
بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
استيقظت ظانا بأن ما أسمعه هو بقايا حلم.. صوت من الشارع ينادى اسمى .. بدون خوف! .. بدون مواربة !.. خرجت إلى الشارع فرحا.. نقيب في ملابسه الرسمية والرتبة تعلو كتفية.. لم أصافحه مثبتا النظر إلى عينيه ..إنه (زكريا أمان).
- حضرتك إبراهيم رضوان؟
- خير؟
تلقفنى في أحضانه على جمودى – حمد الله ع السلامة .. خرجت امتى؟
– غريبة .. المفروض تكون حضرتك عارف
– على فكره .. أنا ضابط في القوات المسلحة .. مش شرطة.. أنا (زكريا أمان) يا أستاذ إبراهيم.
أخذته من يده إلى داخل البيت .. في حجرتى الضيقة والتي ليس بها سوى سرير صغير جلس.. فاجأنى دخول كل من في البيت يرحبون به واحدا تلو الآخر..
كانت أسرتى في خطاباتهم قد أخبرونى أن هناك رائدا في الجيش يتردد عليهم كل أجازة.. مدعيا أنه مدين لى بمبلغ، و أنه يسدده لهم على أقساط.. وفي كل زيارة إلى جانب المبلغ يحضر معه احمالا تتنوع من أجولة أرز و بطاطس وفواكه متسائلا عن أي خدمات يستطيع تقدبمها للأسرة في غيابى في ظلمات المعتقل..
ورغم أنى نصحتهم بعدم التعامل معه لشكى في شخصيته المجهولة.. إلا أنه أصر على مواصلة ما يقوم به.. و قد عقب والدي: بصرف النظر عن كل ما يحضره.. فأنا أحبه لله في لله.. خصوصا أنني أعرف شقيقه الحاج علي في (شرنقاش)..
كنت متوجسا من هذه الزيارات المتكررة.. والهدايا المبالغ فيها.. بعد أن استقر في غرفتى الضيقه سالته عن كيفية معرفته بى .. أخبرنى (زكريا أمان) أنه ذات مرة..

صديقي (صبرى الجيار)
كان في زيارة صديقي (صبرى الجيار).. وعلى أحد الرفوف لمح ديوانى (الدنيا هيّ المشنقة) اندمج في قرائته.
– انت من امتى بتقرا شعر يا صبرى؟
– أنا يا حبيبى لا بحب الشعر، ولا عمرى قريت شعر .
– أومال الديوان ده عندك بيعمل إيه؟
– أصل الشاعر دا صديق قديم .. كان زميلى في مدرسة مناخلة.
– كان؟.. هو مات ؟
– قبضوا عليه و حطوه في السجن.. دا من طلخا
– ممكن تورينى بيته؟
– إمتى ؟
– دلوقت .
تردد (صبري) في مصاحبته منعا للشبهات.. مكتفيا بوصف العنوان.. انطلق زكريا أمان في ملابسه الميرى إلى بيتنا.. تعرف على والدى ووالدتى.. أخبرهم أنه من أعز أصدقائي.. وأنه مدين لى بمبلغ كبير.. وأن الوقت مناسب لرده ..
في اليوم التالى أحضر لهم من قريته (شرنقاش) عدة أجولة من البطاطس و الخيار و الطماطم والبصل .. و المبلغ الكبير مسددا القرض المزعوم ..
وفي كل أجازة له من الجيش يتوجه إلى بيتنا للاطمئنان على أحوالهم.. و السؤال عني.. إلى أن عثر بى اليوم.. عند نهاية الزيارة اكتشفت أنه قديس طاهر.. كان يحفظ ديواني كاملا.. أصبح فيما بعد يقضي أجازاته معي في منزلي المتواضع.. أو معه في قريته (شرنقاش)..

تحمل (زكريا أمان) كل متطلباتي
تحمل (زكريا أمان) كل متطلباتي خلال هذه الفترة العصيبة.. كان الخناق يطول كل ما يحيط بي.. حتي بعد انتقالي إلى مقر إقامته بالقاهره.. في حجرة صغيرة من شقة بها حجرات، و..ما زالت دبلته الذهبيه في يدي و يد زوجتي.. لذلك.. ومن أول مبلغ أتسلمه في حياتي عن أسطوانة لأغنيتي (مدد مدد..شدي حيلك يا بلد)، وكانت كان 10 جنيهات.. اشتريت بهم قطعة قماش لأمي.. وأخرى لأبي .. و ثالثة تصلح قميصا لـ (زكريا أمان).
وكان إنسان
وكان زكريا فاتح في محرابه للأحبه و للأغراب
وكان باب الأمل للكل..
كان مفتوح على الآخر
يا نوع فاخر..مفيش زيه
ولا شكله
معاك كل الشلل.. قاعدين على سريرك
وقاسم بينهم اللقمه
وكل بلدنا يا زكريا فيها كل أسرارك
لأنك كنت إنساني في كل مكان
و كنت (أمان) لكل الناس
لا شفتك مره دايس ع القيم و النور
ولا شفتك.. يا صاحبي غير وتر حساس.
والآن أرجو منكم أًصحاب القلوب الطاهرة أن ترفعوا أيديكم إلي السماء طالبين له الشفاء: وإليه أهدى هذه السداسية:
زكريا أمان
زكريا في البساتين.. يمام بجناح براح..
جواه سماح.. إلا إذا داسوا الأصول
هارب بقلمه.. من خانات الانشكاح..
مع إنه.. لسه حصانه ناهج في الوصول
ٱه يا ولي.. من أولياء رب العباد..
ٱه يا حروف.. ممزوجه با الشجن الحلال
نفسك في يوم.. القطر يوصل في الميعاد..
والشعر يرجع تاني.. يتحدي الضلال
بتقول بصوت عالي.. إذا ساد الفساد..
إيه اللي خلي قريش.. تداري صوت بلال
الوقت ليه لخروجنا.. أصبح مش متاح..
واحنا اللي ياما قسمنا.. نص رغيف بفول.
من كتاب (مدد مدد)
سيرة ذاتية لبلد