
بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
عندما تعرضا إلي العرض الأول في التاريخ (الغراب)، كان الهدف من هذا العرض معرفة (الجهاز الحسي)، والثقافة الحسية، وقد تم بناء العرض وفكرته، وفق (الجهاز الحسي)، والثقافة الحسية.
ولكن هذا العرض كان يسبقه صراع بين ابني آدم أدى إلى القتل، وكانت هذه أول جريمة قتل في البشرية، وكما يخبرنا القصص الديني، أن قابيل قتل هابيل، ولكن ما تأثير هذه القصة في المعابد المصرية.
بداية نذكر في التفسير الإسلامي أن (هابيل) كان راعي كباش وأغنام، والقربان الذي قدمه كان كبش من أجود الكباش عنده، أما (قابيل) كان زارع وقدم قربان من ثمار وزروع سيئة ليست بالجيدة، فتقبل من (هابيل) ولم يتقبل من (قابيل).
وفي بعض الإسرائيليات تتحدث القصة أن الصراع كان على زواج من الأخت التي سوف يتزوجها (هابيل)، وبغض النظر عن نوع الصراع بينهما، إلا أن النتيجة كانت القتل، وهنا يتعرض المصري القديم إلي أول جريمة في البشرية، ويحددها بأن القتل حدث بين أخين.
وقد تم عمل مسرحي يتحدث عن ذلك، وكان الأبناء أربعة (أوزير – ست – إيزيس – نفتيس)، وقد تزوجوا من بعضهم ولكن الصراع كان على حكم مصر، فما القصة؟
إن أول ما يلفت نظرنا في تلك القصة، القربان الذي قدمه (هابيل): وهو الكبش (الخروف).
ومن متابعتنا إلي الآثار المصرية المنحوتة سوف نجد أن الكبش موجود له تماثيل قديمة كثيرة في الحضارة المصرية القديمة، أهمها طريق الكباش في الأقصر، وهنا نتساءل، هل للكبش علاقة بأوزير؟
والإجابة نجدها في رمز الكبش عند القدماء المصريين، إنه الرمز الأصلي للخصوبة، وهو يتشابه في ذلك بالثور الإلهي إبان الأسرات الأولى، فقد كان يمثل (روح أوزيريس)، وهو أيضا رمز النماء والخصوبة، وكان الإله الكبش يعبد خاصة إلفنتين وفي (هركليوبوليس ماجنا)، وفي اسنا بتجليه في هيئة الإله (خنوم).

خلق أتوم من الطين
وقد ذكرنا من قبل أن خنوم ذو قناع الكبش هو من خلق أتوم من الطين في إحدى روايات الخلق منقوشة في معبد إسنا، وخلقت بعده (إشتي) ومعناها التي تحيا أي حواء عندما وجدته الآلهة وحيدا، ويعتبر معبد إسنا يقدم تفصيلات أكثر عن مدينه منف التي تعترف بخلق أتوم من الطين.
ولكن روايتهم لم تذكر حواء فقط – ونجد ما هو أغرب من ذلك، فآمون كان يصور غالبا برأس هذه الحيوان ، والجدير بالذكر هو أنه إيماء إلي لولبة قرنيه ، سميت بعض البقايا المتحجرة التي ترجع إلى الزمن الثانوي بالأمونية
Ammonite بمعنى قرنين آمون، وللإله الكبش أربعة رؤوس ترمز إلى الطاقة الإلهية المنبعثة من الآلهة (أوزيريس – رع – شو – جب) الممثلة لأبدية دورات الحياة ، والضياء الإلهي، والنفاثات الإلهية، والحياة الدنيوية.
وأهم ما جاء في كتابات المصريون القدماء أن الكبش كان يمثل (روح أوزيريس)، وهذا يعني أن الكبش كان مرتبط بهابيل ابن آدم عليه السلام، وقد تم عبادته، لأنه هو القربان الأول في البشرية الذى قبله الله سبحانه وتعالى من (هابيل).
وسوف نجد أن تمثال الكبش يمثل رمز آخر خاص بالمعابد، فتقول القصة الأسطورية بعد محاولة ست اغتيال أخيه أوزيريس، حرم على ست دخول قصر أوزيريس، وصدر حكما قضائيا تم إعلانه أمام فناء المعبد الواقع بين الكبشين .
وإذا ما عدنا إلي (خنوم)، نجد أن المصريين قدموا خنوم، بأنه رب دار الحياة الهانئة وإله القطرين، ويعتبر ضمن آلهة طيبة، وقد مثل برع، وكان يصور في هيئة رجل له رأس كبش وقرنين أفقيين (المظهر القديم)، وفيما بعد بدا برأس كبش ذي قرنين ملويان (قرنا آمون)، ويقوم عادة بحراسة منابع النيل.
كما يعمل كذلك على رفع قوة مياه الفيضان كل عام، و(خنوم) يعد الإله الفخراني الذي يخلق الكائنات الحية من مادة الصلصال (نفس مادة التربة بكل معني الكلمة) ويولجها في بطن الأمهات مع مني الآباء، ومن تلك الفقرة نجد أن المصريين القدماء يؤكدون على خلق الإنسان من الطين، سواء في إسنا أو في منف.
وبهذا نرى أن الكبش القربان الأول في التاريخ، الذى قدمه (هابيل)، موجود في الحضارة المصرية القديمة، بشكل محرف ونسج حوله مجموعة من الخرافات، من خلال الكهنة، وصنعوا منه معتقد خرافي وحولوه إلى إله.

(أوزيريس) هو (ديونيسوس)
وهكذا نرى أن قصة ولدي آدم والصراع القائم بينهما، مذكورة في الحضارة المصرية القديمة، بداية من القربان (الكبش)، وهذا الكبش من الرموز في المسرح المصري القديم ، وقد ارتبط هذا الكبش بروح أوزيريس كما سبق القول.
ومن هذا الرمز في المسرح المصري القديم، ننتقل إلي المسرح اليوناني، ونذكر بأن هيرودوت ، ذكر في كتابه عندما تحدث عن مصر أن (أوزيريس) هو (ديونيسوس) عند اليونان، وقد نقلت عبادته إلي اليونان القديمة واحتفالاته.
ويعرف جميع دارسي المسرح أن الطقس الذي كان يقام لـ (ديونيسوس) قد خرجت منه التراجيديا فيما بعد، ونلقي الضوء هنا على المعني اللغوي للكلمة والذي يعني (أغنية العنز)، والذي حار الباحثين في تفسيره، في محاولة منهم لمعرفة لماذا سميت التراجيديا بهذا الاسم، ولم يجدوا إجابة ووضعوا بعض التفسيرات ولكنها ما زالت غير مؤكدة.
وننوه هنا إن هؤلاء الباحثين أسقطوا ما قاله هيرودوت، وهو نقل أوزير إلي بلاد اليونان، ويبدو أن (أغنيه العنز) من اسمها كانت خاصة بالكبش (القربان الأول في البشرية)، والدليل نقل أوزير في صورة ديونيسوس إلي اليونان، ولكنهم نقوله بغير علم بالمعتقدات الخاصة به في مصر.
ونشير هنا إلي أن التراجيديا بمعناها اللغوي؛ أغنيه العنز (يمكن أن تكون إشارة إلي الكبش)، وعلى ما يبدو أن أناشيد العنز، كانت خاصة بمأساة أوزيريس (ديونيسيس)، والقربان الأول (الكبش)، وقد صور المسرحي المصري مشهد القتل بين الأخوين معتمدا على الجهاز الحسي:
أوزيريس: أني لم أرتكب إثما، لا تجعل بغضك يتفجر ضدي، إنني أمنح، وسأعطيك وفقا لأوامري، ولا تنتزع قلبي من جنياه، فإنني أنا رب الحياة.
ست: يقوم ست مع أعوانه بضرب أوزيريس ضربا مبرحا، وقاموا بتقيده على شجرة الجميز، وقاموا بعمل حبال على الشجرة فيما يشبه المشنقة، وضع أوزيريس على المشنقة، (ست يشعر بالرضا والفخر) عن طريق (الجهاز الحسي).
الكبش أصبح رمزا اعتقاديا
ست يتلذذ بمشاهدة أوزيريس هو يعاني من سكرات الموت، ست يخرج الخنجر من وسطه، ويستعد لانتزاع قلب أوزيريس الذي مازال ينبض بالحياة، ست ينتزع قلب أوزيريس، وتكون نهاية أوزيريس المفجعة.
ولكن الكبش أصبح رمزا اعتقاديا، خلف هذا المشهد، ومن هذا المشهد نرى كيفية تكوين التحريفات في القصة الأصلية، واختلاق قصص كاذب، ولكن المسرحي المصري اعتد في تقديم هذه القصص على (الجهاز الحسي) في التأثير على المشاهد.
فقد ركز المسرحي على الحدث المؤلم البشع (قتل الأخ لأخيه) حتي يؤثر في المشاهد، ويعمل على تغييب عقله عن المحرف من القصة، وبهذا نكون قد تعرفنا على أول قصة أبناء آدم في المسرح المصري والخاصة بالكبش، القربان الأول في التاريخ.