بهاء الدين يوسف يكتب: رسالة (الصحفيين) وعقول لا تفهم!

بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
لا أعرف لماذا تذكرت بعد إعلان نتائج التجديد النصفي لمجلس نقابة (الصحفيين) يوم الجمعة الماضي، عنوان رواية الكاتب الراحل (إحسان عبد القدوس الشهيرة): (رائحة الورد وأنوف لا تشم)!
فالرواية تتناول فقدان الإنسان لحسه الأخلاقي والإنساني رغم وجوده الفعلي وسط الجمال والحياة، تمامًا كما لو أن شخصًا يعيش وسط الورود ولا يشم رائحتها، حيث يتخذ إحسان من التشبيه مدخلًا رمزيًا عميقًا لاستعراض أزمات الضمير، وتبلّد الإحساس، والانفصال عن القيم الإنسانية في المجتمعات المعاصرة.
وتتكرر في الرواية فكرة أن الناس قد اعتادوا القبح، والخداع، والعنف، لدرجة أنهم لم يعودوا يرون الجمال حين يظهر، أو يشمون (رائحة الورد) إن وجدت، يتجلى هذا في العلاقات الانسانية أو في فساد السلطة، حيث لا يشعر الإنسان بالأزمة إلا إذا تعرض لصدمة كبيرة.
وفي انتخابات (الصحفيين) الأخيرة، بدت فلسفة (إحسان) واضحة بوجود مسؤولين يصرون على غلق أعينهم وتغييب عقولهم عن رؤية المشهد واستيعاب تفاصيله، ربما لأنهم يعانون من أمراض قديمة تعطل عمل العيون والعقول، أو لقناعتهم بأن فكرة النظر والاستيعاب تنازلا لا يجوز أن يقدمه المسؤول.
كان واضحا لكل ذي عينين مثلا أن المعنيين بترشيح المنافس على منصب نقيب (الصحفيين) غير موفقين في اختيارهم، لأن المرشح خارج لتوه من تجربة غير ناجحة في مؤسسته الحكومية، خسر فيها تعاطف معظم زملائه الصحفيين العاملين في نفس المؤسسة، وربما على العكس اضاف الى قائمة اعدائه كثيرين ممن لم يكونوا على القائمة من قبل.

حشد المؤيدين (بالعافية)
وكان واضحا أن محاولات حشد المؤيدين للمرشح (بالعافية) على طريقة (فريد شوقي) الشهيرة (والله زمان زمان والله)، في فيلم (بداية ونهاية)، حينما كان بلطجيا ثم قرر أن يكون مغنيا رغم افتقاده لكل مقومات الغناء والطرب، لكن حنينه الى مهنته الأصلية غلب عليه فقرر أن يضرب أن مستمع يعترض على سوء غنائه، كان واضحا أن تلك الطريقة تسير به في الاتجاه العكسي.
وهو ما حدث بالفعل لأن الاصطفاف الإجباري وراء المرشح، ومشاركة وجوه إعلامية وصحفية مثيرة للجدل في دعمه، لم تخط به خطوة واحدة للأمام، وإنما على العكس افقدته تعاطف الكثير من (المترددين)، وهو وصف انتخابي شهير يطلق على فئة من الناخبين الذين لا يميلون تلقائيا إلى أي من المرشحين، وبالتالي يمكن لأي مرشح كسب اصواتهم اذا نجح في إقناعهم.
كان كل ما سبق واضحا بشكل جلي لنا جميعا، وكنت أسمع الكثير من الزملاء (الصحفيين) يتندرون عليه في جلساتهم الخاصة، لكن تلك الرؤية الواضحة التي تكاد تكون متاحة لضعاف النظر، كانت غائبة عن أعين البعض، واصروا على المضي قدما في دعم مرشحهم.
ورفعوا الشعار الذي كان أطلقه البعض في عز شعبية (حزب الوفد) القديم أيام الملكية وكان يقول (يحيا الوفد ولو فيها رفد)، أي أنهم ماضون في تأييد (حزب الوفد) وزعيمه وقتها (مصطفى النحاس) حتى لو كان الثمن فصلهم من أعمالهم، مع فارق أن الداعمين الجدد لا يعاقبون بالفصل من وظائفهم مهما تمادوا في العند.

انتخابات نقيب الصحفيين
وكانت النتيجة المنطقية التي توقعها معظم الزملاء الذين تحدثت معهم قبل الانتخابات، هو سقوط المرشح المدعوم، بنسب تصويت غير بسيطة في واقعة نادرة لم تشهدها انتخابات نقيب الصحفيين منذ زمن، فيما اعتبره الكثيرون رسالة قوية لمن يهمه الأمر.
رسالة يمكن وصفها بلغة الدراما بأنها الجزء الثاني من رسائل (الصحفيين)، بعد الجزء الأول الذي كان في انتخابات النقيب السابقة حين سقط المرشح المدعوم، ليس لرغبة أعضاء النقابة في الاصطفاف ضمن المعارضة، ولكن لحث المعنيين على حسن اختيار مرشحيها.
لكن لأن هناك عيون لا تريد أن تقرأ المشهد رغم وضوحه فإن أصحاب هذه العيون سوف يتعامون عن رؤية ما هو واضح، ويتغاضون عن فهم الرسالة التي تقول بكل بساطة، أن اختياراتهم غير موفقة ولا أريد أن أقول سيئة.
ليس فقط للمرشح على منصب نقيب (الصحفيين)، ولكن لكل من يختاروهم لمختلف المناصب والوظائف الإعلامية والصحفية، والنتيجة أن الإعلام الرسمي المصري الذي تنفق عليه المليارات، بات غير مؤثر، والأسوأ أنه فاقد للمصداقية.
ليس فقط أمام بضعة أكشاك إعلامية متواضعة في تركيا أو غيرها، نجحت في استقطاب أعداد غير قليلة من المصريين لمتابعتها وتجرع سمومها.
ولكنه سقط أيضا في سباق المنافسة مع مواقع التواصل الاجتماعي، التي تجتذب عشرات ملايين المصريين بحثا عن رواية مختلفة، رغم يقينهم بأن تلك الرواية ليست صادقة أو دقيقة بالضرورة، لكنها ربما تحمل شيئا من الحقيقة لا يقدمه لها الإعلام الرسمي.