
بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
يستمر الصحفى (عادل حمودة) في بث غضبه و كشف الأسرار في كتابه (عادل إمام الذى لا تعرفه.. سنوات الصداقة و أسرار القطيعة).. مفصلا خبايا البدايات المتواضعة لـ (عادل إمام) وما يحيطه من ضغوط الفقر التي جعلته يقبل عمله ككومبارس بجملة واحدة في مسرحية يرددها وسط زحام مولد..
إلى أن استطاع أن يمسك بتلابيب فرصة أتاحها له (فؤاد المهندس) حينما أسند إليه دور (دسوقى أفندي) كاتب المحامى المطحون اجتماعيا و مهنيا.. ذو الهيئة المذرية.. بنطلون قصير وطربوش يرمز للإهانة أكثر مما يوحى بالوقار..
والتحدث مصطنعا التواضع المزيف، وهو يدس يده في جيبه محاولا رسم صورة مغايرة لحقيقته حتى يضربه البلطجى (ميمو) الذراع اليمنى للنمساوى بيه فينفجر ساخطا (بلد بتاعة شهادات صحيح).. ليصبح إفيها تتداوله ألسن الشارع في مختلف الظروف.

معجزة المشاغبين
استمر (عادل إمام) لمدة 8 سنوات في تأدية أدوار صغيرة لمسرحيات مثل (البيجامة الحمراء، وغراميات عفيفي) وغيرها .. يرى (عادل حمودة) في قبول (عادل إمام) لهذه الأدوار لشخصيات مسطحة أقرب الى الكاريكاتير نوعا من (الإهانة، لكنها لقمة العيش وعقدة الانتشار وحلم النجومية والعجز عن الاعتراض والخوف من إخراجه من الملعب بلا عودة.. بالإضافة إلى عدم ثقته في موهبته)..
وأنه بقبوله لهذه الأدوار كان يهبط إلى قاع بئر مظلم يحتاج الخروج منه إلى معجزة..
وقد هبطت المعجزة عام 1971.. حيث اتجهت سياسة الدولة في أجواء ما بعد نكسة 67 للتركيز على كوميديا الضحك للضحك للتنفيس عن الكبت المتراكم في نفوس المصريين و المنذر دائما بانفجار شعبى هائل..
فكانت أعمال مثل (شنبو في المصيدة، و مطار الحب، وهاللو شلبى)، لتنفجر قنبلة مسرحية (مدرسة المشاغبين).. وقد اقتبسها (على سالم) من فيلم (نو سيرويز لاف).. بينما تؤكد (سهير البابلي) أن الأصل هو مسرحية فرنسية.

دور بهجت الأباصيرى
حينما عرض المخرج (جلال الشرقاوي) على (عادل إمام) دور (بهجت الأباصيري) رد معترضا في سخرية (الدور ما بيضحكش.. أحسن ان شكرى سرحان اللى يمثله).. غاضبا منحه جلال الشرقاوى فرصة أسبوع مع تهديد بعدم السماح له بدخول مسرحه مرة أخرى إذا ما كان قراره الخير رفض الدور..
شجعته سهير البابلى على قبوله مع بعض الإضافات والتعديلات فقبل.. وقد اتهمت المسرحية فيما بعد بإهانة المعلم وتشجيع الطلاب على التطاول عليه وإفساد الأجيال التالية..و رغم أن نجاح مدرسة المشاغبين كان عملا جماعيا إلا أن (عادل إمام) أراد ان ينفرد لنفسه بالنجومية، فسعى بعد ذلك إلى أعمال البطل الواحد..

حدوتة سفروت
قام (عادل إمام) ببطولة مسرحية (شاهد ما شافش حاجة) المأخوذة عن تمثيلية إذاعية بعنوان (حدوتة الأرنب سفروت)، والتي قبض مؤلفاها 100 جنيه مقابل التنازل عنها.. وقد لجئا سويا إلى القضاء لعدم الإشارة إلى اسميهما على أفيشات المسرحية فتم حصولهما على تعويض 30 ألف جنيه..
و القصة الأصلية منبعها قصة كتبها الممثل البريطاني (السير بيتر استينوف)، وقد علق على عدم تعويضه ماديا أو أدبيا بعد عرض المسرحية بقوله (الوسط الفني في مصر تجاوز حد الكذب إلى السرقة)..

الواد سيد يسافر إلى أسيوط
يواصل (عادل حمودة) في كتابه الإشارة إلى أنه كان من ذكاء (عادل إمام) أنه لم يكتف بحلم الشهرة مثل الآخرين وإنما كان يتطلع إلى الشعبية الواسعة.. لذلك كان يرصد كل التحولات المجتمعية بدقة ليعزف على أوتارها في السينما..
وحينما تفشى عنف الحركات الإسلامية في مصر.. ودوت حادثة في قرية (كودية الإسلام) التابعة لأسيوط ضد فرقة مسرحية كانت تدعو الناس في احدى عروضها للتمسك بالأرض وعدم الهجرة إلى بلاد النفط..
ولأن الجماعة الإسلامية تعتبر التمثيل حراما فقد هاجمت الفرقة المسرحية بالجنازير والسيوف.. وهدمت المسرح فوق رؤوس الموجودين وقتلت أحد الممثلين وضربت الآخرين بل وحبسوهم حتى أعلنوا توبتهم عن المنكر الذى ارتكبوه..
في هذا التوقيت كان (عادل إمام) يقدم مسرحيته (الواد سيد الشغال)، وقد اطلع على أحداث قرية (كودية الإسلام) من عمود (أحمد بهاء الدين)، والذى طالب فيه بحماية هؤلاء الفنانين ومساندتهم فبرقت فى ذهنه الفكرة..
حينما حضر (زكى بدر) وزير الداخلية، لمشاهدة المسرحية استغل (عادل إمام) الفرصة ودعاه للحديث في غرفته وراء الكواليس.. وهناك أبدى (عادل إمام) له قلقه البالغ بخصوص أحداث (كودية الإسلام) كونها بداية لزحف هذا الإرهاب إلى باقى ربوع مصر.
وعرض (عادل إمام) استعداده للسفر إلى أسيوط لعرض مسرحيته (الواد سيد الشغال) هناك مع إعلان غرضه من العرض، وهو تضامنه مع الفرقة المسرحية وتنديده بالإرهاب..
توافق عرض (عادل إمام) مع رغبة (زكى بدر) في هذا الوقت في تبييض وجهه بعد توجيهه ألفاظ سوقية لكبار الكتاب منذ فترة بالإضافة إلى المعركة الشهيرة بالأيدى والأحذية تحت قبة البرلمان.. وصفعه وجه النائب الوفدى (طلعت رسلان).. وأوامره المتتالية بالقتل المباشر وليس مجرد الاعتقال لقيادات الجماعة..
وكان تأمينه لرحلة (عادل إمام) وعرضه المسرحية في أسيوط هي تأكيد على استمرار سطوته و سيطرته على الأمور و شجاعته في مواجهة الوحش داخل كهفه..

المخاطرة الكبرى
أمر (زكى بدر) رجاله بوضع خطة تأمين سفر (عادل إمام) من بيته في المهندسين وحتى عودته إليه.. تم استنفار كل القوات على كل محطات القطارات بدءا من محطة القاهرة وحتى محطة أسيوط ..
نجح (عادل إمام) في إقناع أعضاء المسرحية في السفر معه واجتياز المخاطر والتهديدات.. أغلقت ابنة (رجاء الجداوي) عليها الباب وأخفت المفتاح لتمنعها من السفر لولا تدخل زوجها..
كما حاولت (ميريت) ابنة (عمر الحريري) منعه فنام خارج البيت ليلة السفر هربا منها.. نشرت (مجلة صباح الخير) عددا خاصا مصورا بتفاصيل تحت عنوان (المخاطرة الكبرى)..
كان (عادل إمام) طوال ساعات السفر في القطار لايكف عن الحديث إلى الصحفيين.. وكلما توقف القطار في محطة أطل على حشود المنتظرين في نشوة غامرة منه تحت عدسات الكاميرات التي تؤكد على جماهيريته..
وفي محطة أسيوط أحاط القطار طوفانا بشريا ففرض الأمن سياجا لخروج الفرقة.. وحينما خرج (عادل إمام) ازداد الضغط فحاول الأمن إرجاعه إلى القطار، لكنه لم ينصاع للتعليمات.
والتحم مع الجماهير حتى أن القيادات المنية اتصلوا بزكى بدر يشتكون له عدم رضوخ (عادل إمام) للتعليمات ليصرخ فيهم بأنه لو لم ينفذ فعليهم وضعه فورا في طائرة خاصة وإعادته إلى القاهرة قبل وقوع مصيبة سيدفع الجميع ثمنها فادحا..
في اليوم التالى تم عرض المسرحية.. و بمجرد إسدال الستار اختفى (عادل إمام) وعاد سرا إلى القاهرة..
وهناك خصصت له الشرطة عربة حراسة.. و نشرت أكثر من صحيفة أنه تعرض لمحاولة اغتيال في أسيوط.. غير أن (عادل حمودة) يؤكد أنه سمع من الوزير ما يؤكد أن هذا الخبر كان تسريبا متعمدا..
بينما كان (عادل إمام) يعقب على رحلته للصحفيين بقوله: (قررت الذهاب إلى هناك دفاعا عن فني ونفسى وأسرتى ووطنى وصورتى أمام أولادي).