بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
في قاعة الدول العربية كان الزحام على أشده.. يعلو الجدران صور مكبرة لنجوم الحفل (سامح الصريطي)، و(مديحه حمدى)، ومطربة مغربية جديدة اسمها (ليلى غفران)، والتي انطلقت نحو آفاق الشهرة بعد هذه المسرحية.. وقد غنت فيها من كلماتى العديد من الأغنيات.. وصدحت الموسيقى من ألحان (أحمد الشابوري) بالكلمات:
يا بلدنا يا محروسة
عايزانا نجيب.. نجيب
آدى البلد عروسه
و آدى العريس نجيب
كان نجاح الأمسية مدويا.. وقد جنى (مرسي نويشي) من ورائها أرباحا طائلة خاصة أنه قد باع حق بثها لمعظم القنوات العربية.. طالبت مرسى بأجرى ليعقب: (أنا الآن في نشوة النجاح وليس عندى استعداد أن يكلمنى أحد في أي موضوع.
ويبدو أن (مرسي) وإلى الآن مازال يعانى من النشوة ولم يرسل لى قرشا واحدا مقابل نجاح هذه الأمسية.. و قد شاهدته فيما بعد يجرى حديثا مع مبارك نشر في الصفحة الأولى للجريدة.
بعد فترة طلبت (ليلى غفران) – التي بلغت أوج شهرتها – من (سامح الصريطي) أن يتولى تحضير ألبوم غنائى لها.. توقعت أن يكلفنى (سامح) بكتابة الألبوم كاملا خاصة أن اسمى أيضا في هذا الوقت كان لامعا في عالم الأغنية..
فوجئت بأن (سامح الصريطي) قد كلف بعض الشعراء الآخرين دونا عني.. لم أسأله عن السبب لكننى ابتلعت غصة في أعماقى.. سألنى (سامح) فجأة (يعنى ما سألتنيش يا إبراهيم أنا ليه ما طلبتش منك أغنيه لليلى غفران؟).. لم أرد..
أكمل: (لأنى كلفت الشعراء اللى ممكن يوافقوا على سعر خمسمية أو ستمية.. وأنا عارف طبعا انك مش هتقبل المبلغ دا).. فرددت عليه في سرعه قاطعة (طبعا كنت هرفض) .. كان ردى فقط لأغيظه فقد كان المؤلف في هذه الفترة يتقاضى 50 جنيها كأجر عن الأغنية..
في الاستوديو قابلت (علي الحجار)
كنت في مرحلة تثبيت دعائم مكانتى التي حققتها كشاعر غنائى.. كنت حريصا على أن يكون أجري هو الأعلى في الإذاعة.. كان المستشار القانوني لوزير الإعلام على السيد يساندنى بقوة لتحمسه لأعمالي..
بينما أنا جالس و(سامح الصريطي) في الاستوديو قابلت (علي الحجار) الذى كان ما زال في خطواته الأولى المبهرة.. والتي سرعان ما تحولت إلى قفزات متواثبة.. عاتبته على اشتراكه بالغناء في أوبريت عن (السادات).. لم يجد على ردا..
تدخل (سامح الصريطي) بتفسير ما كان سيحدث لعلى لو كان قد امتنع عن الغناء.. أقل المتوقع هو منعه تماما من دخول مبنى التليفزيون وإلى الأبد.. وهو ما يمثل الحكم عليه بالإعدام فنيا..
استدل (سامح الصريطي) على صحة تفسيره بأن فتح ديوانا لى كان يتصفحه عارضا على الصفحة الأولى المذيلة بإهدائى إلى إحدى المذيعات (شايف انت أهديت الديوان دا لمين .. على عمل زيك بالضبط)..
فيما بعد تم تكليفى من رئاسة الجمهورية عن طريق الدكتور (ممدوح البلتاجي) رئيس الهيئة العامة للاستعلامات بكتابة أمسية تحت عنوان (التضامن العربي).. كان على رأس حضورها الرئيس المصرى ومن ضيوفه الرئيس اليمنى علي عبد الله صالح والرئيس العراقى صدام حسين و الرئيس الليبى معمر القذافى ..
على أن يتولى الدكتور (مرسى نويشى) – السابق الإشارة إليه – محاسبة الشاعر والملحن والمطربين.. تم عرض الأمسية في قاعة فندق من أكبر فنادق الإسكندرية.. كان (أحمد الشابوري) كملحن يشترط تحصيل أجره مسبقا قبل وضع اللحن..
وصلت الحفل بالإسكندرية بصحبة المخرج (نور عبد الحميد) الذى لم يكف عن التقاط الصور بكاميرته الخاصة، حيث أنه في الأصل مصور صحفي.. بعد تحقيق الأمسية لنجاح فائق أقام لنا (د. ممدوح البلتاجي) حفلا خاصا في الهيئة العامة للاستعلامات.
وقد أشار في كلمته إلى وجودي قائلا (المفروض أن أقوم أولا بتكريم عريس الحفل الشاعر إبراهيم رضوان، لكننى من مدرسة الإتيكيت الفرنسية التي تكرم المرأة أولا).. على ذلك تم تكريم (مديحة حمدي) ثم (ليلى غفران)..
وعندما صافحنى مال على برأسه قائلا: (عارف انك بلدياتى.. أنا من أجا.. ولو عاوز أي طلب من الرياسة بس اكتبهولى في ورقه و اتركها لى عند مدير مكتبى)..
قبل أن أغادر الحفل كلفت صديقا – اتضح لى فيما بعد أنه مزيف مثل آخرين كثر – أن يكتب مذكرة تفيد بحاجتي إلى شقة في القاهرة لأستطيع الاستقرار للكتابة بدلا من سفرى إلى المنصورة..
(ليلى غفران) والعفاريت
جالستنى (ليلى غفران) تقسم لى أن بعض العفاريت يتدخلون في مجريات حياتها وتسألنى عن شيخ يقوم بصرف العفاريت ويجلب الحبيب والرزق، ويحطم المنافسين.. تنهدت و قلت لنفسي: (أين مني هذا الشيخ ومن رصيدى العليل في البنك).
بالعودة إلى (سامح الصريطي).. يتميز دائما بسعة اطلاعه وثقافته.. لم أشاهد بين أصابعه مرة قطعة حشيش أو كاس خمر.. شديد الالتزام، حتى أنه توقف عن أخذ قطرة للأنف خشية إدمانها..
فى المنصورة أقمت ندوة لتكريمه وأرسلت له سيارة للقاهرة لإحضاره.. في الندوة تكلم عن مشواره الفني و تقديره لشخصي.. نجحت الندوة لكننى نسيت أن أسلمه درع التكريم.. حجزت له المبيت في فندق الجامعة، وهو من أرقى فنادق المنصورة، لكنه لسبب لم أعرفه لم تعجبه الإقامة به وسافر فجر اليوم التالى ..
(سامح الصريطي) من القلائل في الوسط الفني الذى يحتفظ بسمعة دائمة النصوع.. يميل دائما الى البساطة رغم نجوميته.. حتى أنه في الحج كان يتجنب الركوب داخل الأوتوبيس المكيف ويصعد راكبا على سطحه في الهواء الطلق ..
بعد طلاقه من الفنانة الفاضلة الراحلة (نادية فهمي) تفرغ تماما لأعماله الفنية.. رغم ذلك لاحظت لفترة خمول نشاطه الفني.. سألته عن السبب فأجاب بأنه لا يجد الورق الذى يرضيه.. بعد فترة توالت أعماله بأدوار مختلفة الألوان، وكلها بطولة مطلقة تليفزيونيا وسينمائيا ليتصل بى بعدها (مش قلت لك لو لقيت ورق حلو هشتغل)..
في الأوقات التي لا يجد فيها ما يتناسب مع طموحه من أدوار كان يتجه للعمل بقناة الأهلي ليحقق نجاحا كمذيع متميز دائما ..
(سامح الصريطي) خطوة مهمة
سيظل سامح الصريطى أول من عرفت في القاهرة.. و خطوة هامة في طريقى الفني.. والإنساني:
سامح.. و كان بيننا التصالح
مهما كنا نختلف
بدء المحبة م الألف.. للياء
لحد نهاية الدرب الطويل
و نهاية العمر اللى لسه كل يوم
يسرق من العمر الجميل
زهره بلون قلبك يا سامح
يا حبيب القلب .. يا قمر الوجود
بينك و بينى سفر طويل ملوش حدود
مع عيش و ملح..
وفدادين عشرة أصيلة من زمن
أنا وانت كنا لبعض أحزان الوطن
يا ما دفعنا عمر غالى بدوت تمن
جمعنا مشوار المحاولة للوصول
كان خط سيرنا الصافى فوق سكك الأصول
ولا خونا أبدا نفسنا مهما يكون
البعض كان قادر يخون
والبعض كان قادر يصون
وإحنا حلفنا على كتاب المولى
نصبح عصفورين فوق الغصون
كنا ساعات يا حبيبى نقدر نفترق
لكن في لحظة حب تجمعنا نجوم المفترق و تضمنا
الحب هو أبونا .. هو أمنا
هو اللى جابنا لبعض من الزمن السحيق
هو اللى خلى طريق حياتنا يتجه
لنواحى مش موجود مضيق فيها..
وحاضنه في الغصون
قولنا نكون.. أو لا نكون
حققنا كل المستحيل
بس الزمن يا حبيبى كان قلبه بخيل
فرقنا في الفتره الأخيرة..
بس روحنا موجودة
سامح يا نسمة حب..
في كل الوجود متجددة
روحنا في كل مكان حنان.. يجمع ما بينا..
ع الطريق متوحدة
ومردوده قلوبنا النشيد الأحمدى
فارس وحارس في الطريق السرمدى
وعزيز على قلب الجميع
سامح.. في رحلة بحثى عن انسان في وسط الشوك لقيتك..
زهره طاهرة.. من زهور أشرف ربيع.
من كتاب (مدد.. مدد)
سيرة ذاتية لبلد