رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد الروبي يكتب: سر نجاح التوافه (الدرامية) !

محمد الروبي يكتب: سر نجاح التوافه (الدرامية) !
يأتي العنصر الآخر في بث الروح في الأعمال (الدرامية) ألا وهو (الحوار)

بقلم الناقد الفني: محمد الروبي

يعرف دارسو المسرح مصطلحاً معناه الحقيقي مغاير تماماً لما يوحي به. وهو مصطلح (مسرحية متقنة الصنع) أو well-made play، فعلى عكس ما يفهم منه هي مسرحية سيئة أو إن أردت هي مسرحية بلا روح.

فهي ورغم بنائها المحكم تماما من حيث حبكتها المرتبة بإحكام وعقدتها (الدرامية) القوية التي تتصاعد فيها التوترات حتى تصل إلى ذروتها، ومن ثم حلها بطريقة واضحة ومنطقية، إلا أن من أهم عيوبها هو ما يمكن أن نطلق عليه (فقدان الروح) أو (آلية السير).

والروح – كما نحب أن نطلق عليها – لا تأتي من العشوائية أو الإخلال بتراتبية الأحداث أو بضعف المنطق في سير الأحداث، لكنها تأتي من الشخصية (الدرامية) الحية ذات الانفعالات المتسقة مع تكوينها.

وهنا يأتي العنصر الآخر في بث الروح في الأعمال (الدرامية) ألا وهو (الحوار) الذي هو تعبير عن تلك الشخصية – الشخصيات، ومن قبل الشخصية والحوار تأتي الروح من المعنى، من السؤال عن لماذا وكيف،  من الرغبة في الاشتباك مع الواقع وكشفه.

تلك هي العناصر الأساسية التي تفتقدها المسرحية الـ (جيدة الصنع)، فمؤلفي هذه المسرحيات كان جل اهتمامهم ينصب على صنع حبكة متقنة، تسير وفق القانون الأرسطي الحاكم وهو ( الضرورة أوالإحتمال ).

بينما شخصياتهم ومن ثم حوارها أقرب إلى النمط  والألية، فالحوار لديهم يقف عند وظيفته الأولى وهى (إعطاء معلومات تساهم في تطور الحدث  أكثر مما يساهم في تكوين الشخصية). 

والشخصية (الدرامية) لديهم هى أقرب إلى العنوان (قاتل.. موظف.. طبيب.. نبيل .. بلطجي.. إلخ)، وأمام تدفق الحدث وتوتره والوصول إلى عقدة مثيرة، قد يلجأ كتاب هذه الأعمال إلى استخدام المفاجأت والمصادفات مثل رسائل ضائعة أو شخصيات متخفية، وغيرها من الحيل التي تعينهم على تحقيق هدفهم.

محمد الروبي يكتب: سر نجاح التوافه (الدرامية) !
أظنك عزيزي القارىء يمكنك أن تفهم سر (النجاح الجماهيري) للأعمال (الدرامية) التلفزيونية

الهدف هو إرضاء الجمهور

هذه المسرحيات أيضا تخلو من معنى حقيقي أو رؤية فلسفية أو نظرة متعمقة في العالم الذي تدور فيه الأحداث، فكل هذه الأشياء لا تعنيهم، ما يعنيهم فقط هو التشويق والإثارة، لذلك ستجد كل نهايات هذه المسرحيات تعيد النظام إلى سيرته المفترضة.

وتأتي كل نهاياتها نهايات تصالحية مغلقة هدفها الأسمى هو إرضاء الجمهور حيث تحل كل الألغاز ويستعيد النظام توازنه.

من هنا تحديدا وصفت هذه المسرحيات المفترض أنها – وهي كذلك بالفعل – متقنة الصنع، بأنها المسرحيات الأسوأ، ولم تعش كثيرا ولم يعد أحد يتذكرها.

بقى أن نقول أن هذه المسرحيات ظهرت في القرن التاسع عشر وعلى يد الكاتب الفرنسي (يوجين سكريب) الذي لا يتذكره أحد الأن ولا يذكر له أحد أي من أعماله، إلا من باب العلم في مجال الدراسة المتخصصة.

لكن وللحق أيضا كان لهذا الكاتب – و غيره من أبناء جيله صانعي هذا الـ (الإتقان) – تأثيره الإيجابي على الدراما الحديثة، حيث استفاد منها الواقعيون مثل (إبسن، وسترندبرج) وغيرهم، لكنهم تجاوزوها بخلق شخصيات أكثر تعقيداً وبنية درامية أكثر عمقا وحوار يعبر تعبيراً حقيقياً عن مكنون هذه الشخصيات.

والأن أظنك عزيزي القارىء يمكنك أن تفهم سر (النجاح الجماهيري) للأعمال (الدرامية) التلفزيونية التي شاهدناها ونشاهدها كل عام.

الآن يمكنك أن تمسك بسر الصنعة الذي يجعل من عمل فارغ مفرغ من أي معنى أو هم اجتماعي أو سياسي يحظى بكل هذا الكم من المشاهدات، بل ويصدق صناعه أنهم الأبرع وأنهم الأكثر فهما لما يحتاجه الجمهور، بل لعلك تفهم الآن سر أن يباهي أحدهم بأنه الرقم واحد.

راجع عزيزي القارىء أغلب ما قد سبق وأن شاهدته وما تشاهده الآن من الأعمال (الدرامية)، لتكتشف أن أصحابها كانوا بارعين حقا في صنع عمل متقن ذو حبكة محكمة وتطور حدثي متوتر و بنهايات مُرضية.

لكنه وبالرغم من كل ذلك خال من الروح، مفتقد المعنى، مساهم بقدر كبير في تثبيت الواقع لا تغييره. ثم اسأل نفسك ماذا أضاف لك هذا النوع من الفقاقيع المتقنة ؟

أظنك الآن – عزيزي القارىء عزيزي المشاهد – يمكنك أن تواجه أولئك المتبجحين أصحاب السؤال الذي يظنونه مفحماً وهو (بماذا تبرر سر إلتفاف المشاهدين على أعمال تصفها أنت بالتافهة؟)، ولا أظنك الأن تحتاج أمثلة تطبيقية لهذه الأعمال التافهة رغم إتقان صنعها.      

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.