بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
(الأخبار المضللة)، أصبحت آفة السوشيال ميديا التي تهدد حياتنا، وهى بالمناسب لا تؤثر فقط على حياة نجوم الفن والسياسة فحسب، بل أصبح لها أكبر الأثر على اقتصادنا وثقافتنا وحتى هويتنا التي حتما تتأثر بفعل ذلك الزيف الجديد، على جناح التكنولوجيا التي تخاصم القيم الإنسانية.
أشار استطلاع رأي دول، إلى أن 86 بالمئة من مستخدمي الإنترنت وقعوا ضحية الأخبار المضللة على شبك الإنترنت، ولعل معظم هذه الأخبار منتشر على صفحات موقع (فيسبوك) وحتى محركات البحث مثل (جوجل) وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي التي تجتاح حياتنا حاليا.
قال المشاركون في الاستطلاع إنهم يريدون من الحكومات وشركات التكنولوجيا أن تتصدى معا لهذه النشاطات التي تساهم في نمو عدم الثقة بالإنترنت، كما أنها تؤثر سلبا على الاقتصادات والحوار السياسي.
وتم تحميل الولايات المتحدة حصة الأسد من المسؤولية في نشر الأخبار المضللة، تليها روسيا ثم الصين، وفق استطلاع (إيبسوس) السنوي الذي يشارك فيه 25 ألف مستخدم للإنترنت في 25 بلدا.
ويظهر أن (الأخبار المضللة) طاغية على موقع فيسبوك، لكنها موجودة أيضا على يوتيوب والمدونات وتويتر أو (X)، بحسب ما توصل إليه القائمون على الاستطلاع الذي نقلته (فرانس برس).
تعاظم القلق بشأن الخصوصية
وبينت نتائج الاستطلاع أيضا أن مستخدمي (الأخبار المضللة) في مصر كانوا الأكثر سهولة في التعرض للخداع، بينما المشاركون في باكستان كانوا الأكثر تشككا، حسب الوكالة، وكشفت النتائج توسع الشعور بانعدام الثقة بشركات مواقع التواصل الاجتماعي، وربما يعود ذلك إلى تراجع دور الإعلام في التصدي لذلك.
خاصة أنه تعاظم القلق بشأن الخصوصية والتحيزات المعدة سلفا من خلال الخوارزميات التي تستخدمها شركات الإنترنت وتعتمد عليها لإعطاء أفضلية لمنشور على حساب آخر من تلك (الأخبار المضللة).
والاستطلاع الذي استند إلى مقابلات شخصية وأخرى عبر الإنترنت جرى بين لحساب مركز ابتكار الحوكمة الدولية.
وقال المسؤول في المركز (فين أوسلير هامبسون) أن استطلاع هذا العام للاتجاهات العالمية لا يؤكد فقط هشاشة الإنترنت، لكن أيضا نمو الشعور بعدم الارتياح لدى المستخدمين تجاه وسائل التواصل الاجتماعي والسلطة التي تفرضها هذه الشركات على حياتهم اليومية.
غالبا ما تحتوي الشائعات التي لا تستند إلى أي أساس من الصحة في تلك (الأخبار المضللة) على عناصر تثير العواطف أو الرغبة في إخبار الآخرين، قد تؤدي المشاعر القوية مثل القلق أو الغضب أو دوافع ناجمة عن محبة للغير، إلى قيام بعض الأشخاص بنشر الشائعات.
وقد أظهرت دراسة أخرى أيضا، أن الكثير من الأشخاص الذين ينخرطون في هذا السلوك يقدمون على ذلك بسبب شعورهم بالقلق أو لأنهم يعتقدون أن نشر الشائعات هو لصالح الآخرين أو المجتمع.
ولكن الترويج للشائعات في أوقات الكوارث يترتب عليه آثار عميقة، فمن الممكن أن تثير المعلومات الكاذبة حالة من الذعر أو الارتباك، كما قد تقود إلى فوضى في عمليات الإخلاء.
حيث قد يبقى الأشخاص الذين ينبغي عليهم الفرار في مكانهم، في حين يخرج آخرون إلى الطرق بينما هم في مأمن، كما يحدث في (غزة ولبنان)، ومن الممكن أن تؤدي إلى التعامل بشكل غير صحيح مع إمدادات الإغاثة.
وقد يتعقد ذلك الوضع بشكل كبير في المناطق المتضررة، ما يؤثر سلبا على جهود الإنقاذ، ومن الممكن أن تنتشر فرق الإنقاذ دون حاجة، ما يزيد العبء على كاهل موظفي الإدارات المحلية.
تتعمق الانقسامات الاجتماعية بين من يصدقون الشائعات ومن يكذبونها، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم التمييز أو الاستبعاد ضد مجموعات معينة، ما يعرضهم لخطر تحركات انتقامية.
ولكن التأثير السلبي الأكبر للشائعات جراء تلك (الأخبار المضللة) هو تعقيد عملية الحصول على معلومات دقيقة، عند وقوع الكوارث، تنطلق الجهات المستجيبة في اتخاذ قراراتها من افتراض أنها تعمل بناء على معلومات دقيقة.
قدرة الدماغ البشري
المعلومات الصحيحة تشجع سلوكيات تحمي حياة الإنسان كما توفر الطمأنينة للمتضررين من الكارثة، لكن انتشار الشائعات عبر (الأخبار المضللة) يقلل من موثوقية المعلومات، ما يجعل الناس متشككين وأقل قدرة على اتخاذ قرارات مناسبة.
يشير البعض إلى (اقتصاد الانتباه) كسبب لانتشار الشائعات حول أخبار الحرب الإسرائيلية في (غزة ولبنان) إن مدى جذب الانتباه أو الاهتمام في ظل الفضاء الرقمي الحديث، له قيمة اقتصادية.
بمعنى آخر، عندما تتزايد المعلومات عبر الإنترنت بشكل هائل، على نحو يفوق قدرة الدماغ البشري على المعالجة، يصبح جذب انتباه الناس أكثر أهمية من تقديم معلومات صادقة.
نما (اقتصاد الانتباه) بسرعة في السنوات الأخيرة على جناح (الأخبار المضللة)، كان من المعتاد أن تتنافس وسائل الإعلام التقليدية والإعلام عبر الإنترنت على جذب الانتباه، ولكن في الوقت الراهن عندما يمكن لكل شخص على هذا الكوكب نشر المعلومات.
وفي هذا الصدد أتاح الذكاء الاصطناعي التوليدي لأي مستخدم إمكانية إنشاء صور أو مقاطع فيديو مزيفة وأخرى مولدة بتقنية (ديب فيك/ التزوير العميق) بسهولة، يمكن أن تنتشر (الأخبار المضللة) أو الزائفة بسرعة بهذه الطريقة: نحن ندخل الآن حقبة جديدة تُسمى (النسخة الثانية من التزوير).
على سبيل المثال، في الصراع بين إسرائيل وحماس في (غزة)، وحزب الله في (لبنان)، انتشرت صور أو مقاطع فيديو مزيفة مولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي بشكل متكرر بهدف التأثير على الرأي الدولي.
مقاطع فيديو معدة سلفا
في الوقت الحاضر، غالبا ما تستخدم مقاطع فيديو أو صور موجودة مسبقا لنشر الشائعات، لكنني أعتقد أنه سيصبح من الشائع في المستقبل انتشار الصور أو مقاطع الفيديو المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي والتي لا يمكن تمييزها تقريبا عن الحقيقية.
يمكن للتقدم في تقنية الذكاء الاصطناعي أن يزيد بشكل كبير من حجم الشائعات المنتشرة و(الأخبار المضللة) وأن يفاقم من الاضطرابات الاجتماعية.
ومن ثم يتعين علينا عند التعامل مع الشائعات التفكير في سلوكنا الخاص، بدءا بالإدراك أننا أنفسنا عرضة لتصديقها، ولذلك يجب أن نكون دائما على حذر من المعلومات التي نتعرض لها.
علينا أن ندعم (أودري أزولاي) المديرة العامة لليونسكو، عندما دقت ناقوس الخطر يوم مؤخرا بسبب زيادة كثافة المعلومات و(الأخبار المضللة) وخطاب الكراهية على شبكة الإنترنت التي تشكل (تهديدا أساسيا للحياة في المجتمع وللاستقرار).
وقد كشفت المديرة العامة عن خطة عمل المنظمة الرامية إلى القضاء على هذه الآفة، وجاءت هذه الخطة ثمرة عملية تشاور عالمية واسعة النطاق واستندت إلى استطلاع عالمي للرأي شدد على الضرورة الملحة لاتخاذ إجراءات في هذا الصدد.
لقد أفسح العالم الرقمي المجال أمام إحراز تقدم على صعيد حرية التعبير، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي قد ساهمت من جانبها في تسريع وزيادة انتشار المعلومات الزائفة وخطاب الكراهية من خلال نشر (الأخبار المضللة)، مما شكّل خطرا كبيرا على الحياة في المجتمع والسلام والاستقرار.
ولكي نحمي إمكانية الانتفاع بالمعلومات، علينا تنظيم عمل هذه المنصات من دون تأخير، مع حماية حرية التعبير وحقوق الإنسان.
ولهذا يعتبر الاعتماد على الصفحات والمصادر الرسمية والموثوقة دون غيرها أهم سلاح لمواجهة (الاخبار المضللة) أو الزائفة، إذ من خلالها يظهر جليا صحة الخبر المتداول من عدمه، خصوصا وأن هذه المصادر تعزز الخبر بوثائق أو صور أو فيديوهات رسمية، وتضعك أمام الصورة كاملة.
بحيث يجب على أي متلقي لأي خبر كيفما كان أن يعمد إلى التحقق من صحته قبل نشره وتوزيعه عبر تطبيقات الإرسال الفوري، وفي هذا الصدد أنتجت عدد من الشركات وسائل تساعد على التحقق من صحة الأخبار والوسائط المنتشرة.
بالإضافة إلى البحث عن المواقع الموثوقة والشهيرة الأخرى التي تنشر نفس الخبر، وكذا التحقق من الصور والفيديوهات المنتشرة.
خطورة الأخبار الزائفة
وتبقى توعية الأفراد والمجتمع بخطورة الأخبار الزائفة من الطرق الفعالة والناجعة في محاربة هذا النوع من المحتوى والمنشورات، فبوعي الإنسان بخطورة مالات الأخبار الزائفة والشائعات فإنه يبتعد تدريجيا عنها.
وفي هذا يقول خالد البرماوي الخبير الإعلامي المصري، إن (الأجواء الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المضطربة في بعض البلدان، تعرض مستخدمي شبكة الإنترنت لقراءة (الأخبار المضللة) والكاذبة.
خصوصا إذا كان عدد مستخدمي الإنترنت في تلك البلدان بالملايين مثل مصر، التي يقدر عدد مستخدمي موقع (فيسبوك) فيها بنحو أكثر من 50 مليون مستخدم يسبحون في بحار الشبكة العالمية يوما دون قيد أو شرط.
وأضاف البرماوي أن (ضعف تنوع المحتوى الإعلامي في مصر في الآونة الأخيرة تسبب في رواج (الأخبار المضللة) والزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت مصدرا مهما وبديلا لنشر الأخبار المتعلقة بالبلاد).
ولفت (البرماوي) إلى أن (مصر تعد من أكثر بلاد العالم في استخدام موقع (فيسبوك) بمدة تتراوح ما بين ثلاث إلى أربع ساعات يوميا للفرد، وهذه نسبة مرتفعة جدا.
وبالتالي فإن فرص تعرض هؤلاء المستخدمين للأخبار الزائفة تكون كبيرة، خصوصا في أجواء يغلب عليها الاستقطاب والميل لتصديق الأخبار التي توائم الأفكار السّياسية والاجتماعية للبعض.
وأوضح أن (تأخر نشر الأخبار الصحيحة من قبل الجهات الرسمية المصرية لتفنيد الأخبار المفبركة، يؤدي إلى وقوع البعض في الفخ والانخداع بنشر تلك (الأخبارالمضللة).
وعن طرق مواجهة أزمة رواج (الأخبار المضللة) في مصر، اقترح (البرماوي) عدة أساليب، منها: (سرعة توثيق صفحات الوزارات والهيئات الرسمية على مواقع التواصل، مع زيادة درجة التنافسية والتنوع الإخباري، بجانب سرعة نفي الشّائعات وعدم انتظار مرور أربعة أيام على بداية نشر الشائعة.
مشيرا إلى أهمية تنمية التربية الإعلامية التي تساهم في القدرة على التفرقة بين الأخبار الصحيحة و(الأخبار المضللة) والمفبركة، مع الشك والتفكير في كل الأخبار المطروحة على مواقع التواصل الاجتماعي.
علينا أن نحاصر هذا الخطر الزاحف على حياتنا، ويقوم باستغلال الظروف الصعبة الموتية لهز ثقة الشعب المصري في قياداته وحكومته، وحتى هذر الثقة في نفسه أولا وقبل كل شيئ.