
بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
هل الفن كمهنة أصعب من باقي المهن مثل الهندسة والطب وحتى مشايخ المساجد ووعاظ الكنائس؟!.. سؤال جدلي وربما يكون لا محل له من الإعراب، لكنني لست من أثار الجدل على العموم، وإنما فقط أحاول تحليله بعدما تطوع أكثر من فنان لإطلاق الجدل بين المصريين.
كان أول من تطوع لإثارة هذا الجدل (الفنان) أحمد زاهر، جدلا واسعا حين قال أن عمل الفنان يفوق في صعوبته عمل المهندس والطبيب، مبررا ذلك بأن (الفنان) يطلب منه البقاء يومين أو ثلاثة أيام مستيقظا من أجل استكمال التصوير بينما لا يستطيع الطبيب او المهندس ذلك.
ثم دخل (الفنان) مراد مكرم على خط الجدل دون داع، حين كتب تغريدة يقول فيها: (الناس اللي فاكرة التمثيل سهل ولذوذ.. أنا نزلت من بيتي الساعة 1 الظهر امبارح رجعت النهارده الساعة 9 صباحا)، معتبرا أن ذلك يعكس قيمة الجهد الذي يبذله (الفنان) بعكس غيره.
أما آخر من دخل في هذا السجال فكان (الفنان) محمد نجاتي، شفاه الله من الإصابة التي ألمت به في حادث سيارة قبل وقت قليل من كتابة هذا المقال، وذلك حين نقلت المواقع والصحف تصريحا غريبا له يقول فيه أن الفنان أهم من شيوخ المساجد وأساتذة الجامعات.
قبلهم بسنوات طويلة أثير هذا الجدل على فترات متباعدة، دون أن يثير ضجة مشابهة، ربما لأن مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن ظهرت وسهلت نقل الخبر وتفاعل الناس معه، أو لأن المقارنات خرجت من فنانين لهم رصيد من التقدير يدفع جمهورهم لتقبل ما يقولونه.

يوسف بك وهبي
فلم تقم الدنيا مثلا على (يوسف بك وهبي)، حين صرح قائلا: أن (الفنان) يعمل ليلًا ونهارًا بلا إجازات أو راحة، بينما الطبيب أو المهندس لديه جدول زمني منظم.
ولم تنصب المشانق لـ (الفنان) حسين فهمي حين قال: الناس مش فاهمة إن التمثيل أصعب من الطب والهندسة، لأنك لازم تعيش كل شخصية كأنها حقيقية وإلا هتفشل، لكن مفيش مهندس مطلوب منه يعيش دور المبنى اللي بيبنيه”.
ربما يكون هناك وجاهة فيما قاله بعض الفنانين، لكن الطريقة التي قدموا بها وجهات نظرهم لم تكن موفقة في اعتقادي خصوصا في جزئية استعداء باقي المهن ضدهم.
بينما كان يمكن كسب تعاطف الناس من خلال عرض معاناة (الفنان) دون التطرق لغيره من المهن مثلما فعل النجم الأمريكي الكبير آل باتشينو حين قال إن التمثيل يمكن أن يدمر الإنسان إذا لم يكن لديه توازن، لأنه عندما تعيش حياة الشخصيات التي تؤديها، تفقد جزءًا منك مع كل دور.
أو ما قالته الفنانة الكبيرة (فاتن حمامة) عن أن الفن يأخذ من الفنان أكثر مما يعطيه، حيث يجد نفسه مضطرا لتقديم تنازلات فيما يتعلق بحياته الشخصية وراحته النفسية.
لست أملك دراسات متعمقة حول مدى صعوبة مهنة الفن مقارنة بباقي المهن، وبالتالي سأحاول تجنب الخوض في ذلك النقاش، لكنني لا أستطيع منع نفسي من التساؤل عن الفائدة من إثارة هذا الجدل؟!

خروج بعض الفنانين عن النص
ما الفائدة التي يمكن أن تعود على (الفنان) إذا سلمنا بأن مهنته أصعب من أي مهنة أخرى؟!.. هل يمنحه ذلك راحة ضمير مثلا أم يقيم مصدا له ولعائلته من عيون الحاسدين؟!
أم أن ذلك سيقود للتسامح مع خروج بعض الفنانين عن النص، سواء من تورطوا في قضايا تعاطي ممنوعات أو ممارسات غير مقبولة، أو يخرجون إلى العلن بارآء شاذة تخالف القواعد الاخلاقية التي يقوم عليها المجتمع؟!
وهل من اللائق بالنسبة للفنانين إدخال أنفسهم في مقارنات مع مهن عديدة أخرى لا يجد العاملين فيها نفس التقدير المادي والشهرة التي يحظى بها الفنان؟ّ!
وإذا افترضنا أن الجهد المبذول في الفن أكبر منه في المهن الأخرى، فعلينا أن نناقش أيضا حجم الخطر الموجود في أي مهنة، لأن (الفنان) الفاشل مثلا لن يضر أحد بينما الطبيب الفاشل يمكن أن يقتل مرضاه، والمهندس الفاشل يتحمل انهيار المباني بسكانها، ووفقا لهذا المعيار من يا ترى يجب أن يكون أحق بالشهرة والعائد المادي الأكبر.
وقد يذهب البعض إلى الجدال أنه إذا كان بقاء (الفنان) خارج بيته لمدة يوم أو أكثر من أجل التصوير، يستدعي حصوله على المال والشهرة، فلماذا لا يحصل الرجل العادي الذي يعمل في مهنتين أو ثلاثة يوميا لإعالة أسرته على نفس القدر من العوائد رغم انه يكافح دون أن يكون محاطا بطاقم مساعدين ولا تتوفر له مقصورة مجهزة مثل الفنانين؟!