رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زغلول يكتب: (الصييت).. في المسرح المصري القديم

الصورة الفنية هنا تعتمد على حاسة السمع

بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول

كثيرا ما نسمع عن فن القص، والذي يطلق على مؤديه (الصييت)، وهذا النوع من الفنون  العربية ، يعد من فنون المسرح التي تتخذ فن التمثيل في الأداء الخاص بالصييت أو القاص.

ونحاول أن نبين واحدة من طرق التمثيل الصعبة، والتي تعتمد على ممثل فرد، يؤدي العمل بمفردة، وهي طريقة غاية في الجمال، إذ تعتمد على الجمهور المشارك في جميع مراحل العمل المقدم.

وذلك لأن طريقة التمثيل عند (الصييت) تعتمد على صوت (الصييت)، وعلى ذهن المُشاهِد في تخيل أحداث القصة، فالجمهور يستقبل القصة من خلال التأثيرات الصوتية للصيت، عند أدائه للنص الأدبي التمثيلي، فتحدث استجابات من الجمهور ناتجة عن تصويره لتلك القصة بالصوت.

وهذا يقودنا إلى استنباط مفهوم  الصورة الفنية التي يستخدمها (الصييت) أثناء تمثيله للقصص الشعبي، فالصورة الفنية هنا تعتمد على حاسة السمع، وبالتالي فالصييت يعمل على تكوين  صور سمعية، لها معانٍ تؤثر في نفوس المستمعين.

وهذا ما يؤكد عليه (صاحب خليل إبراهيم) إذ أن الصورة السمعية (تقوم على توظيف ما يتعلق بحاسة السمع، ورسم الصورة عن طريق أصوات الألفاظ ووقعها في الأداء الشعري، واستيعابها من خلال هذه الحاسة مفردة، أو بمشاركة الحواس الآخَر، مع توظيف الإيقاع الشعري الخارجي والداخلي، لإبلاغ المتلقي، ونقل الإحساس بالصورة لدى الشاعر إليه).

وإذا نظرنا في طبيعة تلك الصورة الذهنية السمعية نجد أنها تشكل مجموعة من الروابط الحسية بين الفنان وجمهوره، إذ أن ذهن الفنان وصوته يرتبطان بالمتلقي عن طريق ذهنه وحاسة السمع لديه، فـ (الصييت) يعمل على وصف الصورة التمثيلية حتى تتغلغل في أحاسيس المتلقي وكأنه يراها.

فـ (الصييت) يعتمد في تمثيله للقصص على حسية الصورة الممثلة وارتباطها بحواس المتلقي ، وهذا ما يجعل الصييت يؤثر بشدة على المُشاهِدين، إذ هو يمثل لهم معانٍ داخل وجدانهم، من خلال القصص التي يمثلها لهم من خلال الصور الذهنية السمعية  المؤثرة في النفس، ويعتمد على صوته في إيصال تلك الصور للمشاهدين، إذا هناك جمالية حسية يعتمد عليها الصييت في تمثيل قصته.

وهي مرتبطة بوجدان الجمهور، وإحساسه وبالتالي تنعكس على مشاعره، فهو يمثل لهم القصة معتمدا على مفهوم المماثلة بين الشخصيات، ولكنه يمهد لقصته بمجموعة من الأمثال المرتبطة بالقصة وهذا ما نجده في قصه اليتيمان ليوسف شتا.

فهو يبدأ بتمهيد يمثل فيه النفس البشرية لإبراز معنى من المعاني في نفس المُشاهِد وهذا ما نلاحظه عبر الأمثلة التالية:

يركز القصاص على طبيعة النفس البشرية

الصورة الأولى:

اللي يطاوع نفسه بيطب في الإهمال

يبقي جني على روحه ولا ينفعوش المال

أما اللي فعل الخير وصالح الأعمال

ذريته من بعده حيحققوا الآمال

بالفن وبالأنغام كلام جميل يتقال

وحتسمعوا ألحان في قصة الجمال

ياللي ظلمت اليتيم نار الجحيم تراضيك

من كتر طمعك نسيت ما لقيت جعان تراضيه

وطاوعت نفسك وهي بالحرام تراضيك

في كل دين ربنا وصي على الأيتام

وطه محمد نبينا أكرم الأيتام

ولأجل حكم الكريم جعله من الأيتام

وكل شيء له نهاية لابد له بداية

والسعد أوعاد وفعل الخير له بداية

يا سامعين فننا والدور له بداية

وفي هذه الصورة السمعية، يركز القصاص على طبيعة النفس البشرية، والكيفية التي يجب أن تكون عليها النفس من الطباع الحميدة التي يرتضيها الله، ويماثل هنا بين من يقوم نفسه ويطوعها لصالح الخير، وبين  من يترك نفسه تنساق حسب أهوائها، فالأولى سوف تحصد الخيرات والثانية سوف تحصد الشرور والآثام.

وهنا يتعرض (الصييت) إلى أهم موضوع في حياة الإنسان وهي النفس البشرية ويقوم بعمل تشريح لها، ويعقد مقارنه بين طبيعة الأنفس الخيرة، والأنفس التي بها أمراض، ويعدد تلك الأمراض النفسية ويركز على النفس الطماعة.

وهنا  يربط الصييت بين النفس الطامعة وحبها للمال، وبين اليتيم وأكل ماله وهو موضوع القصة التي يقصها يوسف شتا.

شخصيات القصة الممثلة عند (الصييت) من أعقد الشخصيات

الصورة الثانية:

 وفي هذه الصورة ننوه بأن شخصيات القصة الممثلة عند (الصييت) من أعقد الشخصيات في الأعمال المسرحية، وهذا راجع إلى تركيزه على النفس البشرية لتلك الشخصيات، وكيفية صراع تلك الأنفس مع بعضها البعض، وهذا ما نراه في عرض شخصياته في المثال التالي:

ححكي الحكاية واغني قصة الأيتام

أصل الحكاية لراجل كان أصيل معروف

من وجه بحري وصيته كالعلم معروف

وله كرامه ما بين كل العباد معروف

من أدبه وياه كماله الناس يحبوا لقاه

حليم وقت الغضب وله هيبه وقت لقاه

زرع المودة  بين أخواله وزرعه لقاه

كان اسمه عبد الإله السعدني معروف

معاه ولدين حسن وحسين يراعيهم

وكان ماعندوش خلاف الأتنين يراعيهم

كانوا عنده غالين بنني العين يراعيهم

عبد الإله صاحبي ولا كنش في يوم عايب

ماتت مراته وعايب يا زمان عايب

وسابت له الأتنين ولو همل يكون عايب

وبعد ست الحبايب كان يراعيهم

حسين وياه حسن من صغرهم همين

أطفال لسه في أحلام الصغر همين

وبتخدع اللي في حبك يا زمن همين

حسن مع حسين كل الناس عزوهم

وبيكرموهم لوجه الله عزوهم

ما فتش شهرين لموت الأم عزوهم

ومات ابوهم وأصبح همهم همين

أهل البلد كلهم عطفوا على الولدين

اكمنهم أصبحوا يتمي من الولدين

وعمهم صعب كان قاسي على الولدين

الدنيا حتضيق عليهم لو تكون واسعة

وهدمة اليتم عالجسم السليم واسعة

الأب سايب لهم تركة ودار واسعة

فدادين تسعة باسمه لا سلف ولا دين

وعمهم الدريني كان وحش طماع

وصوه عليهم وهو مبدأه طماع

فرح بموت اخوه لأنه في تركته طماع

بيميل للشر ويدراي دوام خيره

قضي حياته ما يزرعش في يوم خيره

صحيح غني مال لكن محروم من خيره

في حق غيره تملي تلتقيه طماع

ملك الوصاية عديم التقوي عراهم

وشح بالزاد بعد الجوع عراهم

لأنه جاحد ما يخشي اللوم عراهم

فرحت مرات عمهم بالفعل لولدها

علشان غرضها تخلي التركه لولدها

وجوزها يدي الحنان والحب لولدها

يكسي ولادها لكن ليتام عراهم

والصورة واضحة ودالة على أنها تخص النفوس البشرية، فأخ نفسه خيرة، يتوفَّى ويترك أبناءه إلى أخيه الطماع، و(الصييت) هنا يبث في المُشاهِدين مجموعة من الصورة السمعية التي تحتوي على تلك الحالات النفسية.

ومن خلال ذهنه يتخيل تلك الصورة السمعية التمثيلية، فتثير مشاعره، وتستحوذ على حواسه، إذ أن أهم ما يفعله الصييت هو الاستحواذ على حواس المُشاهِد من خلال حاسة السمع، معتمدا على البنية الداخلية والتي تتمثل في التصورات والخيال – الحس – الذهن – الشعور، إذ هو يربط جميع حواس المُشاهِد ببعضها البعض عن طريق الصورة السمعية.

 ومن الأمثلة السابقة نلحظ  أن طريقة فن (الصييت) لها جمالية خاصة في التمثيل، فهذه الطريقة هي مشاركة بين القاص وجمهوره، إذ يعتمد على ذهنهم في تخيل مسرح الأحداث ، وعلى وجدانهم في الشعور بالعمل.

وكثيرا من الفنانين يظن  أن التمثيل مقتصرا على الشكل المسرحي الغربي الذي يمثل فيه الممثل شخصية واحدة، ويعتمد على الحركة والإيماءة والإشارة، ولكن (الصييت) يمثل  حساً ومشاعرَ من خلال التصورات الخاصة بذهن الجمهور،  إذ أن الجمال ليس في المُشاهَدة البصرية فقط ، – وهذا ما يوضحه dewitt henry parker..

ولكن الجمال قد ينتمي إلى تصوراتنا للأشياء. إن التصور في حد ذاته نوع من التعبير، وهو عملية ذهنية يتم من خلالها تجسيد المعاني في الأحاسيس)

ومن وصف وشرح تلك الطريقة التمثيلية عند (الصييت) نضع لتلك الطريقة تعريفا دالاً عليها وهو:

الطريقة التمثيلية الخاصة بمسرح (الصييت)، ويعتمد فيها الممثل على حواس المُشاهِد

المسرحة التأثيرية

وهى الطريقة التمثيلية الخاصة بمسرح (الصييت)، ويعتمد فيها الممثل على حواس المُشاهِد في تمثيل العمل المسرحي الشعبي، وذلك يتم من خلال استخدام الممثل  (الصييت) لصوته في التأثير على حاسة السمع عند المُشاهِد والسيطرة عليها.

إذ يقوم (الصييت) بتمثيل النص الأدبي التمثيلي الشعبي في شكل (صور سمعية ذهنية) وهذه الصور السمعية الذهنية تنتقل عبر صوت الصييت  إلى حاسة السمع عند المُشاهِد، مما تثير في ذهنه تصوراً وتخيلاً للعمل التمثيلي كأنه يراه وبالتالي تتأثر بعد ذلك جميع حواس المُشاهِد، مما يترك أثراً يؤثر في مشاعر المُشاهِد.

ونتيجة هذا الأثر يقوم المُشاهِد بالتعبير عن مشاعره المتأثرة بالأداء التمثيلي للصييت، بالصوت والحركة والإيماءة والإشارة، وبذلك يظهر تأثير العمل الفني على المُشاهِد أثناء العرض، وينتج عن تلك العملية التمثيلية متعة تأثيرية جمالية لكلا الطرفين الممثل والمُشاهِد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.