
بقلم المستشار: محمود عطية *
المشروع المقدم من الحكومة إلى البرلمان لتنفيذ حكم الدستورية في 24 نوفمبر الماضي.. ما يجري اليوم على الساحة التشريعية والإعلامية المصرية هو مهزلة وطنية مكتملة الأركان انقلاب ناعم تمارس فيه السلطة التنفيذية والتشريعية و(الإعلام) دور القاتل البطيء لملايين المواطنين من المستأجرين القدامى تحت ستار تعديل تشريعي.
بينما الحقيقة هي جريمة سياسية واجتماعية متكاملة الأبعاد تدار بأصابع من حديد لمصلحة فئة من المستثمرين وشركات التطوير العقاري وأصحاب المصالح، الذين قرروا أن المواطن البسيط يجب أن يذبح على مذبح تحرير السوق ولو على حساب الأمن الاجتماعي والسلم الأهلي والاستقرار الوطني الإعلام المصري بمعظمه يلعب الآن دور الكورال في أوبرا الانحياز السافر.
لا صوت يسمع فيه إلا صوت أصحاب الأبراج الشاهقة والكمبوندات بينما المستأجر البسيط الذي يعيش في شقة صغيرة منذ عقود يتحول فجأة إلى عبء على الدولة ومغتصب للعقار، وكأن ذنبه الوحيد أنه صدق الدولة حين وقع عقدا ملزما مع المالك وعاش عقودا يدفع الإيجار بانتظام دون إخلال وفجأة يتم تصويره كمتسلق متحايل يجب إلقاؤه في الشارع باسم العدالة
أما البرلمان ذلك الكيان الذي يفترض أن يكون ممثلا للشعب فقد قرر دون خجل أن يتخلى عن حياده، فنسمع آراء لبعض نوابه يندي لها الجبين ويصطف إلى جانب رأس المال بل وذهب أبعد من ذلك حين نري من كثير من نوابه يدعم مشروع قانون علي شاشات التلفزة.
هم يطبلون وبعض وسائل (الإعلام) يرقصون برغم أن المشروع لا يتضمن فقط تنفيذ حكم المحكمة الدستورية بشأن عدم دستورية تثبيت الأجرة، بل أضاف عليه قنبلة موقوتة باسم تحرير العلاقة الإيجارية وهو أمر لم تطلبه المحكمة أساسا في حكمها.
ما يعني أن البرلمان والحكومة استغلا ثغرة قضائية ليضعا فيها لغما اجتماعيا هدفه تهجير المستأجرين لصالح أصحاب النفوذ المحكمة، قالت إن تثبيت الأجرة غير دستوري.

تحرير العلاقة أو طرد المستأجرين
وهذا مفهوم لكن أن يتم القفز من هذه النقطة إلى تحرير العقود القديمة بالكامل فهذا عبث لأنه لا يوجد نص في حكم المحكمة يلزم الدولة بتحرير العلاقة أو طرد المستأجرين بل كان من المفترض أن يتم معالجة الأمر تدريجيا وبحكمة توازن بين حقوق المالك وحق السكن المكفول دستوريا.
ما فعلته الحكومة وفقا للمواد المسربة علي مواقع هامه هو خدمة مجانية لأباطرة العقار وتجار الأزمات فقد وضعت مادة في القانون تتيح إنهاء العلاقة الإيجارية وطرد المستأجر دون قيد أو شرط وبلا رحمة في تواطؤ سافر مع جبهة المال والنفوذ.
وكأن هؤلاء الفقراء والمسنين وأبناء الطبقة المتوسطة لا يستحقون العيش في هذا الوطن أو كأنهم بلا ظهر ولا صوت، وفعلا هم بلا ظهر لأن اغلب ممثليهم في البرلمان باعوهم في سوق الكانتو التشريعي مقابل مصالح وصفقات وولاءات
الأسوأ أن (الإعلام) لم يكتف بتغييب صوت المستأجرين بل أصبح أداة شيطنة ضدهم يقدمهم على أنهم اغتصبوا الشقق ويزيف الحقائق بأنهم لا يدفعون شيئا ويتجاهل عمدا أن هؤلاء دفعوا مقدمات وأجرة لسنوات طويلة وعاشوا في ظل عقود قانونية موثقة.
ولم يعتدوا على أحد بل هم ضحايا فقر سياسات الدولة نفسها التي فشلت في بناء مساكن كافية وفشلت في كبح جشع السوق والآن تريد أن تحمل فشلها هذا على كاهل المستأجرين
الإعلاميون الذين يملؤون الشاشات بالتقارير الملفقة والمداخلات المنحازة لا يمثلون الصحافة ولا الحقيقة، بل هم مجرد أبواق تستلم تعليماتها من دوائر المصالح حتى تكتمل الطبخة القذرة في (الإعلام) الذي يضلل، وبرلمان يشرع وحكومة تنفذ وكلهم ضد المواطن الضعيف المواطن الذي أصبح لا يملك بيتا ولا صوتا ولا منبرا.
نحن أمام كارثة اجتماعية مقبلة قانون قد يطرد الملايين من مساكنهم ويحولهم إلى مشردين أو ضحايا للديون والمهانة في ظل ظروف اقتصادية طاحنة وارتفاع جنوني في أسعار الإيجارات، وموجة تضخم لا ترحم فمن أين يأتي المواطن المسكين بسكن بديل.

دعم المستثمر لا المواطن
هل ستبني له الدولة شقة هل ستدعمه طبعا لا لأن كل ما تفعله الحكومة الآن هو دعم المستثمر لا المواطن دعم شركات التطوير العقاري لا الأسر الفقيرة دعم البرج العالي لا البيت الشعبي، وهذا انقلاب في الأولويات القومية وانحراف عن جوهر العدالة الاجتماعية
البرلمان المصري الذي يفترض أن يكون في صف من لا صوت لهم أصبح وكيلا للملاك الكبار يغلق الأبواب في وجه المستأجرين ويرفض الاستماع لمقترحات عادلة ومنطقية مثل التدرج في تطبيق الزيادات أو تحديد فترة انتقالية واقعية أو وضع بدائل سكنية للفئات الأكثر فقرا.
لكنه يصر على التهجير الفوري وكأن أرواح الناس لا تهم وكأن الاستقرار لا يهم فقط المهم هو إرضاء المالك والمستثمر وتلميع صورة الحكومة أمام لوبيات رأس المال.
ما يجري الآن هو تسليم مفتاح الدولة لمصالح العقار وتسليم مصير ملايين الأسر إلى حفنة من الجشعين الذين لن يرضوا حتى يسكنوا وحدهم القاهرة ويطرد منها كل فقير ومحدودي الدخل، كما تروج لذلك وسائل (الإعلام).
والنتيجة ستكون انفجارا اجتماعيا لا يمكن لأحد توقع حجمه فحين يشعر المواطن أن الدولة تخلت عنه وأن القانون أصبح سيفا على رقبته لن يكون هناك استقرار ولا سلم مجتمعي.
لذلك نحن لا نواجه مجرد مشروع قانون بل نواجه انحيازا رسميا فاضحا ضد المواطن نواجه (الإعلام) الذي باع ضميره، وبرلمانا خان أمانته وحكومة تكتب القوانين بحبر المصالح لا بحبر العدالة.
هذا المشروع يجب أن يسحب فورا ويجب أن يتوقف (الإعلام) عن التحريض، وأن يعود البرلمان إلى رشده وأن تعود الحكومة إلى دورها في حماية الفقراء لا طردهم لأن الدولة التي تطرد مواطنيها من بيوتهم باسم الاستثمار تفقد شرعيتها الأخلاقية وتزرع بذور الغضب والانفجار في كل شارع وزقاق
وفي ظل الوضع السياسي والحملة الشرسة على مصر والتي من المفترض الاصطفاف خلف الرئيس السيسي الذي يواجه الهجمة، تسعى الحكومة لعمل فتنة بين أبناء الوطن بدلا من توحيد الكل خلف القيادة السياسية التي يمثلها الرئيس السيسي.
* المحامي بالنقض – منسق ائتلاف مصر فوق الجميع.