
بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
في مناسبة برنامجي (رامر جلال) و(محمد رمضان): قلنا في هذا المكان في رمضان الماضي إن الإعلانات كانت هى الأكثر تعبيراً عن المجتمع، خاصةً في إبراز الفوارق الفلكية بين فئات المجتمع ما بين سيول من إعلانات منتجعات الفيلات والشقق الفاخرة.
في مقابل طوفان من إعلانات تحث الناس على التبرع للمعدمين في الشوارع والمرضى في المستشفيات وخلافه من أشكال العوز التى تشكل اكبر تجارة في سوق الإعلانات.
أما في هذا العام، فقد بقيت الأعمال الدرامية على حالها في ممارسة الانفصامية والتركيز عل نماذج من شخصيات وأحداث انتقائية تعيش وتحدث فقط في الدوائر المحيطة بأصحاب المسلسلات من مؤلفين أو منتجين أو مخرجين، أو أنها من نتاج تفاعلات ذاتية في خيالاتهم.
دون تكليف أنفسهم بمراجعة الواقع بطريقة أوسع قليلا حول هذه الشخصيات وتلك النماذج، خاصة في اللهجات بالنسبة للبيئات المفترض وقوع الأحداث فيها أو حتى الأزياء والاثاث بلا أى انسجام كذلك طرق الزينة للسيدات والبنات التى تبدو فيها الشخصية بكامل مكياجها كما هو في حزنها وفرحها بل ويظل وجهها شديد اللمعان منذ استقاظها من فراشها وحتى تعود إليه مرة أخرى!.
ها وقد دخلت حلبة المنافسة برامج وفقرات وفواصل المسابقات والأسئلة التافهة في هذا الرمضان، لتصبح بدورها أكثر تعبيراً من الإعلانات.
ولعل أشهرها ما يقدمه النجم (محمد رمضان) عبر برنامجه (مدفع رمضان)، و(رامزجلال) في نهاية برنامجه اليومي في (رمضان).
وبهذا يعزز رامز مشروعه القومى لزراعة مليون فدان بالتفاهة، كما يرسخ محمد رمضان الهالة المحيطة به بأنه النجم الأوحد المعبر عن واقع الجماهير التي منحته نجوميته السوبرية، فلعله وجد من (مدفع رمضان) بديلاً في هذا الموسم عن مسلسل يخرج به إلى الجمهور ليقدم واحدة من الشخصيات التى اشتهر بها.
ويرى أنها تخرج من حشاشة المجتمعات الشعبية ومن طين زواريقها، مقرراً أن ينزل بنفسه إلى الذين تتجسد فيهم هذه الحشاشة ليعيش للحظات في هذه الزواريق ثم يفاجأهم بجوائز ضخمة لا يتوقع أى منهم أن تتأتى له عبر أى سبيل لم يحسب لها حساباً!

يدخل الفرح عليهم
ويأتى (محمد رمضان) خلال لقاء صدفة أو عبر مكالمة يجريها عشوائياً بما لا يخطر على قلوبهم، فيدخل الفرح عليهم بمبالغ اعتادوا فقط السماع عنها في الواقع ورؤيتها في الدراما، عندما يفتح تاجر المخدرات الحقيبة السمسونايت المتروسة بورق البنكنوت ليتأكد من أنه ثمن (البوضاعة) وليس ورق كوتشينة.
وبالفعل يفرح الفائز أمام هذا المبلغ الضخم الذي أخرجه (محمد رمضان)، بما يخطف القلب من هول الفرحة!
فأخيراً سيتمكن الفائز بجائزة (رامز جلال) أو (محمد رمضان)، من العبور من الفقر إلى الغني بعد أن يحقق كل أحلامه من خلال ضربة الحظ التى تلقاها من (إيلون رامز) أو (مدفع رمضان)!
فهكذا قرر النجمان؛ كل في برنامجه وعلى قناته، في (رمضان) تحقيق أحلام الذين يعبرون عن أحلامهم هم على أرض الواقع عياناً بياناً، وليس فقط في على الشاشات الرمضانية!.
ـ لكن كم المبلغ الذي يدفعه (رامز) أو (رمضان)؟
ـ مائة ألف أو أكثر!
– كم؟!
ـ ………
ـ والآن قل لى: ماذا ستفعل مائة ألف أو مائتان أو حتى ربع مليون؟!
ـ ستحقق بعض أحلامهم
ـ أي بعض؟!.. وأي أحلام؟!
ـ ………….
حقاً.. أصدقتى القول في إجابتك عن سؤالي هذا: ماذا يمكن أن تفعله بمبلغ مائة او مائتى ألف يأتيك فجأة؟!
نعم يمكن أن تفعل به الكثير، لكن هذا الكثير لا يمكن أن يدخل أى شيء منه في دائرة يمكن أن تنتسب إلى مجالات الأحلام المنتظر تحقيقها في أى من المستقبلين، القريب أو البعيد؟!
لكنها في حقيقتها إعانة وليست جائزة!
إعانة خيرية أو صدقة فورية يمكن أن تدخل في حساب الصدقات.. وهنيالك يا فاعل الخير!
لا أظن أن من بين الأحلام المؤجلة لمواطن بسيط، أن يأخذ ما يوازى 200 كيلو لحمة أو 60 شيكارة سكر أو 666 ونصف زجاجة زيت عبوة 2 لتر!

هل تكفي مائة ألف جنيه
ودعك من السلع الغذائية وادخل على الأجهزة المنزلية، فهل تكفي مائة ألف جنيه مصري لتجهيز غرفة نوم أو صالون أو مطبخ لمن يحلم بتوفير ما يمكن أن يجهزه للزواج؟!
جرب واحسبها، فلن تجدها تكفى لتغطية طلبات في مشوار واحد إلى الغورية أو حمام التلات أو درب سعادة.
أظن أنه بمنتهى السهولة يمكن لك أن تحسبها بالدولار!
ـ يا عم دول ما يكملوش ألفين دولار بالسعر الرسمي!
بلاش كل ده.. جرب كده وقرب من أى عمارة تحت الإنشاء في قلب أى حى عشوائي في القاهرة أو في الأقاليم وأنت تحمل هذه المية أو الميتين كمقدم حجز شقة 60 متر بالبروزات والمناور وبسطة السلم!
أراهنك على أنك لن تجرؤ، لأنك لن تتحمل نظرات الاستهجان والسخرية وربما الاتهام بالجنون والعته من السمسار أو مالك العمارة ولو كان عن طريق ناس معرفة!
بلاش الحى العشوائي.. اذهب إلى أى مشروع من مشروعات إسكان الدولة لمحدودي الدخل، وأسأل موظف الحجز؛ المكفهر الوجه بلا مبرر؛ لكن دون أن تخبره بأن في جيبك 100 ولا 200 ألف!
سترى الابتسامة المستهزئة نفسها التى ودعك بها سمسار العشوائيات!
طيب.. اخطف رجلك لحد سوق العربيات الجديد في طريق السخنة يوم الجمعة، حاول بس ترجع بعربية إياك حتى ربع عمر!
بس مع كل ده ممكن تفضك من كل اللى فات وتمتع نفسك أنت والأولاد كام ليلة في شرم أو الغردقة.. بس يا ترى يكفوكم كام ليلة من غير حساب المواصلات؟!
هااا.. عرفت بقى.. جالك كلامي؟!

قلت لك إنها ورطة
ولو قلبك محسس معاك على توبة لا أنصحك بأن تطلع عمرة أنت ومراتك بالمائة ألف!
مين بس اللى قال إن العمرة شرط لقبول التوبة؟!
يا ترى هتعمل إيه بالميت ألف يا حزين؟!
مش قلت لك إنها ورطة؟!
(مهما سخرت فلن أجارى (القلش) على جوائز (رمضان) أو سؤال رامز عن لون شراب العوضي).
(تعالالى بقى.. وأنا أقولك تعمل إيه.. إنت تضحى وتعيش يوم).
آه.. اسمعنى بس.. إنت تروح تلبس اللى ع الحبل إنت والمدام والأولاد واضربوا مشوار بأوبر على مطعم كباب أو سمك من بتاع الناس، السوبر لايف، أهو يبقى لك حظ تشوف الناس اللى عايشين الحياة (دي يوز).
فهناك يا حبيبي تلاقى دنيا تانية ويمكن تشوف (محمد رمضان) شخصياً في الترابيزة اللى جنبك وجدعنة منك قوم فكره بنفسك واعزم عليه بقلب ميت، ويمكن يستجدعك ويحلف عليك عظيم بيمين علشان يدفع هو الفاتورة وتتصوروا سيلفي وتنزلها على الفيس.
طبعاً لازم.. مش برضه النجم الكبير هو بتاع الغلابة؟!
ويبقى لك فرصة تانية تروح مطعم تانى من نفس الدرجة وادفع الفاتورة وانت مغمض واقفل محفظة الحساب على المبلغ كله وقل للجارسون بقلب جامد زى نجيب الريحاني في لعبة الست: (خلى الباقى علشانك).
(بس اسرع بمغادرة المطعم الفاخر وأنت بتدعى ربنا إن يبقى فيه باقي للجارسون!).
وآه وآه وآه من تلك الأحلام.. فهؤلاء الغلابة الذين لا يكفون عن الحلم بالثروة الهابطة فجأة بالعثور على مقبرة فرعونية أسفل سرير أوضة النوم أو بالاستثمار في شركة (نصبايكو لتوظيف الأموال).
فلا سبيل إلى تغير مجاري حياتهم، ولا يجعلهم يصيرون على الحياة ولا ينفجرون غيظاً، إلا هذا الحلم ولو بالفوز في مسابقة في برنامج رامز أو انتظار صدفة من (مدفع رمضان)!