بقلم: محمود حسونة
قبل أن تهب علينا نسائم شهر الصيام هبت زوابع الدراما الرمضانية، وأُثير الكثير من الجدل حول بعض المسلسلات، وتم حذف بعض الأعمال من خريطة العرض بشكل مفاجئ بعد أن تم الإعلان سابقاً عن تصويرها وعرضها خلال رمضان من دون توضيح سبب أو مبرر للحذف مما دفع الناس على مواقع التواصل للتسابق في التكهن وإرجاع أسباب الحذف لعوامل سياسية.
الجدل كثير جداً، ولعل السبب في ذلك حالة التعتيم التي أصبح يمارسها القائمون على الانتاج الدرامي والفني، بعد أن كان السابقون يحرصون على إشراك الجمهور معهم في خطوات التحضير والتصوير من خلال الصحافة. في الماضي كان الناس يتابعون مراحل صناعة العمل الفني خطوة خطوة، باعتبار أنه عمل لهم وإليهم ولن ينجح إلا بهم، واليوم أصبح تسريب خبر عن عمل فني يتم تصويره أو عن مضمونه أو عن أبطاله سر كبير، وتصل المبالغة إلى حد منع أي عنصر مشارك بالافصاح عن أي تفاصيل، وتهديد الجميع بالويل والثبور وعظائم الأمور حال خان أي منهم الوعد وكشف المستور أمام (الأعداء المنافسين)، وكأن الكل يخشى أن يسرق الآخر أفكاره وإبداعاته، رغم أن القائمين على العملية الابداعية يدركون قبل غيرهم أن القليل من الفن هو الذي يأتي بجديد والكثير منه يستوحي أفكاره من أعمال سابقة بصياغة جديدة وممثلين مختلفين.
التعامل مع العمل الفني على أنه سر عسكري لا يتم الكشف عنه سوى بعد تنفيذه، من الأسباب الرئيسية لحالة الجدل التي نعايشها في كل موسم، حيث يفاجأ الناس بأفيشات الأعمال من دون أن يكون لديهم أي سابق معرفة بالقضية التي يطرحها، ولا بمحاور العملية الابداعية المختلفة، وهو ما يمنحهم الفرصة لترك العنان لخيالهم للتكهن، والهجوم أو المديح العشوائي، ولا يخفى على أحد أن كل من المهاجمين والمادحين يتخذون مواقفهم حسب ميولهم العقائدية واتجاهاتهم الفكرية، ويكفي أن يخرج فرد ينتمي لتيار فكري معين مهاجماً حتى يلحق به باقي أفراد القطيع من دون وعي أو تدقيق، والعكس صحيحاً عند المادحين.
من أكثر الأعمال التي أثارت لغطاً وجدلاً وكادت أن تتسبب في فتنة بين المسلمين، مسلسل (معاوية) والذي لم يتضح بشكل حاسم إذا كان سيعرض أم لا قبل ساعات من بداية الشهر الكريم، وقيل في بيان رسمي أنه تم تأجيله، وقيل أيضاً نقلاً عن مصادر وصفت بالمسؤولة أنه سيعرض، ولكن خلت إعلانات منصة شاهد عن الأعمال الرمضانية منه، وقيل أن التأجيل لأسباب سياسية، وأن القرار اتخذ بعد الاتفاق السعودي الايراني، وكان العراقيون هم الأكثر جدلاً عنه، ووصل الأمر إلى تدخل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر للمطالبة بمنع عرضه حتى (لا يجرح مشاعر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها)، واتخذت الجهات المعنية في العراق قراراً بمنع عرضه على الشاشات العراقية، وانتقاماً من إنتاج مسلسل عن حياة معاوية أعلنت إحدى الجهات إنتاج فيلم باسم (شجاعة أبو لؤلؤة) يمجد في قاتل الخليفة العادل عمر بن الخطاب!
من حق الدراما أن تضيء على حياة الشخصيات التي صنعت تاريخنا، ولكن قبل أن نتحمس للشخصيات الخلافية فنحن نحتاج إلى الشخصيات التي تلقى إجماعاً في التاريخ الاسلامي والعربي، خصوصاً أننا أكثر احتياجاً لاستدعاء سيرة الشخصيات التي تجمع ولا تفرق، في زمن سادت فيه الفرقة، وانقسمنا إلى شيع وجماعات وأحزاب، يرى كل منها أنه الصح وما عداه خطأ، وكأن الصح أصبح احتكاراً للبعض دون البعض الآخر !!
الغريب أن القائمين على الانتاج الدرامي يستمتعون بالجدل، وكأنهم يرونه دليلاً على أنهم يسيرون في الطريق الصائب، ولا يكلفون أنفسهم عناء الرد على الجدل ويقطعون شك الناس باليقين، فهم يريدون حالة من التيه الفكري، ولا يدركون أن هذا التيه قد يقود إلى فتنة لا تحمد عقباها وتضاف إلى رصيد تاريخنا المتخم بالفتن.
(معاوية) يشارك في بطولته لجين إسماعيل (معاوية بن أبي سفيان)، أسماء جلال (زوجة معاوية)، إياد نصار (علي بن أبي طالب)، أيمن زيدان، سامر المصري، سهير بن عمارة (هند بنت عتبة والدة معاوية) وائل شرف (عمرو بن العاص)، العمل من تأليف خالد صلاح، وإخراج طارق العريان، وتبدأ أحداثه بعد وفاة عثمان بن عفان وتولي علي بن أبي طالب وتتواصل مستعرضة الأحداث حتى تولي معاوية وتكوين الدولة الأموية، وهي مرحلة التقلبات الشديدة والمؤامرات الكبرى والفتن السياسية التي تم استغلالها دينياً ولا زلنا ندفع ثمنها حتى اليوم.
عندما حذفت منصة شاهد بوستر مسلسل (الزند: عاصي الذئب) للنجم تيم حسن، بدأت حالة من البلبلة الفكرية عند الجمهور، ولم تكلف الجهة المنتجة والعارضة للمسلسل نفسها عناء إصدار بيان يريح الناس ويقول لهم الحقيقة، حتى أعادوا البوستر بعدها بأيام بعد إجراء تعديلات عليه!.
من الزوابع الشديدة التي هبت على رواد مواقع التواصل، مسلسل (تحت الوصاية) للنجمة منى زكي، الذي تحول الهجوم عليه ترينداً بمجرد الكشف عن بوستره، وكان الهجوم قاسياً وحاولت خلاله كتائب الإرهاب الاليكتروني تشويه صورة منى مستخدمين أبشع الألفاظ والشتائم وكل أساليب التجريح، وبعد أن تم نشر إعلان ترويجي قصير عنه ركبت منى مرة ثانية التريند ولكن هذه المرة مديحاً وثناءً على أدائها، وما بين تريند الهجوم وتريند المديح أيام معدودات وهو ما يكشف أن قطاع عريض من الناس ارتضى لنفسه أن يكون ضمن قطيع تحركه أيديولوجيات متطرفة غالباً ومعتدلة نادراً لتصفية حسابات سياسية مع الفنانين.
هذه مجرد نماذج من الزوابع التي يسببها التعتيم الاعلامي على الأعمال الفنية واستهانة القائمين على الانتاج بالجمهور المستهدف، مما يخلق بيئة للشائعات والجدل واللغط الذي يقسم المجتمع ويشغل الناس بتوافه الأمور.
مقال رائع عن لصوص رمضان فهو شهر العبادات والطاعات ولكن هناك من احترف فيه السرقة فيسرق منا الفضائل والأوقات فمن هؤلاء السرّاق؟
أشكرك