الطريق الى 30 – (22) .. المثقف الاسلامى
بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
كانت دعوات ( إتاحة الفرصة ) لوزير الثقافة المتأخون تحاول شق صف المعارضين له ، سواء عن طريق صديق له بدار الأوبرا ، محاولا إقناع صغار الفنانين بأن لهم حقوقا لن ينالوها إلا عن طريق الوزير ، أو عن طريق استمالة الموظفين بإقناعهم بأن القيادات السابقة كانت تستحوذ على المكافآت ، و أنهم أحق بها ، و أنه سيجرى توزيعها عليهم (نصف مليون جنيه كل 3 شهور كما ادعى الوزير فى تصريح سابق)، و هو نفس أسلوب الإخوان فى توزيع الزيت و السكر قبل الانتخابات . أو عن طريق قيادة سابقة فى الوزارة – تم استبعادها بعد ثورة يناير- تطوعت لدعوة بعض المحتجين لمقابلة الوزير و إنهاء الخلافات ( و كأنه خلاف شخصى و ليس خلاف على مبادئ )، أما الانتهازيون فلم تكن هناك حاجة لاقناعهم ، فلقد تسللوا مسرعين الى باب الوزير ، يعرضون أنفسهم طمعا فى العطايا و المناصب . و بينما كل المسرحيين خلال مؤتمرهم يعلنون رفضهم لوجود الوزير و يقفون احتجاجا على باب الأوبرا يحملون لافتات ( لا لأخونة وزارة الثقافة ) بين جلسات المؤتمر ، كان فرادى من الفنانين يجلسون مع الوزير أو ذهبوا لكتابة استمارات عضوية بحزب الحرية و العدالة.
و تركز هجوم التيار الإخوانى على المعارضين بأنهم ميليشيات للقيادات المبعدة ، و أن هذه القيادات – حفاظا على مناصبها و مكاسبها – صنعت من أنفسها شهداء لأخونة مزعومة لوزارة الثقافة ، و هو أمر غير صحيح ، غير أن حوارا منشورا للدكتور طارق النعمان ( رئيس إدارة الشعب و اللجان بالمجلس الأعلى للثقافة ، و الذى حل مكان الدكتور سعيد توفيق بعد استقالته ) كشف خطة تلك الأخونة و التى كانت فى طريقها للتنفيذ ، و لم يخش الرجل على منصبه بل كان شجاعا بأن يقول بأن الأخونة لها أربع مراحل :
الأولى : إعادة تشكيل اللجان التى ينص القانون أصلا على أن مدة عضويتها عامان ولا يجوز شغل عضويتها لأكثر من دورتين، وهو ما ينطبق على أكثر من 60% من أعضاء اللجان الذين يبلغون 480 عضوا فى 25 لجنة وبهذا يكون للوزير الحق الكامل فى إعادة تشكيل اللجان فى موعدها القانونى مستبعدا منها من يشاء و يضم إليها من يشاء .
الثانية : إعادة تشكيل المجلس الأعلى للثقافة الذى يتكون من 61 عضوا، منهم 32 يعينون بأشخاصهم، بينما يُمَثّل فى المجلس 29 عضوا يعبرون عن كيانات رسمية وشعبية؛ حيث تمثل وزارات الخارجية، واتحاد الإذاعة والتلفزيون، والتعليم العالى، والبحث العلمى، والتربية والتعليم، كما تمثل النقابات الفنية بممثل عن كل نقابة إضافة إلى تمثيل بعض النقابات المهنية كاتحاد الناشرين.
الثالثة : تعيين أمين عام جديد للمجلس ينتمى للاخوان .
الرابعة : تقليص مخصصات المجلس المالية لتحجيم أنشطته .
و بالطبع هاجمت صحيفة ( الحرية و العدالة ) حديث الدكتور النعمان واصفة إياه (التلميذ النجيب للدكتور جابر عصفور زعيم اليسار الثقافى) ، و لكن فى هجومها كانت تعترف بخطة الأخونة بالكامل ، ففيما يخص تشكيل اللجان و المجلس الأعلى نفسه ، فقد أعلنت : ( برغم تميز العديد من المثقفين الإسلاميين فى شتى تخصصات المعرفة إلا أن الدولة عملت على إقصائهم عن مؤسسة الثقافة الرسمية طول 60 عاما الماضية ، وأصبح يقود المشهد خلال تلك الحقبة عدد من المثقفين الذين استطاعوا أن يتناغموا مع السلطة ويقدموا التنازلات من أجل استمرارهم على قمة الهرم الثقافى ، وفى القلب منه المجلس الأعلى للثقافة الذى تم إقصاء الإسلاميين عنه تماما حتى عقب تشكيله بعد الثورة فى عهد الوزير الدكتور عماد أبو غازى ).
و تضيف الجريدة صراحة : (أنه من الطبيعى فى هذه المرحلة أن يتم تصحيح الأوضاع السلبية التى شهدتها الساحة الثقافية خلال النصف قرن المنصرم ، ويتم إدماج المثقفين الإسلاميين فى المجلس الأعلى بصورة طبيعية وفقا لتمثيلهم فى مؤسسات الدولة كافة دون إقصاء لأى مثقف آخر، باستثناء الذين قضى القانون بعزلهم سياسيا لإفسادهم الحياة السياسية – بل والثقافية – فلا بد أن تزول عضويتهم من المجلس)، و ذكرتهم الصحيفة بالاسم : ( الدكتور على الدين هلال، والدكتور مصطفى الفقى، والدكتورة ليلى تكلا، وغيرهم من أعضاء المكتب السياسى ولجنة السياسات بالحزب المنحل ) .
أما فيما يخص إنفاق المجلس فكان رأى الإخوان الذى عبرت عنه الجريدة : ( المتابع عن قرب لأنشطة المجلس يجد بذخا فى الإنفاق على الأنشطة ، فى حين نجد أن أغلب ندوات المجلس التى تستهدف جمهور المثقفين لا يحضرها إلا “ضيوف المنصة” وعدد محدود من أعضاء اللجان أو الجمهور الموجه من طلبة الدراسات العليا فى الجامعات الذين يشاركون فى تلك المؤتمرات مجاملة لأساتذتهم أو رغبة فى تحصيل بعض درجات أعمال السنة ، وهو ما يتطلب مراجعة لسياسات المجلس فى تسويق أنشطته للجمهور، إضافة إلى ضبط الإنفاق المالى بما يتناسب مع السياسة العامة للدولة فى ترشيد الإنفاق ) .
و هكذا اعترف الإخوان بأنفسهم بخطتهم للاستيلاء على المجلس ، و برروها بمسلسل الاستقالات التى تمت فى لجانه ، فمثلا أقدمت لجنة الفنون التشكيلية بالمجلس الأعلى للثقافة برئاسة الدكتور أحمد نوار على تقديم استقالتها بجميع أعضائها، وذلك اعتراضا على قرارات وزير الثقافة باستبعاد بعض الأعمال المشاركة فى المعرض العام للفنون التشكيلية فى دورة الخامسة والثلاثين، و تضامنا مع اللجنة المشرفة على المعرض العام .
و فى مواجهة مخطط الأخونة قام الدكتور محمد كامل القليوبى – مقرر لجنة السينما – بتوجيه دعوة لمقررى اللجان بالمجلس الأعلى للثقافة لاجتماع استثنائى لمناقشة رد فعل المثقفين على قرارات وزير الثقافة، وحضر هذا الاجتماع مجموعة من مقررى اللجان، منهم الدكتور أحمد مرسى، والدكتور حسن حنفى، وراجح داوود، وأحمد الشيخ، والسماح عبد الله الأنور، والدكتورة زبيدة عطا، وغيرهم . وأشار ( السماح ) – الذى حضر الاجتماع ممثلاً عن لجنة الشعر – أن مقررى اللجان اتفقوا على كتابة بيان يوضحون فيه موقف المثقفين الرافض لقرارات الوزير ، وأنه اقترح أن يتم دعوة جميع أعضاء لجان المجلس الأعلى للثقافة ، الذين يزيدون على خمسمائة عضو لعقد ما يشبه مؤتمر لكى يكون تحرك المثقفين شامل، وسوف يكون هذا المؤتمر خلال الأسبوع المقبل، لاتخاذ موقف تصعيدى فى مواجهة وزير الثقافة وقراراته .
لم تكن نتائج الاجتماع و قراراته على مستوى الأحداث ، فلم تشف غليل المعترضين، و لكن جبهة الإبداع أصدرت بيانا فى نفس اليوم تعلن فيه أنها قررت تكوين وزارة ثقافة موازية تضم المعارضين في حال استمرار الوزير في منصبه، مشيرة إلى أن الجميع سيوقف التعامل مع وزارة ثقافة الإخوان فى كل الأمور الثقافية، و لن يتعامل معها سوى الموظفين و المثقفين العاملين بها حرصا على وظائفهم .
و فى اليوم التالى سافر إلى الإسماعيلية وفد ضخم من الفنانين و المثقفين للمشاركة فى الوقفة الاحتجاجية أمام قصر الثقافة قبل افتتاح مهرجان الإسماعيلية السينمائى للأفلام القصيرة اعتراضا على وجود الوزير، و للتأكيد على عدم اعترافهم به كوزير للثقافة وأنه فاقد للشرعية. و برغم دعاوى بعض السينمائيين إلى مقاطعة حفل الافتتاح لنفس الأسباب، لكن الغلبة كانت لإجراء الوقفة و التى شارك فيها مخرجون مشاركون بأفلام فى المهرجان ونشطاء من الإسماعيلية وأعضاء بالتيار الشعبى وحزب التحالف الشعبى وحزب الدستور، وأعضاء من حملة (تمرد). وهتف المحتجون ضد ممارسات الوزير فى إبعاد قيادات الوزارة ، سعيا لتغيير الهوية الثقافية المصرية . وتسببت تلك الوقفة الاحتجاجية إلى تأخر بدء حفل الافتتاح، مما أدى إلى انصراف محافظ الإسماعيلية دون حضور وقائعه، و انتهت الوقفة بعد التأكد من تغيب الوزير عن الحضور.
أما فى القاهرة فقد كانت الاستعدادات قائمة من أجل الترتيب للحدث الأهم، و لهذا حديث آخر ..