
بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
يذكرنى (حمدي بلاط) دائما بالنبى سليمان.. كلما رأيته طاف في خيالى الحوار مع الهدهد حول بلقيس.. و حوار النمل لبعضه وخوفه أن تدهسه سنابك خيل جيشه بينما تغطى كامل المشهد ابتسامة النبى سليمان وشكره لله على ما حباه به من نعمة معرفته بلغة الكائنات جميعا..
هذا الرجل الذي أحبه ويحبه جميع الكائنات – عنيت الكلمة (الكائنات و ليس الناس) – من بلدته نبروه وغير نبروه .. الدكتور (حمدي بلاط).. أقف حائرا أمام شخصيته التي لم أصادف مثلها في حياتي.. حبه لكل الكائنات..و حب كل الكائنات له.. خصوصا القطط و الكلاب..
تمشي
فتتهز المواكب كلها مع موكبك
تنزل لبحر تلحق..
تلقي الموجه صبحت مركبك
تنطق..فيتحول تراب الأرض ورد في سكتك
يا بسمتك
مع كل أطفال العشش فوق الدروب
يا دقتك جوه القلوب
يا فرحتك يا حبيبي بالقمر اللي باصص ليك..
يبارك خطوتك
ماشي علي الطرقات.. ولي..
وارث قانون الحب من عثمان..
بلال.. صديق علي
بتخلي جيب كل اليتامي تتملي..
بالحنطة و القرش الحلال
الرحله فوق الاحتمال
بس انت دايما قدها
جوه جنينة صبر جاني وردها
الدنيا تخطب ودها
تتمد إديك لاجل ما تطبطب علي ضهر اليتامى..
يا كريم ويا الجميع
ع السكه تشبه الربيع
و تصلي ع الهادي الرسول
مليان يا صاحبي بالأصول
خيرك في كل مكان سيول
لو شفت دمعة ذل في عيون الولاد
تنزل دموعك ع الخدود
ياللي جميع أعمالك الطاهرة
بتشبه للسجود.

إنسان مهذب.. مؤدب
(حمدي بلاط).. إنسان مهذب.. مؤدب.. المادة لا تعنى له شيئا باستثناء أنها وسيلة لإسعاد الآخرين.. أمشي معه في الشارع.. فتنطلق أمامنا وخلفنا الكلاب والقطط وكأنها في سطوة مجال مغناطيسى يحيط بالدكتور (حمدي بلاط) أينما ذهب..
تعدو إليه من على الأرصفة البعيدة وتخرج من مكامنها أسفل السيارات المركونة ومن الحارات الجانبية لتنضم جميعها إلى موكب يحيطه، وهى تعبر عن حبها له بتحريك ذيلها والنظر إليه.. والسير بمحاذاته..
تبطئ إذا أبطأ وتسرع إذا أسرع.. يضع يده في جيبه ويخرجها بكميه هائلة من الحلوى يفض عنها ورقها و يرميها اليهم.. وحينما يعود لمكتبه يكون هناك موكب آخر من القطط و الكلاب ينتظره أمام نادي الزراعيين.. بعد دقائق يرسل لهم من يقدم لهم كل ما يحتاجونه من طعام.. لاحظت أن معظمها معلبات مستوردة يعلوها صورة كلب أو قط تبدو عليه إمارات النعيم ..
سألته: لماذا كل هذه المصاريف التي تصرفها على المعلبات الأجنبية رغم أنه يمكنك شراء بعض الأسماك الصغيرة وهى قليله الثمن لتقدمها لهم؟.. هم في الشارع اعتادوا الكل من القمامة.. أنت تفسد أخلاق قطط و كلاب شوارعنا يا دكتور!
ضحك الدكتور (حمدي بلاط) وهو يقول لي: (مش الإنسان بعد ما بياكل بيحتاج يحلي؟.. هذه المعلبات هي الحلوى التي أقدمها لهم بعد أن شبعوا من كل ما هو موجود في الشارع من مخلفات..أشعر بسعادة وهم يأكلون من الأطعمة المستوردة ويتقاسمون الطعام الذي أمامهم).
قلت له: كنت خائفا وأنا أسير جوارك.. الكلاب خلفنا وأمامنا تحوم حولنا وأنا لا أمن منهم من هو أليف ومن هو مسعور.. خاصة وأنه لدىّ عقده من الكلاب حتى ولو كانت كلاب مستورده..
بسبب هذا الكلب الذي كان يشبه الثور الهائج في حجمه وغضبته، والذي كان موجودا بشكل مستمر على بوابة فيلا الفنان (محمد نوح) ليمنع أي أحد من الاقتراب إلا إذا خرج له بعض من يسكن في الفيلا من الخدم ليمسك الكلب حتى يدخل الزائر..
كنت أشعر بكراهية خاصة يكنها ناحيتى هذا الكلب..لماذا؟.. لأنه كان يعلم جيدا أنني حضرت وفي نيتي المطالبة ببعض حقوقي المادية.. سألني (نوح) في أحد المرات ضاحكا: وكيف سيعرف الكلب أنك حضرت للمطالبة ببعض حقوقك منى؟

الكلاب لاتؤذي من يحسن إليها
قلت له: أنت تجعله يشم أغنياتي.. لذلك يتعرف علي شخصي بسرعة.. ضحك الدكتور (حمدي بلاط) وعلق على خوفي من الكلاب ظن قائلا لي: الكلاب لاتؤذ من يحسن إليها أو يقدم لها أي معروف..
عندما تسير ورائي لم يكن هذا انتظارا فقط لطعام أو شراب أقدمه لهم.. بل هو حب أودعه الله في قلوبهم بسبب أنني أحبهم، قلت له: ألا تخاف أن يغدر بك أحد الكلاب في يوم من الأيام؟
قال لي: لو كنت درست علم الحيوان كنت ستكتشف أن الكلب الذي يشعر بحب إنسان ما.. يحبه هو أيضا.. ويحميه من كل الأخطار التي يتعرض لها.. حتى القطط لديها القدرة على تشمم رائحة الهرمونات التي يفزها الجسم والتي تختلف بدرجة عصبية الشخص.
لذلك تميل الى ما يفرزه جسم الشخص الهادئ فتصعد لتجلس في أمان على ساقيه.. ولا يمكن أن تلمح مثل هذا المنظر مع شخص عصبى أو شرير.. حاولت تذكر هل فعلتها معي قطة من قبل؟ ..
و
ابن الأصول..لو حتي أكول..
شبعان في أصله من المنبع
عن جبر خاطر ناس مسئول..
وان شم أي طعام يشبع
وصديقي (حمدي بلاط) فاتح
بابه لكل فقير محتاج
القلب باللون الفاتح..
وعلي الجبين مرسوم التاج
البعض في العايزين ناطح..
وحبيبنا ضد البرج العاج
(حمدي بلاط) دايما مشغول
ولكل ناس فقرا بيسمع
للحديث بقيه
…………….
من كتاب (مدد مدد..)
سيرة ذاتية لبلد