
بقلم الدكتور: إبراهيم أبوذكرى*
منذ أن ظهر البترول بمنطقة الخليج ومنذ أن أصبح الشباب وغيرهم من مواطني مصر والشام ومعظم دول شمال أفريقيا من أبناء الجمهوريات والثورات يريدون السفر والتعاقد مع أبناء الخليج وخاصة (الإمارات) لتحسين حالهم الاجتماعي، لمشاهدتهم تميز أبناء الخليج عنهم من العرب بالسبعينيات وتحديدا عام 1971.
وفور اعتراف جمهورية مصر العربية بدولة (الإمارات) العربية المتحدة وإنشاء سفارة إمارتية بالقاهرة وسفارة لجمهورية مصر العربية على أرض الإمارات العربية، وبالتزامن مع عمل السفير المصري الدبلوماسي والقنصلي بدولة الإمارات..
كانت هناك أول زيارة من السفير سعد مرتضي، أول سفير بـ (الإمارات) العربية يمثل جمهورية مصر العربية بأبوظبي لوزير الداخلية الإماراتي الشيخ (مبارك بن محمد آل نهيان)، الذي حرص سموه علي وجودي بصفتي المصري الوحيد بالوزارة وايضاً بصفتي الوظيفية كضابط إعلام وزارة الداخلية ورئيس تحرير مجلتها، بهذه المقابلة.
وقدمني للسفير المصري أول كادر مصري من كوادر وزارة الداخلية ومدح سمو الشيخ (مبارك) في كثيرا كمواطن مصري والوحيد الذي يعمل كان في جهاز الداخلية في (الإمارات)، ومنذ هذه المقابلة توثقت علاقتي بالسفارة المصرية بأبوظبي واستمرت والحمد لله جيدة، كما كانت اكثر من ممتازة من أفراد الجالية المصرية التي كبرت وتضخمت بـ (الإمارات) العربية خاصة بعد قيام دولة الاتحاد.
وبالتوازي كبرت المؤسسات الاستثمارية بها وتوسعت المشاريع وزاد الطلب علي العمالة المصرية الوافدة لها حتي أطلقوا عليا عمدة المصريين بالإمارات، ساعدني في التوسع في علاقتي بالكثيرين من المصريين عملي بوزارة الداخلية ويقل وأهمية وظيفتي وعلاقاتي المتشعبة مع أصحاب القرار بالداخلية.
وأيضاً الوزارات المعنية والتي لها علاقات مباشرة مع جهاز الشرطة وكوني ضابطاً لإعلام الوزارة دعمت هذه المكانة وجعلت السفارة تلجأ لي لحل الكثير من المشاكل اليومية للمصريين المتعلقة بالشرطة.
وكنت الشخص المصري الوحيد الذي تعتبره السفارة والسفير والقنصلية المصرية كاملة مرجعا لها في الأعمال الشرطية للمواطنين المصريين، وكأني مندوب سفارة مصر والمصريين لدي وزارة الداخلية.

دخول الصحف المصرية
واستمرت هذه العلاقة حتى بعد استقالتي من جهاز الداخلية واتجهت إلى القطاع الخاص لبناء وضعي المالي، حين شعرت أن وضعي الأدبي بالغربة لا قيمه له ماليا، وزادت علاقاتي بعد أن اشتركت مع مجموعة من المستثمرين من قيادات وزارة الداخلية في عدة مشاريع.
أهمها ثلاث شركات (مطبعة الظواهر للطباعة والنشر.. ومكتبة ودار نشر اسمها سفنكس إنترناشونال وشركة أفلام الشاطئ للأعمال الفنية)، ومن خلال المسئولية الوطنية بالغربة وبتوصية من السفارة والسفير لإني مواطن مصري ولدي مشاريع استثماريه ومكتبه بعنوان مصري مكتبة إسفنكس انترناشونال، طلبنا توكيلات للجرائد المصرية.. والكتب المصرية.. ومطبوعات ودار المعارف.. إلخ.
وأقنعت شركائي باستيراد الجرائد والكتب والمجلات المصرية والعربية وبصفتي الشريك الوحيد الذي أتمتع بالجنسية المصرية ضمن هذه المجموعة ويعلمون مدي علاقتي المتميزة بالسفارة المصرية، وعن طريق السفير والسفارة تم الاتصال بأصحاب القرار في تلك المؤسسات الصحفية بالقاهرة ودور النشر الرسمية بالقاهرة.
وتم شرح الموقف بأن الجالية المصرية والجاليات العربية في شغف لقراءة المطبوعات والجرائد المصرية، ونصبح نحن منفذا للتوزيع الثقافي لمصر، والجميع وعد خيرا مما شجعني للسفر علي أول طائرة متجهة للقاهرة.
حملت الأسماء وخطابات التوصية وحماس المواطن المصري الذي يقوم بعمل وطني من الدرجة الأولي حالما في الاتفاق معهم متخيلا تقديره، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فعلي الرغم من حصولي على توصية تليفونية من السفير ورسميا بخطاب من القنصلية كانت المفاجأة.
كل هذه التوصيات وتخيلاتي بأنني أقوم بعمل وطني رميت كلها بالزبالة وطلبوا مني طلبات تعجيزيه بدفع تأمينا ضخم لا يتناسب مع ما سوف نطلبه والأكثر إيلاما أنهم اشترطوا على شراء كميات من الكتب والمطبوعات هم يختارونها ونحن ندفع إلا أثمانها مقدما.. و.. و.. إلخ هذه الطلبات التعجيزية.
واكتشفت بعد ذلك أن هذه الطلبات تم طلبها لأني للأسف أني مصري وأتحدث معهم بمصريتي، وعدت إلى (أبوظبي) عاصمة (الإمارات) أجر أذيال الخيبة والفشل من روتينية العلاقات والفهم المغلوط بين المصريين بعضهم البعض.

نظرة خاصة للمصري بالخارج
ففي ذلك الوقت وربما للآن من يعمل بالخارج ينظر إليه بالداخل المصري نظرة خاصة ممن مازال يبحث له عن فرصه عمل بالخارج متوهما ان كل من يخرج يكون حظه مماثلا لمن نجحوا بخبراتهم ونوعيه مهنهم التي يعملون بها.
المهم.. عندما جلست مع السفير (سعد مرتضي) وطرحت له ما قابلناه في مصر من صعوبات ودارت بيني وبين السفير مناقشة استمرّت أيام وبعد دراسة أبعاد الموضوع.
طلبني السفير (سعد مرتضي)، وقال لي اطلب من أحد من شركاءك المواطنين السفر بنفسه وأعتقد أنه سيعود إليك بالعقود بأقل من الشروط التي فرضت عليك وأكثر.
كان طلب السفير هذا أيقظ لدي موقف قديم جدا لم ولن أنساه أبدا فهو في بدايه الستينات ومتذكره إلى الآن، وهو يطابق طلب السفير لكنه كما يقولون حل شمال.
فمنذ أن كنت طالبا في كلية الزراعة أحدي الكليات العملية الجديدة التي أدخلت في بداية الستينيات بقرار من عبد الناصر وتطوير جامعة الأزهر وتدعيمها بكليات عمليه وتم بناء مبني صغير في صحراء مدينة نصر وكان صعب بها ان يتواجد بها سكان إلا فيما ندر التي استجدت.
وخصص لهذه المنطقة أتوبيسين واحداً أتذكر رقمه هو 61 والثاني 62 يخدما هذه الجامعة التي انشئت في النصف الاول من الستينات وخصص لها مباني متطرفة عن العمار، ومن هنا كانت المشكلة الرئيسية لنا هي صعوبة المواصلات.
نتج هذا أن تكونت مجموعات مكونه من ثلاث أو أربع طلبة يشاركوا بعض البعض ويحصلون على التاكسي معا ذهابا وإياب، وكان يصعب علينا الحصول علي تاكسي ولكننا لا حظنا أن لنا زملاء من الأخوة العرب عندما يشيرون إلى تاكسي يقف لهم فورا على عكس ما نقابله نحن المصريين من سائقي التاكسي النادرة في هذه المنطقة.
فعرفنا السبب أخلاق السائق التركيب وطمعه بأن يحصل على أجر أعلي من العرب عنهم عن المصريين فيقف للطلاب المرتدون الغترة والعقال المعلنون عن أنفسهم أنهم عرباً من الخليج خاصة من (الإمارات).
فلمعت لنا الفكرة واستولينا من زملاءنا العرب غتره وعقال ووضعناها في شنط الدراسة نلبسهما عند خروجنا من الكلية ونشير إلى السائق الذي يقف فورا دون تردد ودون سؤال عن الوجهة التي تتجه به إليها.
وأصبح موضوع الغترة والعقال بالنسبة لي فلسفة ونموذجًا للتعامل مع أصحاب الأخلاق الرخيصة، وأصبحت الوصفة السحرية تستخدم عن اللزوم مع بعض أصحاب القرار بمصر خاصة في مجال الإعلام.

الوصفة السحرية للتعامل
وتم تجربتها في أكثر من موقع في مصر، عندما أري أحد من أصحاب القرار (معصلج) أستخدم معه الوصفة السحرية، وتم تجربتها أكثر من مرة ونجحت في تحقيق الكثير من المكاسب، وانتزعت بها العدل المفقود بها ، والحصول علي بعضًا من الحقوق المنهوبة واسترداد ما يمكن استرداده من الفاسدين.
وعدم احترام الحق من ضعاف النفوس ومن تجربتي بالعالم العربي وجدتها منتشرة في الكثير من البلاد العربية خاصه بشمال آسيا وأفريقيا بالتوازي، ولعلاج الموضوع مع تحقيق طلب السفير فقد كان يعمل معي سائق اسمه (سالم الشاعر) هو شاب فلسطيني يعمل لدى منذ استقلت من وزارة الداخلية واحتجت سائق ومرافق..
كان خفيف الظل.. يجيد اللهجة الخليجية كأهل (الإمارات).. وكنا نحب أن يجالسنا لإضفاء روح الفكاهة في الجلسة وكان أحد زوايا الضحك فى الجلسة هى إجادة للهجة الخليجية إجادة تامة.. وتقليد بعض ضباط الداخلية المعروفين لدينا وفي وجودهم احيانا وكان من دقه دراسته للهجات.
كان يستطيع أن يفرق بين لهجة كل إمارة من (الإمارات) عن الأخرى مثلا بين رأس الخيمة عنها في أبو ظبي والشارقة.. إلخ هذه الألسنة من لهجات بلد واحد بمناطق مختلفة ويعرف جيدا اسرارها.
غيرت اسم الشركة من (سفنكس انترناشونال) إلى (مؤسسة الشاعر للطباعة والنشر) دون عقد منظم بيني وبين (سالم) ووعدته بأنه لو عاد بالعقد سأجعله معي شريكاً بنسبة عشرة بالمائة.
أخذته معي السوق واشتريت له مجموعة ملابس خليجيه من النوع الفاخر جدا الذي يرتديه الشيوخ من آل نهيان، مجموعة من الملابس التي يرتديها أهل أبوظبي حتى النعال لم أنسي من شراءها ليكتمل منظر الشيوخ (سالم) لبس (سالم الشاعر) العقال والحطة.. والدشداشة والمداس أو النعال المناسب مع لون العباءة.
واستكمالا للفكرة التي برقت في ذهني.. وغامرت بها، أرسلت تلكس أخذت رقمه من اصدقائي بالسفارة إلى رئيس الوزراء المصري، وأعتقد انه كان (ممدوح سالم) في هذا الوقت البرقية.
تقول: سمو الشيخ (سالم الشاع) يصل إلى القاهرة على الطائرة القادمة من أبوظبي رقم (كذا)، وتم حجز فندق النيل هيلتون.. جناح (رقم كذا)، برجاء عمل اللازم نحو تسهيل مهمته.. التي وفد إلى القاهرة من أجلها.
ودعنا (سالم الشاعر) وهو متوجه الي القاهرة، وحرصت بأن يسافر بالدرجة الاولي ولم اتخيل ما لاقاه الأخ (سالم الشاعر) عند نزوله من سلم الطائرة بأرض مطار القاهرة.

الشيخ (سالم الشاعر)
نزل (سالم) على أرض مطار القاهرة وجد سيارة سوداء تحت سلم الطائرة ولوحة مكتوب عليها الشيخ سالم الشاعر قرأها وهو في ذهول وعرف بنفسه لحامل اللوحة.
سلم عليه شخص يرتدي بدلة سوداء وقدم نفسه لسالم فلان من مجلس وزراء مصر وأبلغك تحيات دولة رئيس الوزراء، وأنه في استضافة رئاسة مجلس الوزراء..
واصطحب (الشيخ سالم) ليقدم له واجب التحية والتقدير بقاعة كبار الزوار التي فتحت له خصيصا.. ووضعت للشيخ (سالم الشاعر) سيارة خاصة بمرافق تحت أمرة طوال فترة إقامته بالقاهرة..
ويقدمه إلى المؤسسات الصحفية من خلال تعريفه بأنه ضيفا علي رئيس مجلس الوزراء، فكان تحرر العقود اللازمة يسيرا، ولم يجد (الشيخ سالم) أية صعوبة في إنهاء هذه المهمة وتمت بنجاح دون تامين مليم واحد بل وتم دفع قيمة فاتورة الفندق له.
وعاد أخونا (سالم) السائق محملا بالتوكيلات من كل الجرائد المصرية ودار المعارف.. وهدايا مختلفة من المؤسسات الصحفية.. إلخ، وظلت هذه الوكالة فترة طويله حتى تم إغلاق الشركة وتحولت إلى دار صحفية.
تذكرت هذه الحوادث وأنا أتعامل مع بعض أصحاب القرار بالإعلام المصري منذ عام 1993 وبعد انتشار الموبايلات وظهور أرقام المتصل فعندما يطلبون من تليفون مصري لا تجد رد منهم لكن اطلبهم من رقم يبدأ بصفرين.. هيه رنة واحده حتى ولو كان داخل اجتماع يتم الرد عليك فورا.
تذكرت هذه الحكاية بعد أن اختلفنا مع الوزير صفوت الشريف وقفل علينا الماء والهواء، فلم أجد وسيلة من تمرير ما أحتاجه من طلبات بالإعلام المصري عن طريق أثنين ممن عملوا معي في بداية تأسيس (الاتحاد العام للمنتجين العرب)، واحد من الكويت وآخر من السعودية.
وطلبت منهما أن لا يتواجدا بالقاهرة دون لبس الملابس الخليجية (الغترة والعقال) ولا يستخدمان إلا التليفونات الدولية والتي تبدأ بصفرين، والتي يرد عليها أصحاب القرار من سائقي التاكسي من أول رنة.
القصة القادمة أحكي لكم قصة أغرب من الخيال مواطن خليجي الذي دربته لتنفيذ ما أريده للاتحاد مع محبين الغطرة والعقال أصبح مليونير من مكاسبه التي جناها بعقاله وغطرته وجنسيته وهو من المفلسين من الدولة المصرية.
* رئيس اتحاد المنتجين العرب