رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود عطية يكتب: (التشخيص) والنهيق لا يقيم دوله!

محمود عطية يكتب: (التشخيص) والنهيق لا يقيم دوله!
هل هو إلهاء أم هوس هل هو انبهار السلطة بالرداءة أم زواج غير شرعي بين الدولة والسطحية

بقلم المستشار: محمود عطية *

ما الذي يحدث في هذه البلاد المنكوبة التي لم يعد فيها للمنطق مكان ولا للعقل مستقر ما الذي يجعل دولة كبرى بحجم مصر يختصر همها الوطني وخيالها القومي وعصبها الإنتاجي كله في (التشخيص) من خلال مشهد تافه لصدر نافخ أو نهد نافر أو غناء متدحرج بين الصراخ والجعير؟

ما الذي يجعل دولة عمرها سبعة آلاف سنة تنحني لهذا الحد أمام مجموعة من المعنيين بـ (التشخيص) والمغنين والمهرجين والراقصات ومعدومي الموهبة وأرباب السوشيال ميديا وناشري البذاءة والانحطاط الأخلاقي تحت مسمى الفن والدولة، تبارك وتدعم وتفتح ذراعيها وتغدق الأموال من عرق هذا الشعب الكادح المطحون، ثم تأتي وتحدثك عن الوطنية والتنمية والنهضة والعبور إلى المستقبل؟

هل هذا هو العبور حقًا أن نعبر من حقل الألغام إلى حفلة رأس السنة أن ننتقل من طوابير العيش إلى صفوف (مهرجان الجونة) أن نحول البنية التحتية من مدارس ومستشفيات إلى استوديوهات ومهرجانات وإعلانات عن أفلام أقل ما توصف به أنها إهانات جماعية للذوق العام ومنظومة القيم المصرية؟

هل هو إلهاء أم هوس هل هو انبهار السلطة بالرداءة أم زواج غير شرعي بين الدولة والسطحية، تمامًا كما حدث بعد حركة يوليو 52 حين أصبحت المشخصاتية ضيوف الشرف في قصور الحكم وسهرات السلطة ومفاتيح الإعلام والوجاهة والمال والسلطة؟، التاريخ يعيد نفسه لكن بطريقة أكثر وقاحة الدولة لم تعد فقط تبارك الوسط الفني.

بل صارت ترعاه وتنتجه وتديره عبر شركات إنتاج عملاقة تابعة للأجهزة هدفها المعلن دعم القوى الناعمة والهدف الحقيقي نشر التفاهة وتشتيت العقول وغسل الأدمغة وتصدير الوهم المعلب لشعب يئن تحت وطأة الجوع والقهر والتضخم وانهيار التعليم والصحة والأخلاق.

محمود عطية يكتب: (التشخيص) والنهيق لا يقيم دوله!
المهرجات من أبرز المنتجلت القذرة

منتجي المحتوى القذر

هل من المنطقي أن يكون للفنانة التي تنشر صورها شبه عارية على إنستغرام قيمة أكبر من أستاذ جامعي أو طبيب في مستشفى حكومي أو باحث في معمل أو مهندس في مصنع هل يعقل أن تنال الراقصة الحصانة والضوء والتمويل بينما يُترك العلماء الحقيقيون يبحثون عن لقمة العيش أو يهيمون في بلاد الله بحثًا عن احترام.

والأدهى أن الدولة نفسها أقامت شركة ضخمة للإنتاج خصيصًا لتصب الملايين في جيوب هؤلاء من أهل (التشخيص) ومغني الزعيق ومنتجي المحتوى القذر، وتمنحهم كل أدوات القوة من تسويق ودعاية وحماية وحصانة بينما تسحق بقية القطاعات تحت شعارات التقشف وإعادة الهيكلة.

بل إن كثيرًا من أهل (التشخيص) الذين صاروا اليوم مدللي النظام كانوا من أبرز المحرضين على الخراب في 25 يناير ساهموا في التحريض والانفلات والمراهقة الثورية.

وعندما انهار كل شيء التقطهم النظام ووضعهم على رأس موكبه الجديد نسي جرائمهم وصفق لهم لأنهم يجيدون وظيفة واحدة فقط ملء الفضاء العام بالضجيج والسخافة، ومنع التفكير الجاد في أي شيء يخص مستقبل هذا البلد الا التفكير في الغرائز والجنس

أصبحت مصر اليوم تسير على إيقاع (التشخيص) وأنغام المهرجانات وسيناريوهات التفاهة وبذاءات المحتوى، لا فرق بين منصة أفلام ومسلسل رمضاني وحوار تلفزيوني ووصلة راقصة كلها تدور حول رسالة واحدة مفادها لا تفكر لا تعترض لا تسأل فقط اضحك على نكتة رخيصة أو اغرق في أغنية مبتذلة، ىأو تابع فضيحة أخلاقية.

المشهد عاري لبنت ترقص على تيك توك أو شاب يشتم على لايف ثم تنسى أنك بلا تعليم بلا صحة بلا أمل وأن وطنك يُدار كأنه شركة لإنتاج النجوم المزيفين وأن خزينة بلدك تُنهب على يد من لا يقدمون شيئًا إلا المزيد من السقوط الأخلاقي والابتذال الإعلامي

أما العرب الذين نسير على خطاهم فهم في غيهم يعمهون ومعهم العذر فهم أهل ثراء لا يعرفون الألم عاشوا النفط لا الثورة فلهم أن يتسلوا ويصرفوا على البذخ والمجون، ولكن مصر التي تتعفن أطرافها من الفقر والتي يعيش نصف شعبها تحت خط الفقر لا عذر لها في أن تسرف على مهرجانات الغناء وجوائز الرقص وتكريمات الممثلات والموديلات.

وكأنها تهرب من جحيم الواقع إلى فردوس الزيف كأنها لا تريد أن تواجه مشكلاتها الحقيقية بل تفضل أن تغني وترقص وتجعجع فوق أنقاضها وتحطم اي امل لشبابها واحلامهم حتي بفتح بيت صغير.

محمود عطية يكتب: (التشخيص) والنهيق لا يقيم دوله!
الميل إلى السطحية والشهوات الحيوانيه والتفاهة عبر ساقطات تبعن شرفهم وجسدهم

تربي جيلًا على البلادة

ما هذه الدولة التي لا تمنح العالم ولا تبني وطنًا بل تربي جيلًا على البلادة والنفاق والتقليد الأعمى والميل إلى السطحية والشهوات الحيوانيه والتفاهة عبر ساقطات تبعن شرفهم وجسدهم برعاية، فمن أين جاء هذا العشق السلطوي لهذا الوسط المتلون الذي يغير جلده حسب الحاكم ويهتف باسم كل من يجلس على الكرسي من الملك إلى الرئيس إلى المجلس العسكري من مبارك إلى مرسي إلى السيسي.

وهم في كل مرة مع النظام وضد الشعب كلما ثار وصرخ وطلب حقوقه وجدهم في الصف الآخر يرقصون على دمه ويضحكون على آلامه

ما الذي يجعل الدولة تختار أن تقيم عشرات المهرجانات في العام الواحد وتستضيف مطربين بلا موهبة وممثلات تخصصوا في (التشخيص) بلا قيمة وتحتفي بهم، كما لو كانوا رواد نهضة أو صناع مجد بينما البلد كله يتهاوى تحت عجز في الميزانية وموجات غلاء وانهيار في الجنيه؟

ما الذي يجعل الإعلام مكرسًا لتغطية أخبار الفنانة الفلانية التي انفصلت عن زوجها والمطرب العلاني الذي اشترى سيارة جديدة والممثلة التي سافرت إلى جزر المالديف، ومن إقامة علاقه غير مشروعه؟، كل ذلك يجري على شاشاتنا وصحفنا ومنصاتنا الرسمية بينما لا أحد يتحدث عن أنين المرضى في المستشفيات أو جوع العمال في المصانع أو فقر الفلاحين أو يأس الشباب العاطل أو انتحار الطلاب

إن ما يحدث هو خطة شيطانية لإبقاء هذا الشعب في غيبوبة دائمة ألا يفيق ألا يفكر ألا يثور، وإحدى أدوات هذه الغيبوبة هو هذا الوسط الفاسد الذي يسمونه زيفًا فنًا، وهو في الحقيقة أقرب إلى الدعارة الفكرية والتسول العاطفي والعهر القيمي وأكثر من ذلك أنه صار سلاحًا في يد السلطة تدفعه حيث شاءت لينشر السموم، ويبرر الخراب ويصنع من الحاكم معجزة ومن الانهيار إنجازًا ومن القبح جمالًا.

الفن الحقيقي لا يُهان بهذه الطريقة ولا يُستخدم كهراوة لضرب الوعي ولا يُباع على قارعة الطريق مقابل دور بطولة أو حفنة ملايين الفن، حين يتحول إلى أداة للزيف يصبح أخطر من أي سلاح دمار شامل لأنه يقتل العقول ويغسل الأدمغة ويصنع واقعًا وهميًا يظن الناس فيه أنهم يعيشون في نعيم بينما هم في الجحيم

وفي النهاية فإن من يصنع مجد الأمم ليسوا الراقصات ولا مطربي المهرجانات ولا صناع (التشخيص) والتفاهة، بل هم العلماء والمفكرون والمبدعون الحقيقيون الذين لا يجدون دعمًا ولا تمويلًا ولا ضوءًا.

لأنهم ببساطة لا يرقصون ولا يصرخون ولا يصنعون محتوى يتماشى مع عقلية السلطة المهووسة بالتصفيق على الخراب وصدمة اللحم الطري والصدور العاريه والنضال بالفخاذ والتمثيل بخلع الكلوتات للاسف.

* المحامي بالنقض – منسق ائتلاف مصر فوق الجميع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.