(عمر الحريري) نجم ظلمته السينما، وخلده التليفزيون، وسفره منع عنه النجومية!
* عمر الحريري: لم أصبح نجما سينمائيا لأنني كنت عاشقا للتمثيل بقوة منذ طفولتي!
* كان الفن في الماضي بسيطا، والأفلام عبارة عن قصة حب بين ولد وبنت، وبينهما عزول، أو شرير، أو صراع بين الخير والشر
* لم تكن موضوعات أفلامنا مهمة وفيها مساحة كبيرة للتمثيل كما ظهرت عند نجوم الثمانينات
*سفري إلى ليبيا، واستقراري فيها بعد نكسة 1967 لمدة 7 سنوات أخر نجوميتي
* والدي كان يعمل مديرا للإذاعة الإيطالية، وكان رجلا محبا للفن، ومستنيرا، وهو الذي أدخلني معهد التمثيل
* لفت انتباه المخرج (نيازي مصطفى)، ومنحني فرصة الظهور لأول مرة على الشاشة، في سن الحادية عشرة، في مشهد صامت في فيلم (سلامة في خير)
* شقيق حسين صدقي رشحني لأخوه لأظهر في فيلم (العامل)
كتب: أحمد السماحي
رغم امتلاك (عمر الحريري) – الذي نحيي ذكراه الثالثة عشر بعد غد الأربعاء 16 أكتوبر ـ لكل مواصفات النجومية من موهبة وخبرة ودراسة متخصصة، فضلا عن وسامة واضحة، تؤهله لتجسيد دور الفتى الأول والعاشق المحب المغلوب على أمره، لكنه لم يصبح نجما!
وظل عدم تحقيق (عمر الحريري) للنجومية التى يستحقها يؤرقني لسنوات طويلة، خاصة أنني نشأت في طفولتي على أعمال (عمر الحريري) التليفزيونية مثل (المعجزة) بطولة شريهان، و(أوراق الورد) بطولة المطربة وردة، (الشبيهان) بطولة أحمد مرعي، و(جريمة على الشاطئ الهادي) بطولة كمال الشناوي.
وغيرها من الأعمال خاصة التى جسد فيها (عمر الحريري) دور ضابط المباحث الهمام الذكي الذي يقبض على المجرمين، مثل مسلسل (البقية تأتي) تأليف محمد عبدالرحمن، إخراج نور الدمرداش، وبطولته مع (هناء ثروت، وعمر ناجي، مجدي وهبه، ماهر لبيب، زوزو نبيل).
وكانت تدور أحداث المسلسل في كل حلقة حول جريمة تقع، ويقوم ضابط الشرطة بالعمل على حلها مع مساعديه، وكانت الحلقة تذاع على نصفين، النصف الأول يحمل تفاصيل الجريمة، والنصف الثاني يحمل طريقة اكتشاف الجاني.
هذا المسلسل كنت شغوفا بمشاهدته بقوة، خاصة أنني كنت في هذه الفترة من قراء (أجاثا كريستي) و(الشياطين 13) و(المغامرون الخمسة)، وجاء المسلسل ليحقق حلمي برؤية الأشرار والطيبين.
عمر الحريري و(شيخ العرب همام)
ظل سؤال لماذا لم يصبح (عمر الحريري) نجما مطلقا يطاردني، حتى جاء عام 2010 وعرض مسلسل (الشيخ العرب همام)، تأليف المبدع عبدالرحيم كمال، إخراج المتميز حسني صالح، وبطولة العملاق يحيي الفخراني.
وجسد (عمر الحريري) من خلال هذا المسلسل دور (الشيخ يوسف) الذي أعاد اكتشافه من جديد، وقدمه (عمر الحريري) بشكل كوميدي رائع، كان مفاجأة لنا جميعا.
وفي هذه الفترة كنا نعمل في جريدة الأهرام (ملحق فني) متخصص، كان مسئولا عنه الصديق الكاتب الصحفي الكبير محمود موسى، وقررنا عمل الملحق كله، والمكون من أربع صفحات عن (الصعايدة)، ويكون مخصصا فقط للنجوم.
وطلب مني (محمود موسى) إجراء حوار مع فاكهة مسلسل (شيخ العرب همام) الفنان الكبير (عمر الحريري)، فسعدت جدا بهذا، خاصة أنني سأجد إجابة لأسئلة كثيرة كانت تحيرني عن هذا النجم الذي لم يسبق أن جلست معه من قبل.
سر ابتعاد البطولات المطلقة
بالفعل اتصلت بالفنان (عمر الحريري)، وأبلغته تحياتي وإعجابي الشديد بدوره في المسلسل، وبحبي وإعجابي بتمثيله ككل، فسعد جدا بكلامي، وحدد لي ميعاد، وبالفعل ذهبت إليه ووجدته شخص طيب للغاية، ومهذب جدا، وعلى درجة كبيرة من الخلق، والخجل.
وقلت له فجأة وقبل أن نتحدث عن المسلسل: لماذا لم يصبح (عمر الحريري) نجما مطلقا باستثناء فيلم واحد هو (أغلى من عينيه)؟
فرد ضاحكا: أحنا هنتكلم عن (الشيخ يوسف) ولا عن (أغلى من عينيه)؟، فقلت له عن كل حاجة! دى فرصة رائعة أنني جالس مع حضرتك.
فقال لي بهدوء: نصيب!
فلم تعجبني الإجابة!، فقلت له: كل حاجة في الدنيا نصيب، لكن لابد من وجود سبب!
فابتسم وقال بهدوء وطيبة: لم أصبح نجما سينمائيا لأنني كنت عاشقا للتمثيل بقوة منذ طفولتي!، ولا أحب تجسيد أدوار متشابهة، وأحاول بقدر الإمكان الابتعاد عن تكرار أدواري، في حين أن زملائي النجوم كانوا يكررون أدوارهم.
وكأن الجمهور ارتبط معهم بعقد! بمعنى أن كل نجم معين عرف عنه تجسيده في أفلامه لدور معين، مثل الزميل (كمال الشناوي) الذي كان يجسد في كل أفلامه أدوار الحب، والرومانسية، قبل أن يتمرد على نفسه في فيلم (المرأة المجهولة).
وصديقي (فريد شوقي) الذي كان يجسد أدوار الشر، و(إسماعيل ياسين) الذي يجسد أدوار الكوميديا، وهكذا، لكن أنا لم يستطع الجمهور تصنيفي.
بمعنى أننى عام 1960 جسدت في فيلم (سكر هانم) دور (فريد أبو وردة) الشاب الوسيم قليل الخبرة العاطفية الذي يقلد صديقه في كل ما يقوله ويفعله.
وفي نفس العام جسدت دور (فؤاد النصاب) في فيلم (نهاية طريق) تأليف كامل الحفناوي، إخراج كمال عطية، وبطولة رشدي أباظة، وهدى سلطان.
وفي نفس العام أيضا جسدت شخصية مختلفة تماما عن (فريد أبوردة، وفؤاد النصاب) وهى الشاب الوسيم الرقيق الذي يخفي تحت ابتسامته الحلوة أنياب ذئب بشري، في فيلم (الرباط المقدس).
الفيلم كان قصة توفيق الحكيم، سيناريو وحوار يوسف جوهر، إخراج محمود ذوالفقار، وبطولة (صباح، وصلاح ذوالفقار، وعماد حمدي)، وهكذا كانت كل أدواري.
وأضاف (عمر الحريري): وبعيدا عن كل هذا كان الفن في الماضي بسيطا، والأفلام عبارة عن قصة حب بين ولد وبنت، وبينهما عزول، أو شرير، أو صراع بين الخير والشر.
ولم تكن موضوعات أفلامنا مهمة وفيها مساحة كبيرة للتمثيل كما ظهرت عند نجوم الثمانينات (عادل إمام، ونور الشريف، ومحمود ياسين، وحسين فهمي، ويحيي الفخراني).
الحريري والسفر إلى ليبيا
وأضاف (عمر الحريري): هناك أيضا سبب آخر هو سفري إلى ليبيا، واستقراري فيها بعد نكسة 1967 لمدة 7 سنوات، وهناك وجدت شبابا متحمسا يحب المسرح، ويعشق التمثيل، فعلمتهم ودربتهم على التمثيل.
وقمت بالإشراف على تأسيس (المسرح الشعبي الليبي)، وساعدني على ذلك دراستي للمسرح، فأنا كنت في أول دفعة تخرجت من معهد التمثيل، التى كانت تضم (نعيمة وصفي، حمدي غيث، شكري سرحان، فريد شوقي، صلاح منصور، كمال حسين، سعيد أبوبكر، زكريا سليمان، سميحة أيوب).
وفي ليبيا قمت بتأليف وإخراج مسرحية بعنوان (البيت الحرام)، فضلا عن مسرحيات أخرى قمت بإخراجها مثل (شمس النهار)، و(سهرة مع الحكيم) لتوفيق الحكيم، (البخيل) لموليير، (الناس اللي في السما الثامنة) لعلي سالم، (السود) لنبيل بدران، (ثمن الغربة) لإيمانويل دوبلس.
عمر الحريري و(سلامة في خير)
عن كيفية دخول الفن قال: والدي السبب، فهو كان يعمل مديرا للإذاعة الإيطالية، وكان رجلا محبا للفن، ومستنيرا، وكان يصطحبني معه لمشاهدة مسرحيات (نجيب الريحاني، وعلى الكسار، ويوسف وهبي، وجورج أبيض، وفاطمة رشدي).
وبعد عودتي من هذه العروض المسرحية، أجمع أولاد العائلة القربيين من سني، وأوزع عليهم أدوار، ونقوم بالتمثيل، ونتفق مع العائلة أن يشاهدوننا ونحن نمثل، وكنت أخذ نصيب الأسد في التصفيق من العائلة.
وفي هذه الفترة كانت الأنشطة الفنية مزدهرة في المدارس، ويشرف عليها مخرجون ونجوم كبار، بتكليف من وزارة المعارف.
ولفت انتباه المخرج (نيازي مصطفى)، ومنحني فرصة الظهور لأول مرة على الشاشة، في سن الحادية عشرة، من خلال مشهد صامت قصير بفيلم (سلامة في خير) عام 1937، بطولة نجيب الريحاني وحسين رياض ومنسي فهمي.
شقيق (حسين صدقي) يرشحني للعامل
تابع (عمر الحريري): وأنا في المرحلة الثانوية كان مدرس الموسيقى هو (محمد صدقي)، شقيق الفنان (حسين صدقي)، وتعرفت عليه عن قرب، وعلم بحبي للتمثيل.
وفي هذا الوقت كان (حسين صدقي) يستعد لإنتاج وبطولة فيلمه (العامل) إخراج أحمد كامل مرسي، وقرأت في الصحف عن الفيلم، فطلبت من أستاذي (محمد صدقي) أن يرشحني لشقيقه، وبالفعل ظهرت في الفيلم في دور قصير صامت.
وبعد انتهائي من التعليم الثانوي نشرت إحدى الجرائد إعلانا بطلب مواهب للإلتحاق بأول معهد تمثيل في مصر، وقرأ والدي الإعلان، وطلب مني التقديم، وهو الذي ملأ لي أوراق الألتحاق.
وتقدمت للامتحان بمشهد من مسرحية (نجمة الصباح) لنجيب الريحاني، وكانت اللجنة مكونة من (يوسف وهبي، وفتوح نشاطي، وجورج أبيض، وحسين رياض)، ونجحت بتفوق، وبدأ المشوار.
الطريف أنني بعد أن أجريت حوارا كبيرا مع نجمنا الراحل (عمر الحريري)، عن مشواره الذي ذكرت منه الآن بعض المحطات الفنية.
وجدنا أنه سيكون غير ملائما لطبيعة العدد الخاص الذي خصصناه في ملحق (فنون ونجوم) في جريدة الأهرام عن (الصعايدة) فقررنا أن نكتفي بحواره عن مسلسل (شيخ العرب همام) ودور الشيخ يوسف، واحتفظت بباقي الحوار في مكتبتي.
عمر الحريري و105 فيلم
قدم النجم الراحل عمر الحريري الذي نحيي بعد غد الأربعاء 16 أكتوبر ذكرى رحيله 105 فيلم، بدأها بفيلم وهو في الحادية عشر بفيلم (سلامة في خير) عام 1937، وأنهاه عام 2002 بفيلم (معالي الوزير)، فضلا عن عشرات المسرحيات، وأيضا عشرات الأعمال التليفزيونية والإذاعية.
رحم الله نجمنا الكبير (عمر الحريري) صاحب القلب الطيب، والابتسامة الدافئة والطلة المتميزة.