عصام السيد يكتب: ذئاب (الفيس بوك)..!

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
(لا أدرى كيف ترعرع في وادينا الطيب هذا القدر من السفلة و الأوغاد).. تذكرت هذا البيت للشاعر الكبير صلاح عبد الصبور من مسرحيته ليلى و المجنون و أنا أطالع التعليقات على إحدى وسائل التواصل الاجتماعى (الفيس بوك) في الأسبوع الماضى في ثلاث موضوعات مختلفة، الأولى هى الزوبعة المثارة حول شكوى الفنانة مشيرة إسماعيل) من وجود عيادة بيطرية في العمارة التي تقطن بها.
اعتقدت في البداية أنه قد يوجد بعض العذر للناس الذين لا يعرفون الوقائع على وجهها الصحيح، ولا يعرفون مواد القانون و إنما تأثروا بالأقوال المضادة، وصمت الفنانة – التي نقدرها و نقدر صمتها – عن الرد على الادعاءات بأنها استغلت سلطاتها كى تغلق العيادة.
لذا قد نفهم انحياز الناس على (الفيس بوك) لأحد الأطراف ونقد تصرف الطرف الآخر، ولكن مع توالى التعليقات وخروجها عن حد اللياقة وجدت أنه لا عذر في أن نترك الواقعة لننقد الشخص نفسه والتطاول عليه و وصفه بصفات مسيئة.
وخرجت ذئاب (الفيس بوك) ترتدى مسوح المتدينين والمهتمين بحقوق الحيوان تنهش الفنانة متغافلين عن قول رسول الله صلوات الله و سلامه عليه: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)، و قوله (أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك)، ولكن الذئاب أخذت تبكى على خطايا غيرها، وأقامت من نفسها آلهة تحاسب البشر!
والموضوع الثانى هى التعليقات على المشاكل القائمة بين أحد النجوم وزوجته الإعلامية – التي نأبى الخوض فيها – فكان السبب الرئيسى لانطلاق الذئاب ما نشره الفنان على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) برغم نفيه له فيما بعد.

ذئاب استغلت الفرصة
ولكن ذئاب (الفيس بوك) استغلت الفرصة للطعن في أعراض كل الفنانين، و لأنها ذئاب نست أن الله يبغض الفاحش البذئ، كما قال نبينا الكريم: (وأن المؤمن ليس بالطعان و لا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ.
والواقعة الثالثة – وهي الأغرب – هو رد الفعل من خلال التعليقات على نشر أسماء المقبولين في ورشة يقيمها المهرجان القومى للمسرح، ويتولى التدريب فيها الدكتور محمد عبد الهادى!، فلم استطع فهم هذا التجاوز في حق واحد من أفضل مدربى التمثيل في مصر و أقدمهم.
هل أعمى الغضب أصحاب التعليقات لدرجة أن يتطاولوا على الرجل وعلى المهرجان وهم يعلمون أن من حق المدرب أن يختار متدربيه؟، وأن المهرجان مشكور لإقامة ورش مجانية، كان من الممكن أن يريح المسئولون عنه أنفسهم ولا يقيمونها!
ألم يعلم هؤلاء المهاجمون أن تلك رسالة سلبية لأى مسئول أن يبتعد عن خدمة الناس ويؤدى العمل المنوط به فقط ولا يسعى للخدمات الحقيقية والمؤثرة؟، وكيف يتحول ساع إلى العلم الى ذئب ينهش لمجرد أنه لم يتم قبوله في الورشة؟، كيف سيواجه الدكتور (عبد الهادى) لو اتيحت له فرصة الالتحاق بورشة أخرى يقيمها؟
كانت تلك الوقائع قد كشفت عن أُناس تحولوا الى ذئاب تمارس النهش على وسائل التواصل (الفيس بوك) بما ينم عن طاقة رهيبة من العدوانية تملكت نفوس كثير من البشر، هذه الظاهرة تستحق منا التوقف طويلا أمامها والمسارعة لعلاجها قبل أن تهدد السلام الاجتماعي، ومن بعده سلامنا السياسى وسلامة مجتمعنا من الانهيار.
قد يعتبر البعض أن ما أقوله من باب المبالغة ولكنى أشم رائحة حريق قادم يغذيه غضب لم يعد مكبوتا، و تتزايد تلك الرائحة وتنتشر كلما ازدادت الضغوط الاقتصادية، و على المسئولين عن سلامة هذا المجتمع أن ينتبهوا ولا يتهاونوا، خاصة و أن رأس الدولة – السيد الرئيس – قد حذر عدة مرات من هذا الانفلات، ودعي للعودة للتمسك بالأخلاق في عدة مناسبات.
في البداية كانت المسألة في إطار (الهبد) كما قال السيد الرئيس، والذى لا يخرج عن إطار الإفتاء في كل شيئ – و أى شيئ – سواء كنت تفهم فيه أو لا تفهم، فلقد انتشرت على وسائل التواصل تلك الفئة التي يقول عنها الفيلسوف الايطالى والأستاذ الاكاديمى (امبرتو إيكو) الذى كان باحثا وناقدا وأديبا.

إنه غزو (البلهاء)
وكتب كثيرا عن الاعلام ووسائل الاتصال وأسس قسما للدراسات الإعلامية : (أدوات مثل تويتر وفيسبوك) تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً، أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل.
إنه غزو (البلهاء)، ولكنه غزو تعود إلى الحكومة أسبابه أيضا، فغياب الشفافية و عدم توفر المعلومات الصحيحة والموثقة يزيد من انتشار الشائعات، ويوسع الطريق أمام (الهبد).
ولكن الحكومة لم تقف عند هذا، بل ساعدت على حالة التردى التي وصلنا اليها وانتقالنا من حالة (الهبد) إلى حالة السب، فلقد تغافلت عن التجاوزات التي كانت تتم على القنوات التابعة لها – وخاصة في البرامج الرياضية – وسمحت بألفاظ و تعليقات سخيفة و مبتذلة، ثم اتسعت حتى أصبحت تلك البرامج ساحات للسب.
وبعدها امتدت الظاهرة إلى برامج التوك شو، وبعدها قنوات النت، حيث اجتمع الناس حول فيديوهات (الردح و السب و القذف) واعتبروا صانعيها أبطالا وتم تداولها لتصبح بلغة العصر (ترند).
ومسئولية الحكومة هنا مضاعفة، أولا: لأنها لم تأبه للشائعات التي قالت أن هذا يتم بأمرها وتحت إشرافها لإلهاء الناس عن موضوعات أهم وأخطر في حياتهم، وثانيا: لأنها لم تنف – بالفعل لا بالقول – أن هؤلاء المتجاوزون يتمتعون بحمايتها، و لم تتخذ منهم موقفا رادعا ، مما جعل الناس تقلدهم.
و ثالثا: لأنها تعقبت كل رأى سياسى ينشر على مواقع التواصل و سارعت بمعاقبة صاحبه بينما تركت الباقين يمرحون ماداموا بعيدا عن الموضوعات السياسية!، مما أوعز للناس أن هناك قاعدة للسلامة والبعد عن العقاب هى (اشتم كما تشاء بعيدا عن الحكومة).
لم تدرك الحكومة أن هذا الانفلات خطير ولابد من مجابهته على الفور، فهى تملك ترسانة من القوانين التي تجرم كل تجاوز أو خوض في الأعراض أو حتى الإزعاج بتكرار التعليق السلبى على مواقع التواصل الاجتماعي، واكتفت بملاحقة (ناشرى الأخبار الكاذبة) من وجهة نظرها.
ولم تقم بدورها الأساسى وهو حماية الناس وقامت بحماية نفسها فقط، وهكذا خلقت لنا مجتمعا من الذئاب بعضهم يعيش تابعا لقطيع محترف يعمل مأجورا لخدمة شخص ما، أو ذئب هاوٍ يشتم مع الشاتمين ويمدح مع المادحين، أو هو ذئب منفرد يهوى التعبير عن احباطه و غضبه من خلف الشاشة و غالبا باسم مستعار.. هؤلاء جميعهم من سينطلقون ليحرقوا كل شيئ عند أول انفلات.
يا أيتها الحكومة الرشيدة: أوقفى سيل السفالات وأوقفى الذئاب على مواقع التواصل مثل (الفيس بوك) بترسانة القوانين التي تجيدين استخدامها لصالحك، دون حتى انتظار شكوى – التي لو تقدم بها شخص لمل من كثرة الإجراءات وطولها – و احجبى كل الحسابات المزيفة ، قبل ان تتحول طاقة الغضب تجاهك.
ويا أيها الناس اتبعوا قول الإمام الشافعى: (احفظ لسانك أيها الانسان.. لا يلدغنك إنه ثعبان .. كم في المقابر من قتيل لسانه.. كانت تهاب لقاءه الأقران).