رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد شمروخ يكتب: الصدمة فى إعلان (سلفستر ستالوني)

محمد شمروخ يكتب: الصدمة فى إعلان (سلفستر ستالوني)
وجاء (سلفستر ستالوني) ليكرس هذا النموذج الأمثل لحياة أهل المال

بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ

لم أهتم  كثيراً بما يمكن أن يكون تقاضاه النجم العالمي (سلفستر ستالوني) كمقابل لإعلانه عن أحد المشروعات السكنية الترفيهية في مصر.

لكن كان لهذا الإعلان تداعيات كثيرة في نفسي، لا علاقة لها بالفن ولا بشخص (سلفستر ستالوني)، فحصول نجم في شهرته وحجمه، على أي مبلغ كبير ولو كان مبالغاً فيه، أمر متوقع بالإضافة إلى تكاليف إقامته وسفره وتنقلاته وتجهيز كل الاستعدادات اللازمة ليخرح إعلانه بأبهي صورة ممكنة، وهو في هذا لا يختلف عن أى نجم من النجوم العالميين في هذا المجال.

هنا لا أناقش أموراً متعلقة بفنه عموماً أو بإعلانه خصوصاً، لكن هذه تداعيات ما بعد مشاهدة الإعلان وما أثاره في نفسي من شجون نتيجة هذه البهرجة المبالغ فيها في المكان المعلن عنه، والتى صارت سمة حياة فئات من هذا العالم انهمكوا في الترف ونشدان الرفاهية بكل وسيلة حتى نسوا كل شيء في سبيل حياة الترف الدائم.

وجاء (سلفستر ستالوني) ليكرس هذا النموذج الأمثل لحياة أهل المال، بل ويكرس له وكأنه مكلف بنشر رسالة لا علاقة لها بالفن الذى لم يعد يؤمن به كرسالة إبداع إلا الساذجون أو أشباه الساذجين!

ثم إن العلاقة بين عالم الفن وعالم المال، علاقة وطيدة ومتجذرة في تاريخ الفنون التمثيلية نفسها، والتبادل بينهما لا غرابة فيه، فالفنان يسعى عمره من أجل تحقيق أحلامه في الثراء الذي لا معنى للنحاح الفنى بدونه حتى صار هذا السعى من البديهيات في حياة النجوم وما دونهم من أهل الفنون.

لكن ما أن انتهى عرض الإعلان، حتى طرقت ذهنى، كلمة سبق أن قالها الكاتب الكبير الراحل الأستاذ (سلامة أحمد سلامة) – رحمه الله، تعليقاً على الحادث الملغز الذى وقع في 28 نوفمبر سنة 2003، بقيام رجل أعمال بقتل زوجته المطرية المشهورة وانتحاره – كما قيل – بإطلاق الرصاص، حيث وصف (سلامة) ما حدث فور سماعه بأنه (نتيجة طبيعية لتحالف فساد المال مع فساد الفن!).

حقاً.. كان الوصف – أو بمعنى أكثر دقة – (التشخيص) شديد القسوة، ولكنها قسوة الصراحة وصعقة الوضوح وصدمة عدم المجاملة!

محمد شمروخ يكتب: الصدمة فى إعلان (سلفستر ستالوني)
إعلان (سلفستر ستالوني) شكل من أشكال التحالف بين هذين النوعين من الفساد

إعلان (سلفستر ستالوني)

وحتى مع اختلاف القياس والمناسبة، فلا يمكن أن نقطع هنا بأن إعلان (سلفستر ستالوني) شكل من أشكال التحالف بين هذين النوعين من الفساد، بل لا نخوض في الوصف بالفساد لأن القضية تتجاوز دائرة الاتهامات الجزافية، فالقضية أشد تعقيداً وأكثر عمقاً.

ولكنها على أى حال تجاوز التحالف المشهور بين المال والفن إلى طرح قضية اقتصادية اجتماعية تعكس توغل أخلاقيات الأنانية ونوازع الإثرة في حياتنا، فلا يغرنك ما يتردد عن قيمة الفن ورسالته السامية في الارتقاء بالشعوب وتهذيب الذوق العام.

فإن كثيراً من نجوم الفن يعرفون جيداً أن هذا صار مجرد كلام للاستهلاك العام ونوعاً من التدليس على البسطاء الذين قد يصدق الكثير منهن هذه الدعايات الساذجة.

فإن كانت هناك رسالة حقيقية للفن يوجهها نجومه إلى الشعوب، فإن مثل هذا التحالف بين رجال الفن ورجال المال يدهس هذا الادعاء!.

كيف؟!

ما قام به (سلفستر ستالوني) ليس مجرد دعاية لمشروع تقوم به شركة عملاقة للإنشاءات الترفيهية باهظة التكاليف، لكنه إقرار بانتصار سطوة ثقافة الترف كقيمة تتصاغر بجوارها قيمة الفن نفسه.

فالفنان الذي ينفصل عن واقع الحياة ويهوى بقيمته كنجم ليجعلها في خدمه المشروعات الترفيهية الكبرى،  يكون قد استغني عن مشاعره كفنان حقيقي جانباً، إذ لا يمكن أن يكون رجل مثل (سلفستر ستالوني) منفصلاً عن الواقع لدرجة أنه لا يدرى شيئاً عن أن الشعوب في هذه المنطقة التى حج قاصداً إليها ليصور إعلانه.

تعانى الأمرين في معيشتها في واقع تكاد – بالكاد – أن توفر فيه الحدود الدنيا من حاجياتها الأساسية، في وقت تقام فيه مشروعات عملاقة للترفيه عن فئات لا تزيد عن نسبتها نصف في المئة ألف، فقط لقضاء بضعة أسابيع طوال السنة في مكان يحاولون فيه محاكاة نموذج جنات الفردوس الأعلى على الأرض.

محمد شمروخ يكتب: الصدمة فى إعلان (سلفستر ستالوني)
تجاهل (سلفستر ستالوني) واقع الفقر في المجتمع المصري

واقع الفقر في مصر

فقد تجاهل (سلفستر ستالوني) واقع الفقر في المجتمع المصري، والذي جعل الدولة تسخر جل إمكانياتها لتوفير حد أدني لعشرات الملايين من سكان القرى الأكثر فقرا ليعيشوا ما يمكن أن يوصف بأنه (حياة كريمة).

إذن فستالونى لا يمكن أن يكون مؤمناً حقيقياً بما يقدمه من أعمال فنية يخاطب بها غالبية سكان الكوكب الأرضي!

فلا يمكن أن يكون هذا النجم جاهلاً بحال شعوب العالم وما تعانيه في حياتها اليومية، حتى أنه يقوم ببطولة مطلقة في إعلان تظهر فيه الحياة وكأنها تغنى (بمبي بمبي بمبى).

ولكن لا لوم على سلفستر وكل (سلفستر ستالوني) محلياً كان أم دولياً، لأنه جزء لا يتجزأ من هذا فئات المترفين الذي يعلن لصالحهم ومن أجل ترسيخ وجودهم على حساب معاناة الملايين من البشر.

أنت أيضاً يمكن أن تكون على مثل هذا النموذح الأنانى المنفصل عن واقعه، لو كنت قد رأيت كم الرفاهية في الإعلان ثم تمنيت أن تصبح واحداً منهم!، فلا يمكن وصف هذه الرفاهية إلا بالاستفزاز والانفصام والأنانية.

فتلك الفئات القادرة على امتلاك وحدات سكنية من فيلات أو شاليهات أو شقق أو استوديوهات، هى فئات امتلكت ثروات طائلة في وسط محيطات هائلة من البشر الذين يكابدون الحياة من أجل إشباع بطونهم وستر أجسادهم وتربية أبنائهم.

أعلم جيداً أن منطق المال يبيح لمن يملك الثروة أن يفعل بها ما يشاء، لكن هذه الثروات في حقيقتها لم تهبط على أصحابها من السماء أو انشقت عنها الأرض لتقدم كهدية قدرية إلى حائزيها.

لكنها نتاج نهائى لعمل جماعي اشتركت فيه شبكات إنتاج من أعداد لا يمكن حصرها وإحصاؤها من الأيدي العاملة في المجتمع، بطرق مباشرة أو غير مباشرة، لكن التكدس المالى في صورة ثروات عقارية او سائلة، هو نفسه نتح عن اختلال معايير توزيع نواتج العمل على المشاركين الحقيقين فيه، لاختلال القوانين المنظمة لتوزيع الثروات والتى أثمرت هذه الفوارق الكارثية بين طبقات المجتمع.

أعلم جيداً أن (سلفستر ستالوني) أو أى نجم من النجوم ليس مطلوباً منه أن يكون فيلسوفاً أو صاحب نظرية للإصلاح الاقتصادي والاجتماعى، لكن الحس الإنساني للفنان، كما هو مفترض فيه، أن يشعر الفنانون بمعاناة الناس قبل أن يقدموا إليهم ما يسعدهم في صورة أعمال فنية.

لكن الواقع الذي يحكم (سلفستر ستالوني) وكل نجم سبقه أو يليه محلياً كان أم عالمياً، يؤكد أن الأنانية مع كل أشكال التمركز حول الذات الناتجة عن النجومية، تجعل من القنان النجم كائناً متعالياً عن واقعه، فلا يتصل به إلا من خلال إتقان الخداع فيقدم نفسه في العمل الفنى بصورة كمعبر عن واقع الناس بينما ينسحق تحت أقدام أصحاب المال عندما يستغلون نجوميته ويستثمرونها فى الدعاية لصالحهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.