(عبد السلام محمد).. ملك الأدوار الصغيرة التى لا تنسى.. اكتشفه (محمد رضا)!
* كان أشهر زملاء دفعته (عايدة عبدالعزيز، رجاء حسين، عزت العلايلي)
* كان متميزا جدا في مشروع التخرج، حيث قام ببطولة مسرحية (ثمن الحرية) تأليف (إيمانويل روبليس)، إخراج (نبيل الألفي)
* قدم أدوارا صغيرة مهمة في المسرح المصري، أشهرها أدواره في (السلطان الحائر، كوبري الناموس، سكة السلامة، السبنسة)
* كرم مطاوع أعطاه قبلة الحياة وأنقذه من الأدوار الصغيرة من خلال دوره في (الفرافير).
* فهمي الخولي راهن عليه بقوة في أول أعماله كمخرج، من خلال إسناد دور البطولة له في (ليلة جواز سبرتو).
* رغم كثرة أدواره في كل مجالات الفن لكن (البلهارسيا) شهرته جدا.
كتب: أحمد السماحي
ينتمي الفنان الراحل (عبد السلام محمد)، ملك الأدوار الصغيرة التى لا تنسى لمدرسة الأداء التمثيلي المنهجي، التى كان ينتهجها الرائد المسرحي (زكي طليمات).
وهى مدرسة تقوم على تصوير شخصية الدور ثم الامتلاء به، والعيش في الشخصية، والتعبير عما تقدم من خلال فن الإلقاء والصدق في التعبير والأعتدال والدقة واليسر في الإفصاح، مع ترك المبالغة والتكلف.
و(عبد السلام محمد) كان من أصحاب هذه المدرسة الذين يبرعون ويبرزون في الأدوار المساعدة التى تعتمد على الأخذ والعطاء في الأداء مع غيرهم، مع الاعتدال التام في التعبير الحركي بالإيماءة والإشارة والحركة.
المتابع لمشوار (عبد السلام محمد) يجد أن أبرز أدواره كان في المسرح من خلال رائعة (الفرافير) تأليف الكاتب الكبير يوسف إدريس، وإخراج كرم مطاوع.
فرغم أن دوره في هذه المسرحية كان بطولة مطلقة، و(من الجلدة للجلدة) كما يطلقون على أدوار البطولة في الوسط الفني، لكنه نجح وتفوق وترك علامات بارزة في الأدوار الصغيرة التى قام بها.
(عبد السلام محمد).. أدوار لا تنسى
من الأدوار الصغيرة التى قدمها (عبد السلام محمد)، ولا تنسى له دور (فتوح) الشاب الدلوعة المخنث في مسرحية (سكة السلامة) رائعة سعد الدين وهبه، وإخراج سعد أردش.
ودور الفلسطيني الخائن في فيلم (الانتفاضة)، تأليف وإخراج أحمد الخطيب، بطولة كوكبة من نجوم مصر والعالم العربي مثل (فريد شوقي، ماجدة الخطيب، منى واصف، يوسف شعبان، جهاد سعد، محسنة توفيق، جميل راتب) وغيرهم.
وأيضا دوره المؤثر في فيلم (سكة سفر)، تأليف وإخراج بشير الديك، بطولة (نور الشريف، ونورا، وعايدة عبدالعزيز، وعلي الشريف)، حيث جسد دور (مسعود) الفقير البائس الحافي، الذي يعمل في (الملاحة)، الذي يحلم بالحب والزواج من (ظريفه) ليجد بيت يأويه.
كما لا يمكن أن ننسى دوره الرائع في فيلم (الدرجة الثالثة)، تأليف ماهر عواد، إخراج شريف عرفه، بطولة سعاد حسني، وأحمد زكي، حيث جسد دور سائق الاوتوبيس السابق سعد.
ودور (النص) اللص التائب والصديق الوفي الذي يلجأ إليه (جابر عبد الواحد) في شدته، فيقف بجواره ويسانده، في فيلم (دائرة الانتقام) تأليف إبراهيم الموجي، إخراج سمير سيف، بطولة (نور الشريف، ميرفت أمين، يوسف شعبان، صلاح قابيل، إبراهيم خان، شويكار) وغيرهم.
ورغم قصر دور (الراعي) الذي جسده (عبد السلام محمد) في مسرحية (الفتى مهران) فقد نجح فيه، وترك بصمة واضحة مازالت محفورة عند عشاق المسرح المصري.
(محمد رضا) ينصحه بالتمثيل
هذه مقتطفات قليلة من أدوار كثيرة برع فيها الفنان (عبد السلام محمد)، الذي أحب التمثيل منذ الصغر، وكان عضوا بارزا في فريق التمثيل في مدرسة (النيل) الثانوية بشبرا.
وأثناء تقديمه لأحد المسرحيات في نهاية العام، وقت أن كان النشاط المسرحي مزدهرا في مدارس الأربعينات والخمسينات، نصحه الفنان (محمد رضا) مفتش المسرح التمثيلي بالالتحاق بمعهد الفنون المسرحية بعد حصوله على التوجيهية.
وبالفعل توجه (عبد السلام محمد) إلى المعهد الفنون المسرحية، وهناك قابل عمالقة كان يحلم بهم ويتمنى أن يراهم وجها لوجه مثل (جورج أبيض، أحمد علام، عبدالرحيم الزرقاني، نبيل الألفي) وغيرهم.
وكان أشهر زملاء دفعته (عايدة عبدالعزيز، رجاء حسين، عزت العلايلي) وكان (عبد السلام محمد) متميزا جدا في مشروع التخرج حيث قام ببطولة مسرحية (ثمن الحرية) تأليف إيمانويل روبليس، إخراج نبيل الألفي، وقام فيها بدور (الخزاف).
وبعد تخرجه من المعهد عام 1958 عُين في المسرح القومي، فتعلم الالتزام من (أمينة رزق، وحسين رياض، وفؤاد شفيق، وحسن البارودي) وغيرهم.
(السلطان الحائر) و(كوبري الناموس)
في المسرح القومي شارك في العديد من المسرحيات التى تعتبر علامات بارزة في المسرح القومي، منها (السلطان الحائر) تأليف توفيق الحكيم، إخراج فتوح نشاطي.
و(كوبري الناموس)، تأليف سعد الدين هبه، إخراج كمال ياسين، حيث جسد دور (النص) الصعلوك الذي يمضي أوقاته في المدينة، ويعيش على السرقة ليعود آخر الليل ويتخفى عند كوبري الناموس.
وقد جعله (سعد الدين وهبة) يستنطق (خضرة/ سميحة أيوب) بطلة المسرحية التى تقبع عند الكوبري، حيث يتجمع الكل عند عشتها لتقدم لهم الشاي والطعام، وتحلم بالأمل المقبل، ويدور بينها وبين (النص) حوار محوري حول الخط الرمزي لشخصية (خضرة).
وتوالت المسرحيات والأدوار التي لعبها (عبد السلام محمد)، مثل (السبنسة، سكة السلامة، ثلاث ليالي، كوابيس في الكواليس، الفتى مهران، ليلة جواز سبرتو، دون كيشوت، أيام الوسية، عيلة الدوغري..
والمسامير عفاريت مصر الجديدة، والزير سالم، علي جناح التبريزي وتابعه قفه، شدي حيلك يا بلد، عالم علي بابا، برج المدابغ) وغيرها.
(عبد السلام محمد) والفرافير
يعتبر عام 1964 عاما متميزا في حياة (عبد السلام محمد)، فبعد عدة أدوار صغيرة لكنها مهمة في المسرح القومي، كان الفنان الشاب يبحث عن دور يميزه على خشبة المسرح.
وأثناء ذلك جاء المبدع (كرم مطاوع) من بعثته في الخارج، وكان مليئا بالطموح والجرأة والتحدي والإشراق والأمل، ووقع في حب وهوى مسرحية (الفرافير) للكاتب المشتعل توهجا يوسف إدريس.
وقام (كرم مطاوع) بإخراجها، وأثناء ذلك صادفه مشكلة في العثور على بطل لمسرحيته الجديدة، ورغم وجود العشرات من نجوم المسرح الكبار الذين شهد لهم المسرح المصري بروعة أدائهم، لكن (كرم مطاوع) فاجأ الجميع باختياره (عبد السلام محمد) بطلا لعرضه.
ووجد (عبد السلام محمد) أن فرصة العمر جاءته بعد حوالي ست سنوات من تخرجه من معهد الفنون المسرحية، فأخذ الدور وطار وحلق به في سماء الإبداع الفني.
وبهر الجمهور بشخصية (عبد السلام محمد) ووجوده حين جسد شخصية (الفرفور) هذه الشخصية الغنية بكل مافيها من مرح وذكاء وخفة وسخرية، ونظرة غاضبة وساخطة على أوضاعها متطلعا إلى العدالة والانسجام باسم الإنسانية، وباسم قوانين الحياة كما يجب أن تكون.
عبد السلام محمد.. (ليلة جواز سبرتو)
بعد 13 عاما من بطولته لرائعة (الفرافير) تعانق البطولة المطلقة (عبد السلام محمد) مرة أخرى من خلال مخرج جديد آخر قادم للمسرح بأحلام كبيرة وهو المخرج )فهمي الخولي) الذي قدمه كبطل مطلق في مسرحية (ليلة جواز سبرتو) عام 1977.
وهى مسرحية مأخوذة عن الأصل الفرنسي (زواج فيجارو) من تأليف (بومارشيه)، ترجمة (فتوح نشاطي، وأنور عبدالله)، وأعد المسرحية باللهجة العامية المصرية الشاعر (عبدالرحمن الأبنودي).
لكن هذه المسرحية لم تحقق النجاح الكبير الذي حققه (عبد السلام محمد) في (الفرافير) ولم تحقق له أيضا الثراء الذي ينقذه من المعاناة والمتاعب المادية خصوصا بعد أن تزوج وأصبح له بنتان، فواصل العمل في الإذاعة والتليفزيون والسينما ليضمن الدخل المادي الأساسي.
الحرام والسيرك
تطارد لعنة الأدوار الصغيرة الفنان (عبد السلام محمد) من المسرح إلى السينما، فيشارك في بطولة العديد من الأفلام لكبار نجوم التمثيل والإخراج، التى شارك فيها بأدوار بسيطة مثل (الحرام) من إخراج بركات.
و(السيرك) من إخراج عاطف سالم، و(يوميات نائب في الأرياف) إخراج توفيق صالح، و(سوق الحريم) إخراج يوسف مرزوق، (لعبة كل يوم) إخراج خليل شوقي، (مدرستي الحسناء) إخراج إبراهيم عمارة و(دنيا) إخراج عبدالمنعم شكري.
كما قدم أدوار في (شارع الملاهي، المتمرد، قهوة المواردي، الغول، الفرن، كلاب الحراسة، المطارد، سمارة الأمير، حنفي الأبهة، نور العيون، الجبلاوي، فضيحة العمر، أصدقاء الشيطان، زمن حاتم زهران، ضربة شمس، إسكندرية ليه) وغيرها.
وفي كل هذه الأدوار كان عبدالسلام محمد إضافة كوميدية وإنسانية تترك بصمتها على عقول وقلوب المشاهدين والنقاد.
عبد السلام محمد و(البلهارسيا)
رغم كثرة أدوار (عبد السلام محمد) في كل مجالات الفن سواء المسرح أو السينما أو التليفزيون، والأخير ظهر فيه من خلال العديد من المسلسلات المهمة كان أولها (الساقية) إخراج نور الدمرداش مع بداية التليفزيون.
ومسلسلات أخرى مثل (نجم الموسم، أفواه وأرانب، الأيام، صرخة برئ، النديم، الكتابة على لحم يحترق، علي الزيبق، برديس) وغيرها.
لكن الجمهور البسيط نسى كل هذه الأدوار، وارتبط اسم الفنان بإعلان حملة التوعية ضد مرض (البلهارسيا)، وتدعو الحملة الجمهور خاصة في الريف المصري بالامتناع وعدم النزول إلى الترع والمياه الراكدة.
الرحيل القاسي
في شهر رمضان عام 1992 شعر (عبد السلام محمد) بالتعب فرقد في مستشفى (العجوزة) ليعالج من التهاب الأعصاب، وفجأة يصاب بالتهاب في الحنجرة فيحتبس صوته ويظل لأكثر من شهر ونصف حبيس الصوت غير قادر على الكلام إلا بصوت محشرج.
وبعد يومين يكتشف الأطباء أنه مصاب بالمرض الخبيث في حنجرته، وأنه لابد من إجراء جراحة لاستئصال الورم السرطاني من الحنجرة، وأن ذلك لن يتم إلا باستئصال الحنجرة.
وذلك يعني أن يفقد صوته الذي هو رأس ماله الفني الأساسي، ولأن مثل هذه العمليات تحتاج إلى دقة ومعدات كان من الضروري سفره للخارج.
وتتحرك وزارة الثقافة وتتعجل أمر بت طلب سفر الفنان، وعلاجه على نفقة الدولة، وتأتي الموافقة، لكن بعدما كان (عبد السلام محمد) فارق الحياة في شهر يونيو عام 1992.