رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زغلول يكتب: (الإضاءة).. في المسرح  المصري القديم

(الإضاءة) الصناعية، ينير المكان المسرحي (منطقة التمثيل)

بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول

التاريخ المسرحي القديم يخبرنا عن تطور (الإضاءة) المسرحية، ويبدأ من العصر اليوناني ولاحقا الروماني، ونعرف أن العروض كانت تتم في ضوء النهار، ولهذا كانت الهندسة المعمارية في بناء المكان المسرحي، تتمثل في بناء المسارح متجهة من الشرق إلي الغرب.

فقد كانوا يقيمون عروضهم في الفترة من بعد الظهر، وكانوا يعتمدون على ضوء الشمس في هذه الفترة النهارية ، بحيث يتسلط ضوء الشمس الطبيعي على الممثلين، و استمر استخدام الضوء الطبيعي عندما تم بناء دور العرض بفتحة دائرية كبيرة في الجزء العلوي من المسرح.

وكانت المسارح الإنجليزية الحديثة المبكرة بدون سقف، مما يسمح باستخدام الضوء الطبيعي لإضاءة المسرح، و مع انتقال المسارح إلى الداخل، أصبحت (الإضاءة) الاصطناعية ضرورة وتم تطويرها مع تقدم المسارح والتكنولوجيا.

ولكن في مصر القديمة يشير هيرودوت إشارة في غاية الغرابة والأهمية، عندما شاهد مسرحية الأسرار في المعابد المصرية إذ يقول: (ويوجد أيضا بسايس في حرم معبد (أثينا) قبر من لا يحل لي ذكر اسمه في هذا الشأن، والقبر موجود وراء الهيكل، ويمتد محاذيا لكل جدار المعبد.

وفي حرم المعبد تقوم أيضا مسلتان عظيمتان من الحجر، توجد بجوارهما مزخرفة ومزينة بحافة من الحجر، متقنة الصنع على شكل دائري وحجمها – فيما بدا لي – كحجم بحيرة (ديلوس) التي تدعي بالبحيرة المستديرة، وفي هذه البحيرة، تقدم الاستعراضات ليلا والتي تمثل مصيره المحزن ويسميها المصريون (أسرار).

لقد وصف المكان المسرحي الذي يقدم فيه العرض وتوقف، إلا أنه أشار إلي أن هذه المسرحيات تقدم (ليلا)، ومعنى ذلك أن هذه النوعية من العروض، كان لها نظام (الإضاءة) الصناعية، ينير المكان المسرحي (منطقة التمثيل).

ونحن نعلم أن المصريين القدماء، كانوا يستخدمون قناديل الزيت للإنارة، ولكن السراديب المصرية القديمة العميقة في الأرض عند اكتشافها وبرغم طولها، ليس لها مصدر ضوئي ينير للسائر فيها وتكون مظلمة تماما، ولكن معنى هذا أن المصريين القدماء كانت لهم اساليب غامضة في إنارة السراديب.

نعتمد في تصورنا لـ (الإضاءة) المسرحية، على ما وصل إلينا من آثار قناديل الزيت والتي استخدمت للإنارة

(الإضاءة) المسرحية

ولكن سوف نعتمد في تصورنا لـ (الإضاءة) المسرحية، على ما وصل إلينا من آثار قناديل الزيت والتي استخدمت للإنارة، ونعود إلي العروض المسرحية التي كانت تقدم ليلا، ونتذكر سويا البحيرة التي أشار لها هيرودوت، والتي ذكرناها في السابق كمنطقة من مناطق التمثيل، ونستنبط بعض الأشياء التي نحاول بها معرفة (الإضاءة) المصرية القديمة للعرض المسرحي، نبدأ من مسرحية الأسرار:

المكان: بستان، وبه  شجرة الجميز، أوزيريس جالس تحت الشجرة ( وقد عرف بنهاية حياته)

أوزيريس: خائفا.. لا تتخلى عن أوزيريس، أيا أتون رع، وإلا فهو هالك لا محالة ونتخيل.  معانا كيفية إنارة المكان (الشجرة، وأوزيريس جالس تحتها)، ونستنبط أن المخرج المسرحي قد استعان بفروع الشجرة، وعلق عليها قناديل الزيت، وكما نعرف أن القنديل مصنوع من الزجاج، وربما كانت بعض القناديل ملونة بألوان تضفي جو عام على المشهد.

المنظر الثاني: البحيرة الصناعية

ست: يظهر في مركب قادما  هو واتباعه، متجها إلي الشاطئ.

في هذا المشهد نستنبط أن ست وأعوانه، كانوا يحملون المشاعل في أيديهم، لإنارة القارب، ولكن حول البحيرة من الممكن وضع قناديل الزيت حولها لإنارتها.

المنظر الثالث:

أوزيريس: أني لم أرتكب إثما، لا تجعل بغضك يتفجر ضدي، إنني أمنح، وسأعصيك وفقا لأوامري، ولا تنتزع قلبي من جنياه، فإنني أنا رب الحياة، ست: يقوم ست مع أعوانه بضرب أوزيريس ضربا مبرحا.

وفي هذا المنظر سوف يضع ، ست وأعوانه المشاعل أمام الشاطئ ليحدث مزج بين إضاءة القناديل وبين المشاعل، مما يزيد من مستويات (الإضاءة)، لتتوهج في المنظر التالي.

المنظر الرابع:

قام ست بعمل حبال على شجرة الجميز فيما يشبه المشنقة، وقام هو وأعوانه بوضع أوزيريس على المشنقة،  ست يشعر بالرضا والفخر).

المنظر الخامس:

ست يتلذذ  بمشاهدة أوزيريس هو يعاني من سكرات الموت.

حاولنا استنباط طريقة (الإضاءة) بين المزج بين القناديل والمشاعل

استنباط طريقة (الإضاءة)

المنظر السادس:

ست يخرج الخنجر من وسطه، ويستعد لانتزاع قلب أوزيريس الذي مازال ينبض بالحياة، ست ينتزع قلب أوزيريس، وتكون نهاية أوزيريس المفجعة.

(وهذا كله يتم بين إضاءة القناديل وإضاءة المشاعل).

وبعد هذا المشهد الذي حاولنا استنباط طريقة (الإضاءة) بين المزج بين القناديل والمشاعل ننتقل إلي مشهد يتم فيه استخدام المشاعل فقط.

المنظر الثامن :

اتباع وأعوان ست، يقمون بحمله على محافه خشبية ويطوفوا به البلاد ويداه ملطختان بالدماء، ليعلن عن انتصاره، ويعلن عن مقتل أوزيريس، وفي هذه المنظر سوف تكون (الإضاءة) بالمشاعل، لأنها دالة على الطرق.

المنظر التاسع:

ظهور إيزيس ونفتيس وهما يبكيان أوزيريس.

وهذا المنظر بالإمكان ظهرهما بجوار الشجرة التي تحمل القناديل أو في الطريق المنار بالمشاعل.

وبالطبع بعض الشخصيات سوف ترتدي أقنعة مثل ست، وسوف يكون لون القناع وملابس الشخصية ينعكس عليهما الضوء بتأثيرات لونية، وملابس الشخصيات الأخرى.

وهذه محاولة استنباطية لشكل (الإضاءة) في العرض المسرحي المصري القديم، خاصة لأن هيرودوت قال أن العروض تمثل في الليل، وهذا دليل على استخدام (الإضاءة) في العروض التي تقدم في المسرح الصري القديم، وبهذا تكون مصر من أولى الدول في العالم القديم التي قدمت عروض بها إضاءة مسرحية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.