
بقلم الناقد الفني: محمد الروبي
أفزعني كثيرا ما قرأته وسمعته مؤخرا عن علاقة الناقد بصناعة المهرجانات، وقد كان الحديث بمناسبة (مهرجان الإسماعيلية) الذي تديره الصديقة العزيزة (هالة جلال)، والتي فرحنا باختيارها لسببين الأول معرفتنا بها عن قرب ومن ثم معرفة قدراتها السينمائية والإدارية التي تؤهلها لمثل هذا المنصب.
أما السبب الثاني فيخص كونها أول امرأة تتولى رئاسة (مهرجان الإسماعيلية) فيما نعتبره خطوة على طريق تمكين المرأة (المستحقة).
لكن تصريحا جاء بشكل عابر عن علاقة النقاد بصناعة المهرجانات أفضى إلى جدل (أعتبره حميدا)، لأنه أولا كشف عن غياب البعض عن الحال السينمائي في العالم، ولأنه ثانيا أتاح ويتيح لنا وضع بعض الأخطاء الشائعة تحت مجهر الفحص لتفنيدها، وكشف بعض المتعالمين أمام أنفسهم وأمام الرأي العالم.
وهنا سأستميح القارئ عذرا على بعض التعبيرات التي قد يراها متجاوزة لما تعوده مني من حرص على اختيار ألفاظي بعناية، لكنني ورغم هذا الحرص لا يستفزني أمر أكثر من إدعاء المعرفة والثرثرة المازجة بين الجهل والتعالي.
وأمامهما لا يمكن لي الحفاظ على حرص تكون من نتائجه انتشار معلومات مغلوطة تصبح بعد قليل من وقت مسلمات وبديهيات يصعب تحطيمها باعتبارها ستدخل في رحاب القول الذي شكل باستشرائه حائط صد يمنعنا من تطوير أنفسنا واللحاق بركب العصر وهو قول: ( خطأ شائع خير من صحيح مهجور).
وأما القول الخطأ الذي يقترب من الخطيئة والذي تفشى بعد التصريح العابر (الجاهل) فهو: (أن الأجدر بصناعة وإدارة المهرجانات هم صناع المهنة)، وأصحاب هذا القول يقصدون بـ (صناع المهنة) المخرج والممثل والمنتج و.. فقط. مستبعدين من هذه المهنة (الناقد والكاتب)!
بل ووصل عمق الجهل عند البعض أنهم برروا لهذا الاستبعاد بأن (الناقد غير ممارس)!.. ثم تزيدوا علينا بقول ينطبق عليه وصف (حق يراد به باطل)، وهو قول (أهل مكة أدرى بشعابها)!

الناقد ليس من أهلها
نعم ( أهل مكة أدرى بشعابها ) لكن من أين جئت أيها الجاهل بهذا اليقين (أن الناقد ليس من أهلها؟). إلا إذا كان جهلك بالمهنة عامة وبالنقد خاصة صور لك أن الناقد هو ذلك الصحفي الذي يتتبع أخبارالحدث.
أو هو فقط كاتب المراجعات الفنية لفيلم ما، أو هو ذلك الشخص الذي يملك مساحة في صحيفة ما – أو عدة صحف – يستخدمها في المدح والذم حسب حجم سرة الدنانير التي تمنح له!
في أمر النقد وماهيته ودوره ومواصفات من يقوم به يمكننا أن نستهلك عشرات الألاف من الكلمات، وهو الأمر الذي لن نفعله هنا لسببين الأول: أن المساحة لن تسعفنا، أما الثاني وهو الدافع الأهم أن هذه الكلمات لن تفلح مع من تشبث بجهله.
أو كما قال القدماء: (لقد أسمعت لو ناديت حيًا.. ولكن لا حياة لمن تنادي، ولو نارٌ نفخت بها أضاءت.. ولكن أنت تنفخ في الرماد)، ومن ثم لن نضيع جهدنا مع من يصم أذنيه وفي جهله يهمع.
هنا فقط سنذكره ببعض أمثلة من مهرجانات سينمائية (عالمية) يرتادها هو ربما كل عام لا بغرض الإستفادة بقدر ما هي بغرض التباهي، ولا يعود منها بخبرة جديدة مضافة بل يعود بحفنة صور ينشرها على صفحته الخاصة وهو يسير مبتسما كالأبله في أروقة هذا المهرجان أو ذاك.
هنا سنذكره فقط بأمثلة قليلة من قائمة طويلة لا تتيحها المساحة، وإليه ما هو آت من أسماء نقاد أداروا ويديرون أفضل المهرجانات: وبعدها سنتركه ليكتشف جهله بنفسه ربما يوقن أن عليه الإعتذار لنفسه أولا.
(كارلو شاتريان): يشغل منصب المدير الفني لمهرجان برلين السينمائي الدولي منذ عام 2019، قبل ذلك كان ناقدًا سينمائيًا ومديرًا فنيًا لمهرجان لوكارنو السينمائي.
(ألبرتو باربيرا): يشغل منصب المدير الفني لمهرجان البندقية السينمائي منذ عام 2012، قبل ذلك كان ناقدًا سينمائيًا ومديرًا لمتحف السينما الوطني في تورينو.
(تييري فريمو): يشغل منصب المدير الفني لمهرجان كان السينمائي منذ عام 2004، قبل ذلك كان ناقدًا سينمائيًا ومديرًا لمعهد لوميير في ليون.
هذا بعض من كثير ممن نسميهم (الأجانب) أو (العالميين) .. والأن فليقل لنا هذا المدعي ومن سار على دربه المعتم، ما الصفة التي سيمنحها لعلي أبو شادي رئيس (مهرجان الاسماعيلية) السنمائي الدولي في أفضل مراحله؟

رئيس (مهرجان الإسماعيلية)
ما الصفة التي سيمنحها لأمير العمري رئيس (مهرجان الإسماعيلية) نفسه في دورة هي الأصعب بما أحاطها من أحداث سياسية؟، ما الصفة التي سيمنحها لسمير فريد رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الاستثنائية بما تحقق فيها من إضافات؟
ما الصفة التي سيمنحها لعصام زكريا الذي شهد له الخصم قبل الصديق بحنكة إدارته سواء لـ (مهرجان الإسماعيلية) في دورتين أو القاهرة في دورته الأخيرة؟ وأخيرا ما الصفة التي سيمنحها هذا الجاهل لكمال الملاخ مؤسس مهرجان القاهرة ؟
فهل لهذا المدعي أن يصمت ويكتفي بما يلقى إليه من فتات؟