
بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
مرة جديدة يعود (أحمد حلمي) لإثارة الجدل بعد انتشار فيديو يظهر فيه وهو يسخر من مشاهد مصري كان حاضرا في الصف الأول لمسرحيته التي يعرضها في العاصمة السعودية الرياض.
حاول (أحمد حلمي) استعراض (خفة دمه) بالسخرية من وجود مشاهد مصري يجلس في الصف الأول بما يعنيه ذلك من ارتفاع قيمة التذكرة، وعلق على ذلك قائلا (مصري وفي الصف الأول.. أكيد معزوم).
السخرية تسببت في شعور الكثيرين في مصر بالإهانة خصوصا بسبب تزامنها مع ظروف اقتصادية خانقة يعاني منها الجميع داخل مصر، ويتندر عليها البعض خارجها حين تتداول وسائل الإعلام العربية بشكل مكثف تصريحات لمسؤولين مصريين يتحدثون عن فقر مصر على الهواء دون خجل!
ورغم محاولة البعض للدفاع عن (أحمد حلمي) مثلما فعل رجل الأعمال (نجيب ساويرس)، الذي قال أن الفنان لم يقصد الإساءة وأنه معجون بحب مصر، إلا أن الخطأ وقع ولا يمكن التغاضي عنه بافتراض حسن النوايا، لأن القاعدة القانونية التي يعرفها (ساويرس) دون شك تقول أن عدم التعمد لا يعفي من المسؤولية.
أما بعض أهل الفن ممن هبوا للدفاع عن (أحمد حلمي) زاعمين أن ما يتعرض له هي حملات منظمة ضده، فهم يعظمون الهوة بينهم وبين الجمهور المصري صاحب الفضل الأول والأخير في نجومية بعضهم وشهرتهم.
وكان الأولى بهم الانحناء لهذا الجمهور واحترامه والاعتراف أنهم لولاه لما كانت الدعوات (الدولارية) تنهال عليهم من الخارج، بدلا من التعالي عليه وعدم قبول غضبه.
لست هنا بصدد الحكم على ما إذا كان (أحمد حلمي) يقصد الإساءة لمصر أم لا، ولا أمنح نفسي سلطة الحكم على وطنيته، لكن قراءة بسيطة في مواقفه الأخيرة تقود إلى قناعة بأنه بات يستسهل السخرية من المصريين، ربما لغياب من يحاسبه على سخريته سواء من الجهات المختصة، أو حتى من الجمهور الذي يمكن أن يكون فعالا إذا قرر مقاطعة أعمال أي فنان.

السخرية والتقليل من المصريين
وليس عذرا الاعتقاد أن السخرية والتقليل من المصريين أصبحت بابا للرزق بالنسبة لكثير من (البهلوانات) الذين يتسابقون على القيام بذلك طمعا في كسب رضا (الكفيل) ومن ثم ضمان استمرار حصولهم على دعوات ومشاركات في أعمال ومناسبات تدر عليهم ملايين الدولارات.
لو كان ما فعله (أحمد حلمي) حدث في عرض يقدم في مصر لكان بالإمكان تمريره باعتبار أن (كلنا مصريين في بعض)، وإنما أن يفعل ما فعله في دولة شقيقة مع علمه بالحساسيات الكامنة بين الشعوب العربية فهذا يخرج سخريته من إطار حسن النية أو الفكاهة السمجة إلى استسهال الإساءة.
ولو كان الأمر كما يزعم (أحمد حلمي) ومن يدافعون عنه مجرد مزحة خرجت من سياقها، فهل يمكنه أو يمكنهم نشر أي فيديو له سواء حديث أو قديم وهو يسخر من أي مشاهد سعودي أو خليجي ممن يحضرون عرضه المسرحي؟ّ!، أم أن التندر يختص به المصريين حصريا؟!
مشكلة (أحمد حلمي) أن سخريته من بلده لم تكن عابرة، حيث سبقها مشاركته في إعلان لبنك قطري، يظهر فيه وهو يسخر من فهلوة المصريين الذين يتسابقون لتقديم نصائح استثمارية فاسدة له بهدف الاستيلاء على أمواله، قبل أن ينهي الإعلان بدعوة أصحاب المال للذهاب إلى البنك القطري بحثا عن النصائح المفيدة.
الإعلان مر مرور الكرام بالفعل على الكثيرين دون أن يتوقفوا عند بعض تفاصيله المسيئة، والتي يبرز فيها تصويره كل المصريين على أنهم (فهلوية) بينما المتخصصين المحترمين هم من غير المصريين؟!
ربما يجادل البعض بأن فكرة الإعلان مسؤولية من صممه، لكن الرد عليه بأن (أحمد حلمي يستطيع بحكم نجوميته أن يطلب أي تعديل يراه، خصوصا حين يكون المغزى منه وصم شعب كامل بالفهلوة والنصب، وتجاهل وجود عشرات ملايين الأشخاص المحترمين أصحاب العلم والخبرة والاجتهاد في مختلف مناحي الحياة؟!
أم أن الأمر متعمد لتخريب الصورة الذهنية الراسخة عن القوة الناعمة المصرية، عبر تلميع نماذج مشوهة من الفنانين والإعلاميين، لتمرير رسالة خاطئة إلى الشعوب العربية بأن هؤلاء هم صفوة المصريين في الوقت الحالي، فما بالكم بباقي الشعب؟!
يقيني أن (أحمد حلمي) أو (أحمد سعد) من قبله، أو غيرهما من الفنانين كانوا سيفكرون ألف مرة قبل استسهال الإساءة لمصر والمصريين إذا تلقوا رسائل بأن ما يقولونه ويفعلونه لن يمر مرور الكرام، وأن مصر التي صنعتهم قادرة على طمسهم وصنع غيرهم بكل سهولة.