بقلم الإعلامي: علي عبد الرحمن
هذه الكلمة التي يرددها الصائم عندما يتعرض لشيئ لايتفق مع آداب الصيام ولا ينسجم مع روحانيات الشهر الكريم، ومع إعلان دار الإفتاء عن بدء أيام شهر الصوم انفجرت مواسير الإعلام من إعلانات راقصة، غالية التكلفة من خلال نجوم تكررت إعلاناتهم من الملابس الداخليه حتي القصور والفيلات دون مراعاة لظروف شعب طاحنة يسعي كادحا وراء كسب قوت يومه، بل وإزداد به عدد المتسولين، وتنوعت فئاتهم، وانضم إليهم حملة المؤهلات وكبار السن سيدات ورجال ممن قست عليهم ظروف الحياة فأخرجتهم من دائرة الكفاف إلي طريق التسول.
ثم تلا هذا السيل من الإعلانات الراقصة، سيل آخر من برامج التفاهة والفضائح والأمور الشخصيه والمقالب التي لايروق لها عقل مصري مطحون مهموم بقوت يومه ومتطلبات أسرته، ثم جاءت عشرات المسلسلات التي تكلفت إنتاجا وبثا مليارات الجنيهات لتؤكد علي ملامح مجتمع الدراما وليس ملامح شعب مصر من خيانة ودعارة وقتل وبلطجة وأفكار هدامة، اللهم ماعدا (رسالة الإمام) و(الكتيبه 101)، ومما زاد الطين بله سيل إعلانات الجمعيات الخيريه باهظة تكاليف الإنتاج والبث، والذي يتعدي عشرات المليونات التي تبرع بها أهل الخير تضرعا وخفية، ولم يكن يدري هؤلاء المتبرعون أنهم يتبرعون لإنتاج إعلان مصور يتقاضي فيه النجوم أجورا باهظة.
كان من الممكن أن تصلح هذه الملايين أحوال كثير من أهل مصر الغلابة ولاننسي سباق شركات الاتصالات التي تكسب من الهواء لإعلانات رمضانيه بمشاركة ألمع النجوم برقصات وأزياء تتجاوز أخلاق شهرنا الكريم ولا تعر اهتماما لظروف شعبه الكادح المطحون، وبرغم ذلك قدمت بنوك مصر دعما وشحنا وتحديا لإيجاد طاقة نور وأمل أمام أهل مصر البسطاء، ولقد خلت هذه السيول من برامج دينية عصرية تهون علي أهل مصر ظروف معيشتهم، أو برامج جادة وثقافيه تغذي عقول أهل مصر، أو برامج منوعات تقدم القدوه وتنافس بشرف وتزرع أملا داخل النفوس المطحونة.
ولو تخيلنا ماتم إنفاقه علي الإعلانات والبرامج التافهة والدراما المستفزة وإعلانات الشركات الكبري والجمعيات لتجاوزت في اقل تقدير ثلاثة مليارات جنيه!!!.. تخيل لو أعملنا قاعدة المسئولية المجتمعية للإعلام والكيانات الاقتصادية وأنشأنا صندوقا للدعم المجتمعي بهذه المليارات ونفذنا بهم إطعاما وكساءا وبناءا وتعليما وسدادا لديون البعض وتطويرا للخدمات الصحية والتعليمية وغيرها، أما كان ذلك أكثر فائدة للمجتمع وأهله وأكثر وقارا للشهر وتقاليده، وأكثر فرحة للوطن وأهله، وأكثر احتراما لهوية شعب وروافد ثقافته؟.
وكان من الممكن أيضا أن نضع أسماء هذه الشركات والجمعيات والبنوك والنجوم والمنتجات علي رخاميات هذه المشروعات ليظل إعلانهم خالدا محفورا ومحبوبا ومقبولا من أهل مصر وأكثر فائدة لأهل الإنفاق الباهظ في رمضان، وحتي نكمل قراءة المشهد الإعلامي المصري الرمضاني فلابد ان نذكر هنا أن الشركة المنتجه لغالبية هذه الإعلانات المتنوعه والدراما المتعدده هى شركة واحدة هى الوحيده التي تكسب في رمضان من إنتاج الإعلانات وبثها أيضا ضمن منظومة الاحتكار لكل مراحل عملية الإنتاج الاعلامي من الإنتاج حتي البث، حيث تمتلك الشركه نفوذا طاغيا أهلها لكل ذلك دون أدنى منافسة تذكر!!!
وبعيدا عن كل هذا الخروج علي مألوف الشعب المطحون والشهر الفضيل تأتي برامج الطبخ لتعرض أنماطا من الوجبات يسيل لها لعاب الصائم المطحون دون مراعاة لمن لايملك ثمن (أكلة كشري، أو فول أو جبنة أو حتي أرجل وهياكل الطيور!
والسؤال: هل توافق مؤسساتنا الدينيه علي ذلك؟، وهل توافق حكومتنا علي ذلك؟، وهل يشاهد مجلسنا الأعلي لتنظيم الإعلام ذلك؟، بل هل عنده فكرة مسبقه عن محتوي هذه الشاشات؟وهل قام بدوره في التوجيه والتنظيم؟وهل يراعي هو نفسه ظروف الشعب والشهر؟، وهل سيتخذ موقفا مهنيا من ذلك؟، وهل نقابة الإعلاميين تراقب المشهد؟، وهل ستوجه وستحاسب وستوقف هذا السيل من الإستفزازات؟، أم نحن بحاجة إلى هيئة عليا لمراقبة البث، ولجنة عليا لمراجعة المحتوي، ومجلسا أعلي للتنظيم يقوم بدور وطني جاد، ودور لخبراء الإعلام وأساتذته، وآخر لخبراء المجتمع المدني ورواده.
رفقا بشعب أثقلته ظروف المعيشة، وبشهر نبتغي فيه مرضاة الله، وبوطن نعيش فيه ونحلم له، وهوية نخشي ضياعها، وجيل نخشي إضاعته، وسمعة شعب ووطن نالها الكثير مما تبثه الميديا، وبأموال طائله شعبنا المطحون أحوج إليها، وكلمة للذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وحسبنا الله، واللهم إني صائم تجاه مايبث ويذاع، وحمي الله مصرنا وشعبها وأصلح إعلامها..اللهم آمين.