(عبد السلام النابلسي).. (العنطوز الذكي) صاحب (الإيفيهات) الطويلة الحارة في السينما



بقلم الباحث والناقد السينمائي : محمود قاسم
أكثر ما يميز نجوم السينما الكوميدية في مصر أن لكل نجم هويته الشخصية، وقد نجح كثيرون في أن يكسبوا لأنفسهم شخصية خاصة، كانت تتبعهم من فيلم لآخر، وقد إلتصقت بهم هذه الشخصية، وقد جسد (عبد السلام النابلسي) دور الـ (عنطوز) بشكل رائع.
هذا (العنطوز) الذي يبدو شامخ الرأس، سواء امتلأ جيبه بالأموال والمعادن النفيسة، أو سواء أصبح المعوز الأول في هذا الكون، ومثل هذه الشخصية لابد أن تجد نفسها واقعة في متاعب عديدة متراكبة، متجددة، ومن هنا تتولد الكوميديا، ويضحك الجمهور.
وهكذا استطاع (عبدالسلام النابلسي) أن يصنع شخصيته التى صاحبته في العديد من الأفلام الكوميدية فهو الشاب النحيل، الذي يطمح أن يكون ثريا وهو لا يملك مليماً في جيبه، لكن هذا لا يمنعه أن يتصرف علي أنه المليونير.
(عبد السلام النابلسي) هو لصديق البطل الذي هو في أغلب الأحيان مطرب مثل (فريد الأطرش) أو (عبد الحليم حافظ)، أو(سعد عبد الوهاب).
هو باختصار المدرب (غزال شيكا بوم) في فيلم (أحبك أنت)، أنفه في السماء، وعصبي، ومحاط بالحسان، وفي فيلم (لحن حبي) هو صديق البطل الذي يسكن البدروم ويحلم بالقصور!.

النابلسي.. كاتب وناقد
رحلة طويلة بدأها (عبدالسلام النابلسي) في الفن، حيث بدأ ككاتب، وناقد فني في الصحف المصرية، ثم مساعد مخرج، بعدها بدأ مشواره مع السينما من خلال أدوار جادة، ثم صار رفيق دائم مع (إسماعيل يس) في أفلامه، منها (إسماعيل يس في الجيش).
فهو (كوافير السيدات) الذي يتم تجنيده، ويصبح أكثر خشونة، وقد تكرر ظهوره مع (إسماعيل يس في الأسطول، والبوليس الحربي، والبوليس السري)، وعندما كان (اسماعيل طرازان)، وأيضا عندما صار هو (حلاق للسيدات).
كما التقي كثيراً مع (زينات صدقي) في أدوار كثيرة، دائما يجمعهما التناقض مثلما جري في (شارع الحب)، فهو المزيكاتي منقطع النظير حسب الله السادس عشر، الذي تحبه إمراه بسيطة، تلف حوله حتي يضطر أن يمتثل لها ويتزوجها.
ولعل دوره في فيلم (شارع الحب) قد تضمن أكبر قدر من الإيفهات، وهو يتكلم عن نفسه بعبارات طويلة مثل (أنا حسب الله السادس عشر.. آخر سلالة حسب الله للسلالة التي غزت جميع الميادين.. من بولاق لشارع عماد الدين،وكمان من القاهرة للإسكندرية، غزت جميع ميادين الفن، نابوليون أكبر فرقة موسيقية، أنا أتجوز سنية ترتر).
وفي فيلم (أنت حبيبي) يقول أمام حبيبته وزوجها: (طب أنا يوليوس قيصر، أنصحك يا كليوباترا أن تأتي معي الي روما)، وفي فيلم (بوليس سري) يردد: (أنا الصول بكير مخبر سري).
وفي فلم آخر يردد: (أنا عاشور قلب الاسد) هذا هو (العنطوز) الذي يحس بنفسه كثيرا، فمثلا في فيلم (بوليس حربي) يتحدث عن لحيته التي تنمو داخل حلقه: (أنا كده مخلوق كده، شعري كده).
وهو في منظور نفسه الشخص الأذكى في الدنيا، يرفع يديه الي السماء ويردد: (ايتها السماء صبي على الأغبياء).
كان (عبدالسلام النابلسي) متعدد المواهب فهو كاتب، ومخرج، وناقد، وسيناريست، وشاعر أيضا، وبالرغم من أنه كان يعمل مع كتاب حوار بالغي الأهمية مثل (أبو السعود الإبياري) فإنه غالبا كان صاحب تلك الإفيهات، يبتكرها بنفسه فيقول مثلا (ناس لها حظ وناس لها ترتر!).


حبيس الأدوار الثانية
تميز (عبدالسلام النابلسي) في الأدوار الثانية، بل هو أحد الذين تم أسرهم فيها طوال حياتهم، وإذا كان البعض أعتبر هذا نوعا من اللعنة، فإن الكارثة الحقيقية بالنسبة له كانت في قيامه بالبطولة!
وذلك في مجموعة من الأفلام التى أنتجها وقام ببطولتها، مثل (حبيب حياتي)، و(عريس مراتي) عام 1958، و(حلاق السيدات) عام 1960، والفيلم الذي أنتجه له رشدي أباظة، (عاشور قلب الأسد) عام 1961.
فهذه الأفلام لم تنجح جماهيريا، وجرت عليه العديد من المتاعب المالية، وبسبب فشلها عاد مرة أخرى إلى الأدوار الثانية، والمساعدة.


الشاب اللاهي المغرور
كانت بدايات (عبدالسلام النابلسي) في أدوار الشاب اللاهي، ولم يكن مضحكا في أفلام عديدة رأيناها مثل (العزيمة) إخراج كمال سليم عام 1939، و(ليلى بنت الريف) لتوجو مزراحي عام 1941، و(الطريق المستقيم) لنفس المخرج عام 1943، وغيرها.
وفي هذه الأفلام هو ابن الذوات الذي يعيش في برج عاجي، ولاهي، وبلا مسئولية، ويدير المكائد، ولم يكن سلوكه مثيرا لأي ضحك.
لذا فإن (عبدالسلام النابلسي) لم يتحول إلى الأدوار الكوميدية إلا بعد أن صار في ظل بطل نجوم الطرب والكوميديا، أو بالظبط صديق البطل الذي يلازمه، ينصحه تارة، ويسبب له المتاعب أحيانا، ويحاول التقلد به كثيرا.
ولا شك أن هذه الأدوار قد ساعدت (عبدالسلام النابلسي) في تسليط الضوء على موهبته، لما يتمتع به نجم الطرب في السينما المصرية بشكل عام من شعبية، وجاذبية.
ولا نعرف هل تم ذلك بالمصادفة، أم بدافع من المخرجين، أم بحرص من (عبدالسلام النابلسي) نفسه؟ فإذا كان الاحتمال الأخير هو الأصوب، فلاشك أنه يعكس ذكاء (النابلسي)، لأنه أسرع بإدخاله دائرة الضوء.

النابلسي .. جمال ودلال
منذ بدايات السينما المصرية و(عبد السلام النابلسي) يلعب أدوار مختلفة كلها بعيده عن الكوميديا، لهذا يعتبر دوره في فيلم (جمال ودلال) للمخرج أحمد بدرخان، وبطولة فريد الأطرش عام 1945، هو بداية تحوله إلى الكوميديا.
فإن الشكل الأمثل (للعنطوز) المشاكس الذي جسده بدا في أحسن حالاته عام 1949 في فيلم (أحبك أنت) إخراج أحمد بدرخان، والذي جسد فيه دور (غزال شيكا بوم) الذي ينطق الكلمات بأكثر من لغة.
ويتصرف كأن أحدا لا يعجبه في كل هذا العالم، ورافع الرأس، وبارز الأنف، ويتكلم بكبرياء واضح، وثقة عمياء، ويدخل في تحد حقيقي مع الآخرين.
وهذا النموذج (المنفوش) ظهر مع (فريد الأطرش) في 11 فيلما، حتى إذا بزغ نجم (عبدالحليم حافظ) ظهر معه لأول مرة في (ليالي الحب) ثم تتابعت أفلامهما معا مثل (فتى أحلامي)، و(حكاية حب)، و(يوم من عمري) و(شارع الحب).
وفي كثير من هذه الأفلام نبع الضحك من أدائه لدور (العنطوز) ابن الذوات الذي لا يزال يحتفظ بمجد أسرته، أو الذي فقد مزاياه لكنه لا يزال متمسكا بنفسه (ككونت سابق!).