الديوان كان نقطة تحول رهيبة في حياتي..خاصة انى كنت قد انتهزت فرصة إصداره و ضممت إلى الديوان بعض القصائد السياسية.. والاجتماعية.. إلى جانب قصائدي العاطفية التي أبثها حاجتى إلى حبيب غائب ..
قبل ذلك كنت قد ادخرت بعض النقود القليلة.. التي أصدرت بها طبعة متواضعة الإخراج والطبع.. تضم أول المسرحيات التي تكتب بشعر العاميه.. الكتاب به مسرحيتين..المسرحية الأولى بعنوان (آلة التسجيل)..
تدورحول إنسان يكتب الأشعار.. فتهاجمه جهات أمنية.. وتقبض عليه و تواجهه بكل ما سجلوه له.. ليعترف بمئات الجرائم التي لم يرتكبها..كان تهمته الأولى أنه يكتب الشعر .. المسرحية الأخرى كانت بعنوان (السبرسجي)..

مسرحية (السبرسجي)
و(السبرسجي) هو هذا الشخص الذي كان يمر على المقاهي بين أرجل الجالسين ليجمع أعقاب السجائر من بين أقدام روادها.. ليعود بها مرة أخرى إلى شركات الدخان.. وبببعها لهم للاستفادة منها مرة أخري..
(السبرسجي) كان مطاردا من السلطة.. ومن الجميع..
لأنه يكشف عورة المجتمع المهترئ.. و..عندما أمسكه الصول وأخذ يضربه.. نظر إلي إفيش فيلم معلق على الحائط لبطل له عضلات.. يستنجد به لينقذه من هذا العذاب الذي يعانيه.. لكنه اكتشف أنه مجرد بطل وهمى.. تنتهي المسرحية بان هذا الصول يكرر سبابه لـ (السبرسجي)..
قرب يا حثاله يا ابن الكلب..
وعندما يشتد الضرب على (السبرسجي).. يصرخ وقد فاض به الكيل في نهاية المسرحية قائلا له
أهو انت الكلب وابن الكلب..
هذه الجمله اعتبرتها مباحث أمن الدوله إهانة لها.. لذلك وصلنى استدعاء من الجهات الأمنية مره أخرى يسألوني كيف بعد أن تم اعتقالك كل هذه المدة تكتب هذا الكلام..
جائت إجابتي أن هذه المسرحيات (السبرسجي) كانت مكتوبه قبل اعتقالي ..ونشرتها حتى لا يضيع مجهودي.. وأبلغتهم انني طبعت منهما نسخا قليله حتى لا تنتشر مثلما انتشر ديواني (الدنيا هي المشنقه).

مشهد من المسرحية
واجهوني بمشهد من مسرحية (السبرسجي)، الذي يقول:
أمنيتى …
أشرب فى كوبايه
وآكل فى طبق ..
مارجعش أعيش من تانى
عمرى إللى اتسرق
يصرخ فى جوف الحفرة
صنمى اللى غرق
يتحدى مليون شمس
جلدى اللى اتحرق
آه يا إله..
حتى هنا فى الدنيا فيه جنه ونار
كمل لنا أمنيتك؟
جزمة ولو حتى قديمه مقطعة
هدمة ولو حتى جنايزى ممزعهة
أمنيتى.. أشعر بإنسانيتى…
يا أهل فوق لو تسمعوا..
نده اللى تحت الأرصفة
لو تعرفوا إن الحياة لها سكتين..
سكة انتوا فيها..
واللى انا فيها حزينه مقرفة
ممبقولشي ليكم دمعوا..
لو تسمعونى.. إسمعوا
نفسى أشوف أرض الحياه
مزروعه باعقاب السجاير كلها
من كتاب (مدد مدد..)
سيرة ذاتية لبلد