
كتب: أحمد السماحي
استطاع مسلسل (إقامة جيرية) في موسم الشتاء الحالي أن ينتشلنا من بشاعة المشهد الدرامي الذي ساد الموسم الخريفي الذي انتهى منذ أسابيع قليلة، وعرض فيه مجموعة من المسلسلات المليئة بالأفكار والموضوعات السوداوية والرسائل المسمومة، المدمرة للمجتمع وللشباب.
وأعتقدنا أن هذه النوعية من المسلسلات السوداوية المرتبكة المليئة بالمط والتطويل، التى لا تشبهنا في شيئ، والخالية من المتعة، والتى تزيد من صعوبة الحياة، ستستمر معانا طوال موسم الشتاء!
لكن ربنا لطف بينا، ومع بداية الموسم الشتوي الجاري عرضت علينا عدة أعمال درامية متميزة للغاية، تنوعت ما بين أعمال اجتماعية، وكوميدية، وبوليسية، ونفسية.
ومن أهم هذه الأعمال، مسلسل (إقامة جبرية) تأليف أحمد عادل، وإخراج أحمد سمير فرج، وبطولة (هنا الزاهد) ومعها (صابرين، محمد الشرنوبي، محمود البزاوي، ثراء جبيل، جلا هشام، محمد دسوقي)، وحازم إيهاب، عايدة رياض) وغيرهم، فضلا عن ظهور النجم (أحمد حاتم)، والمطربة (سيمون) كضيوف شرف.
دارت أحداث مسلسل (إقامة جبرية) في إطار من الإثارة والغموض، والترقب، حول شخصية (سلمي) التى تعمل كصيدلانية، وتعاني من مرض نفسي، يجعلها ترتكب عدة جرائم مع أشخاص قريبين منها، ترتبط ببعضهم بعلاقات حب وزواج!

قوة سيناريو إقامة جبرية
استقطب مسلسل (إقامة جبرية) الذي عرض على منصة (واتش إت) على مدى عشر حلقات، مشاهدة جماهيرية ضخمة، وأشعل مواقع التواصل الاجتماعي طوال أيام عرضه، وحتى الآن.
وذلك لأننا منذ فترة لم نشاهد عمل بهذه الحبكة المثيرة الجذابة، ومن زمن لم نتابع عمل درامي نفسي، بكل هذه اللهفة والشوق والإنتظار.
فمع نهاية كل حلقة كنا نعد الساعات لمتابعة الحلقة القادمة، نريد أن نعرف ماذا ستفعل (سلمى) مع (عايدة، وموسى، وعز، ودينا)، وباقي أبطال مسلسل (إقامة جبرية)؟!
وهنا يحضرني موقف طريف حدث معي، بعد نهاية الحلقة الثامنة من (إقامة جبرية) التى جاءت نهايتها مليئة بالإثارة والغموض والتشويق، حيث حاولت (سلمى) التخلص من الدكتورة (عايدة)، أثناء تواجدها بغرفة العناية المركزة في المستشفى، من خلال استخدام حقنة لوضع السم في المحلول.
بعد نهاية هذه الحلقة فوجئت بكم كبير من الاتصالات الهاتفية من بعض الأقارب، والأصدقاء، يريدون معرفة ماذا سيحدث للدكتورة (عايدة) وهل ستنجح (سلمى) في قتلها؟!، وبعضهم طلب مني بحكم صداقتي للفنانة الكبيرة (صابرين) أن أتصل بها لتخبرني ماذا سيحدث؟! وقام بعضهم بسب (سلمى)!
هذه المتابعة واللهفة لمعرفة مصير (الدكتورة عايدة) أسعدني جدا، لأن هذا يعني أن الجمهور توحد مع الشخصيات وأحب بعضها، وكره البعض الآخر، وهذا ما يتمناه كثير من النجوم.

هنا الزاهد مفاجأة (إقامة جبرية)
هذه اللهفة في المشاهدة راجع للسيناريو المحبوك الماهر، الذي لا تنقصه اللمحات الإنسانية، ولا الجزئيات المؤثرة ولا الصدق والبساطة، حيث استطاع الكاتب والسيناريست (أحمد عادل) أن يحتفظ بنفسه اللاهث من البداية حتى النهاية.
واستطاع بعد ذلك أن يجعلنا نعايش شخصياته كافة، وأن نحس بأحاسيسها، ولهذا لابد أن نرفع القبعة عالية لسيناريو ماهر مضيئ عكس ظله على المسلسل ككل.
وعلى أداء أبطاله، خاصة أداء النجمة الشابة (هنا الزاهد) التى حولها السيناريو والإخراج من من مجرد تابلوه جميل في بعض الأعمال، أو وردة في عروة جاكتة البطل.
أوعروسة (باربي) كما كان يحلو للبعض تسميتها، إلى ممثلة حقيقية قامت بتغيير شخصيتها التى عرفناها بالكامل، والظهور بمظهر جديد وروح جديدة.
وقدمت (هنا الزاهد) شخصية (سلمي) المريضة نفسيا بشكل رائع، واستطاعت من خلال هذا الدور الصعب أن تحجز لنفسها مكانا بارزا بين نجمات الصف الأول.
حيث ملأت الدور نضجا وعمقا بتعبيراتها العفوية وقدرتها المتميزة على أن تعبر عن أدق أحاسيسها من خلال نظرة واحدة، أو تهدج صوت، أو من خلال عطاء متدفق ينسينا في انهماره كل ما عداه.

صابرين أم تنبض بالحياة
جاء أداء درة الشرق (صابرين) في (إقامة جبرية) ناضجا، حيث استغلت فيه بعض من إمكاناتها التمثيلية الباهرة لترسم لنا صورة إنسانية مؤثرة، ونموذجا ينبض بالحياة لأم تحاول حماية ابنها والحفاظ عليه، من فتاة مريضة، هى الوحيدة التى تعلم بمرضها.
وأستطاعت (صابرين) بطاقتها المتفجرة وإحساسها العفوي الصادق، وكل الإمكانات الباهرة التى تشع منها، أن تقدم واحدا من أدوارها المتميزة.

الشرنوبي والبزاوي وسيمون
أما النجم الشاب (محمد الشرنوبي) الذي جسد دور (موسى) الناجح في حياته المهنية، العاشق لـ (سلمى)، والمطعون في حبه، عرف كيف يغزل خيوطه السحرية، برقة متناهية، وكيف يقنعنا بنار الحب التى تأكل قلبه، وعرف كيف يفوز بقلوبنا وإعجابنا.
ولم يخدم سيناريو (إقامة جبرية) الفنان الكبير (محمود البزاوي)، لكنه قدم لمحات مؤثرة، تؤكد عمق موهبته، وسحرها، وجسدت المطربة (سيمون) دور (أم سلمى) والتى اكتشفنا مع نهاية الحلقة العاشرة أنها دخلت السجن ظلما، وإنها كانت ضحية ابنتها.
فرغم ظهور (سيمون) كضيفة شرف (إقامة جبرية)، وقلة الكلمات التى قدمتها، لكنها كانت مفاجأة حقيقية، خاصة في الحلقة الأخيرة بأدائها الصامت وتعبيرات وجهها المليئ بالدموع، في دور فيه خلفية إنسانية، وفيه شجن، ومعاناة.
فضلا عن كل ما مضى، كان مسلسل (إقامة جبرية) فرصة لرؤية عدد من الوجوه الشابة النضرة التى استطاعت أن تثبت نفسها وتفرض وجودها دون أي مشقة أو عناء، وذلك لأنها وجدت المناخ الصالح الذي أمكنها أن تتحرك فيه بسهولة ويسر وبشيئ كثير من التأثير، ومن هذه الوجوه (ثراء جبيل، محمد دسوقي، وحازم إيهاب).
أحمد سمير فرج، والصباح
السيناريو المحكم الذي كتبه (أحمد عادل) قد ساعد المخرج المبدع (أحمد سمير فرج) كثيرا في الوصول إلى هدفه، خاصة وأنه مخرج له أسلوب مميز يعرف كيف يقص حادثة؟، وكيف يرسم جوا مشحونا بالتوتر والقلق؟ وكيف يحرك أبطاله؟
النقطة الوحيدة التى آخذها على سيناريو (أحمد عادل) هو عدم شرح حالة (سلمى) النفسية، وتعامله معها على إنها مجرمة، دون أن يوضح لنا المرض النفسي الذي تعاني منه، والذي جعل سلوكها منحرفا، وأدى إلى ارتكابها العديد من الجرائم!
في النهاية لابد أن نشكر المنتج اللبناني الكبير (عامر الصباح) صاحب شركة (صباح بيكتشرز) على إنتاجه لهذا العمل المشرف الذي استطاع من خلاله أن يعيد لنا متعة المشاهدة.