رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم أبو ذكري يكتب:(حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام).. (صفوت الشريف).. (2)

دستور عمل والتزمت به منذ هذا التاريخ وإلى الآن بل علمته للجميع

(صفوت الشريف): اللهجة المصرية سلعة من أهم السلع المصرية واجب الحفاظ عليها 

بقلم الدكتور: إبراهيم ابوذكري * 

بأوائل التسعينات وتحديدا 1993، عقدت جلسة ثلاثية بين المرحوم الوزير(صفوت الشريف) وزير إعلام مصر، والمرحوم (تحسين قوادري) رئيس لجنة صناعة السينما السورية و(إبراهيم أبوذكري) أمين عام الاتحاد العام للمنتجين العرب وأمين عام اللجنة العليا لمهرجان القاهرة للتليفزيون – كاتب هذه السطور – كان ذلك اثناء مهرجان القاهرة للتليفزيون بدورته الأولي 1993، 

اكتب الآن تفاصيل هذه المقابلة لأهمية ما جاء بها من معلومات سياسية ومهنية يحتاجها العالم العربي كله خاصة المهتمين بالشأن الإعلامي والعمل العربي المشترك الذي فهم خطأ ويتم بعنصرية دون فهم أساسيات العلاقات الدولية وحدود التعاون..

وأيضا لما لهذه المقابلة من أهمية لما نراه الآن من فقد ومسخ الهويات المصرية والخليجية والشامية والعربية وتداخلاتها مما أدي الي قرب فقد الهوية العربية طالما تفقد كل دولة هويتها وبأيدي أبناء هذه الدول الجهلاء من أصحاب القرار من الرموز العربية خاصة التي تعمل في المجال الإعلامي.. 

أكتب محتوي هذا اللقاء أيضا للأمانة وللتاريخ لعل وعسى أن يتفهم أصحاب القرار بقنواتنا الفضائية المصرية منها والعربية المتعددة.. الخاصة منها والرسمية كيف كان يدير المرحوم (صفوت الشريف) المهني صنايعي الإعلام الأول، والذي وصف نفسه أنه آخر وزير أعلام لمصر وقد صدق..

امتد هذا وهذا الموقف الذي أصبح لي مدرسة ونهج نتعلم منه بعد إقحام تعبيرات دخيله علي لهجاتنا المصرية والعربية الجميلة اشعر بقلق تجاه هويتنا المصرية والهويات العربية.

والخوف حاليا من تضخم المشكلة في المستقبل في نجاح محاولة فقد الهوية المصرية وبالتالي يفقد العالم العربي هويته، وبالتالي أطلق انتماءاته الثقافية والفكرية والاجتماعية والسياسية وللأسف هذه الكريمة ترتكب بأيدي بعض الجهلاء من بين صفوفنا.

من هنا وجب علي فتح ملف هذه القضية لعل وعسي نصلح ما تبقي من هذه اللهجات المصرية ولهجات الدول العربية بحلاوتها موسيقاها الطبع من أفواه مواطنيها. 

والبداية أشير إلى هذا اللقاء الثلاثي التاريخي، والذي أعتبره الآن إحدي الدروس الإعلامية من مدرسة فارس الإعلام العربي (صفوت الشريف)، كما كان منطقه وهو أكثر وزير للإعلام له بصمات كثيرة على الإعلام المصري والعربي أسجل هنا وأكتب هذا أيضا للأمانة وللتاريخ. 

تحسين القوادري

المشهد الأول: 

من داخل مكتب (صفوت الشريف) بماسبيرو وبالدور الثامن يقف الوزير لاستقبال والترحيب بتحسين القوادري وبي.

وبعد الترحيب والسلامات واحتساء الشاي والقهوة وتقديم شكولاتة الوزير المعروفة، بادر (تحسين) حديثه موجها كلامه للوزير متسائلا بفوقية شديدة!

تحسين: (صفوت بك ليش ما تعرضوا مسلسلاتنا السورية على شاشتكم على الرغم أننا في سوريا نعرض مسلسلاتكم المصرية.

(صفوت الشريف): سياسة الدولة المصرية أن لا تعرض مسلسلات سوي المسلسلات المصرية والأغاني المصرية. 

تحسين: احنا كمان ممكن أن نقاطع المسلسلات المصرية.

(صفوت الشريف): من حقكم.. بس صعب فيه حد بالعالم العربي انه يستغني عن الفن المصري.

تحسين: المسؤولين بسوريا مصممون أن يكون التعامل بالمثل. 

(صفوت الشريف): الكلام دا جديد علينا في مجال الفن والدراما، ولا أعتقد فيه أحد يستطيع أخذ قرار مثل هذا القرار، لا هنا بالقاهرة ولا في أي بلد عربي  آخر.

تحسين: إحنا في سوريا نستطيع.

الوزير(صفوت الشريف): تبقوا أنتم الخسرانين لأن الابداع المصري موجود بالوجدان العربي وجالب للإعلانات على كل الشاشات. 

وهنا.. بدأ يتراجع (تحسين) عن الكلام الخشن ونغمة الفوقية تتلاشي شيئا فشيئا.

تحسين: أنا مخول من التليفزيون السوري اننا نعطيكم المسلسلات السورية التي ترون أنها تتناسب مع شاشتكم وتوافقون علي محتواها مجانا. 

الوزير: اشكر لكم هذا العرض الكريم وبلغ الجميع شكري الجزيل مع احترامي للدولة السورية الشقيقة وأعتذر عن قبول هذا العرض السخي لأني ليس لي صلاحية في كسر سياسة الدولة التي وضعت للتليفزيون المصري.

فترة صمت في تقفيل الحوار من جانب الوزير الذي كان رفضه رفضاً حاسما ومع ذلك وبصوت الذي وجد مخرجا لهذه الأزمة.

تحسين: يا معالي الوزير الجميع يعلم أن التليفزيون المصري يقبل إعلانات مدفوعة الأجر، وهي لها قواعد وأسعار وتواقيت.

الوزير (صفوت الشريف): نعم كلامك صحيح.

تحسين: جميل، يعني حضرتك أكدت أنكم تعلنون عن سلع بالتليفزيون مدفوعة الأجر 

الوزير (صفوت الشريف): تمام 

تحسين: معاليك لو وافقت نحن على استعداد لشراء ساعة تلفزيونية من أي قناة من القنوات الثلاثة يوميا كإعلان مدفوع الأجر بالسعر الذي تحددونه.

الوزير (صفوت الشريف): وماذا تقدمون عليه؟ 

تحسين: نذيع عليها مسلسل سوري.

الوزير (صفوت الشريف) مقاطعا: يا أخ تحسين نحن نذيع الإعلانات تحت مواصفات محدده ولا نترك شاشاتنا كشقق مفروشة.

تحسين: مواصلا في محاولة أخيرة وفي وجهة نظره مغرية لإتمام الصفقة: يا معالي الوزير سنعرض عليك جميع مسلسلاتنا وأنتم تختارون المسلسل الذي بتناسب معكم ومع سياستكم بنفسكم من المسلسلات السورية.

الوزير (صفوت الشريف): يا سيد (تحسين) المسالة مسالة مبدأ وقرار رئاسي صعب المساس به.. تسمح لي أن ناسف لكم وللإخوة السوريين هذا العرض. 

كان الحوار بينهما لا يعجبني خاصة وأبديت ملاحظاتي ورؤيتي مساعدا جيدا للعروض والحوارات التي كانت بين تحسين والوزير مناصرا لتحسين ضد رأي الوزير (صفوت الشريف) وأراه متغطرسا يخسر التليفزيون المصري صفقة بمئات الالاف من الدولارات اليومية كما أجده متعنتا في آراءه..

خاصة أي كنت في بداية عملي كأمين عام لاتحاد المنتجين العرب، ومتحمسا للعمل العروبي وأبنا من أبناء صوت العرب المحبين لهذا الاتجاه وهذه المدرسة مثلي مثل جيلي كله.  

أكثر من نصف ساعة في حوارات مختلفة ومناقشات بين شد وجذب وكلاهما ثابت علي موقفه.. 

(تحسين) مُصِر على إذاعة مسلسلات سورية على الشاشة المصرية، والوزير (صفوت الشريف) محافظا على شاشاته بعدم إذاعة أية لهجة عربية على الشاشة المصرية للمحافظة علي اللهجة المصرية علي حد قوله.   

كنت في هذا الوقت في بداية عملي كأمين عام لاتحاد المنتجين العرب، ومتحمسا للعمل العروبي فرأيت من وجهة نظري أن هذا الحوار بينهما متعنتا خاصة من الوزير (صفوت الشريف).

ولاحظ صفوت بك هذا على وجهي وعلى بعض مداخلاتي التي وجدها أيضا من وجهة نظره أنها تصب لصالح موقف المرحوم (تحسين) – رحمة الله عليه.  

المهم لقد اختتم الوزير الحديث والحوار أدبا وحفظا لماء الوجه بالمناقشات التي تمت بقوله: يا أخ تحسين تعلم مدي حبي لكم ولسوريا حكومة وشعبا ورئيسا ولك أنت معزة واحتراما خاصا، وهذا القرار ليس بسلطتي وسأعرض هذا الأمر على الرئيس. 

صفوت الشريف محذرا: إبراهيم شيل أيدك من الفايل دا خالص لأنك لا تفهم أبعاد هذا الموضوع

المشهد الثاني:

فور انتهاء اللقاء بسلام وعدم الاتفاق الذي من أجله كان ترتيب اللقاء في توقيت كلنا في أمس الحاجة لدقيقة واحدة وشعورنا أنا و(تحسين) بالفشل.. وأثناء خروجنا أنا و(تحسين) من الباب.. استوقفني الوزير وقال انتظر يا أخ ابراهيم أنا عازوك في موضوع مهم، ووجه كلامه لتحسين: تحسين بك تقدر تنتظر دقائق بالسكرتارية.. دقائق وإبراهيم بك يبقي معك.

واستأذنت من (تحسين) وعدت إلى الوزير الذي وجهه لي بعض الكلمات وكان سليط اللسان.

الوزير (صفوت الشريف): بعد كلمات اعتبرها سب وقذف.. وما أتذكره نصا بقوله حرفيا ومحذرا: إبراهيم شيل أيدك من الفايل دا خالص لأنك لا تفهم أبعاد هذا الموضوع.

(إبراهيم): يا معالي الوزير أنا لم أتخيل أن حضرتك ترفض كل هذه العروض.

مقاطعا الوزير (صفوت الشريف): يا إبراهيم إصراري على نظافة شاشتي دا لصالح مصر وأنت لا تفهم أبعاد الموضوع الذي أتي إلينا من أجله (تحسين).

الوزير (صفوت الشريف) واضعا يده على كتفي سائرا بي الي مقعد بجوار المكتب مستكملا حديثه: أيضا أنت لا تعرف مين اللي بيصرف المليارات ليبث من علي شاشاتنا مواد نحن لا نرغب فيها وتؤثر علي لهجتنا المصرية، والقضاء علي ثقافة بلادنا، ونحن هنا حريصون أن تحتفظ الشاشة بشخصيتها ولا تختلط بأي لهجة أخرى، 

وقلت له لابد من الوقوف على الفنون بكل العالم.

(إبراهيم): يا معالي الوزير إن جميع القنوات العربية تعرض الفن العربي بكل اللهجات وبدأت الفضائيات تنتشر بالعالم العربي، وقربت المسافات جدا وأيضا ستذوب اللهجات بعضا البعض.

الوزير (صفوت الشريف): أعلم ذلك جيدا، لكننا نحن لنا طعما خاصا الكل يبحث عنا وأوافق أن كل ما تبحث عليه الآن على الفضائيات العربية، كل بلد لديها للآن فضائيات.

(إبراهيم): لدينا القناة الثانية تعرض أفلام ومسلسلات أجنبية، فلماذا لا نعرض المسلسلات العربيه ومنها السورية.

الوزير: الأجنبي.. الأجنبي غير الناطق بالعربية، كما اننا نذيع الأجنبي بالترجمة على القناة الثانية فقط، أما بقية القنوات فستظل مصرية ناطقة باللهجة المصرية تجلب إعلانات ننفرد بلهجتنا ونحافظ عليها.

لأن لهجات الشعوب تحافظ على جذورها وانتماء شعوبها والتخلي عن اللهجة أو خلطها بلهجات أخري تدمير للاقتصاد وخطابنا الإعلامي، وعلى الرغم من محاولاته إقناعي بما قام به والوصول لهذا الهدف لم يعجبني كلامه، ورددت عليه بأهمية عرض المسلسلات العربية علي الشاشة المصرية.

الغريب في الأمر وفي ذلك التوقيت كان الوزير مصراً على إقناعي وتغيير ما كان ما بداخلي من الموضوع العروبي لمصر، والجميع يعلم أن مصر تملك أيضا تعداد بشرى كبير يمثل ثلث العالم العربي.

وهو أيضا هدف للبعض من البعض الباحثين عن وسيلة للوصول إلى العمق المصري من خلال شاشاتنا لأنهم يحلمون بالريادة وقيادة الأمة العربية والوصول إلى كل الشعوب العربية من خلال المصرية، ونحن هنا في مصر حريصين كل الحرص على أن تحتفظ الشاشة المصرية بشخصيتها. 

وسألت الوزير (صفوت الشريف) السؤال الذي أفسد شاشتنا بعد غياب حارس اللهجة المصرية الآن؟

(إبراهيم): أليس من حقنا كمصرين أن نطلع على الفنون الواردة لنا من كل العالم؟

الوزير (صفوت الشريف): أولا الفنون العربية تستطيع أن يبحث المشاهد عليها بالقنوات العربية.. وأنت تعلم أن الفضائيات العربية الآن انتشرت.. وكل بلد لديها أكثر من قناة فضائية. 

أما الأفلام والمسلسلات حتى الأغاني الأجنبية فنحن نذيع كل الأجنبي بالترجمة فقط دون الدوبلاج باللغة واللهجة الأصلية للمصنف وتبث على القناة الثانية فقط.

أما بقية القنوات المصرية فستظل مصرية وننفرد بلهجتنا ونحافظ عليها لأن التمسك بلهجات الشعوب تساعد على أن تحافظ على جذورها وانتماء شعوبها لأرضها والتخلي عن اللهجة أو خلطها بلهجات أخرى تعتبر تدمير لجذور أي دولة وتسطيح شخصيتها وخطاباتها الإعلامية. 

وصرح الوزير لي بأسماء دول وزعماء عرب (أعفي نفسي من ذكرها) تدفع مليارات الدولارات لمحاربة مصر من تحت الطاولات، يحاولون تقليل التواجد المصري في كل المجالات التي تحتلها مصر بكفاءة أولادها ويدعون أنهم من أصدقاءنا ويحبون مصر ويساعدونها على أن تكون في مقدمة الأمة العربية.

شرح لي بإسهاب عن أهمية عدم تلوث الشاشة المصرية بأي لهجة غير مصرية لأننا مستهدفين

المشهد الأخير: 

شهادتي هنا للتاريخ بأن الوزير (صفوت الشريف) وبهدوء اعصاب وابتسامة رجل المخابرات وشرح لي بإسهاب عن أهمية عدم تلوث الشاشة المصرية بأي لهجة غير مصرية لأننا مستهدفين من خلال جهات ترى أن بعض من قوة مصر الناعمة هي لهجتها المصرية.

وأكد لي أن اللهجة المصرية هى سلعة من أهم السلع المصرية التي يجب الاستثمار فيها والإتجار بها والاستعانة بها كقوة ناعمة لا يستهان بها، وهى مؤثرة بالجماهير المصرية والعربية وبلاد المهجر.

ونحن متفردون بها وهى من خلالها نحملها  الرسائل السياسية والاستثمارية، كما وأنها اللهجة الوحيدة التي تربط العالم العربي بعضه البعض فدول الخليج تخاطب دول شمال أفريقيا باللهجة المصرية، فهي المؤثرة بالوجدان العربي، وهى ملكا خاصا تمتاز به مصر فقط.

والجميع يعلم أننا في مصر لدينا تعداد بشري يمثل ثلث العالم العربي، فأصبح هدف للبعض القوي التي تحلم بالريادة والقيادة العربية بالوصول إلى كل الشعوب العربية من خلال الشاشات والأغاني والدراما.

درس تعلمته من الوزير (صفوت الشريف) وزير الإعلام المهني.. ووضعته دستور عمل والتزمت به منذ هذا التاريخ وإلى الآن بل علمته للجميع.. وأطلقت (مبادرة # أتكلم – لهجتك)..

وأرسلت لكل الاتحادات بالدول العربية وأفهمتهم أن يحافظوا في كل دولة على لهجتها وأشعارها ومبدعيها وفنها وانتماءاتها الثقافية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

* رئيس اتحاد المنتجين العرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.