
بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
موسم (رمضان) الدرامي يكون بمثابة امتحان سنوي لصناع الفن، موعده ثابت لا يتغير، والاستعداد له يكون طوال العام تقريباً، ويوم الامتحان يُكرَم المرء أو يهان، وفي سباق (رمضان) يكرم الفنان أو يهان.
يُكرَم من اختار بعناية واجتهد ابداعاً، ولم يكرر نفسه، ومن استوعب طبيعة الشخصية التي يجسدها وقدمها من دون مبالغة ولا تقصير، رسم ملامحها وغاص في أعماقها وعبّر عن أزماتها بما يقنع المشاهدين.
الامتحان الذي تبدأ نتائجه في الظهور منذ عرض الحلقات الأولى فيه نجاح ورسوب، والجمهور هو الذي يمنح الدرجة لكل من يدخل الاختبار، يمنح المتميزين درجة التفوق، ويمنح المقبولين درجة أدنى، ويلقي بالفاشلين في قاع سحيق، وعندما يكون الفاشلون ممن منحهم الناس شرف النجومية ورفعوهم على الأعناق في السابق فإن الصدمة فيهم تكون مضاعفة، وتكون الأحكام عليهم أشد قسوة.
بشكل عام، كان عاماً فاصلاً، اعتلى فيه الشباب العرش، وسقط الكبار من على العرش، عام يجدد الثقة بجيل جديد أكثر موهبة وأدق اختياراً، لا يريد للفن أن يكون مجرد وسيلة للتسلية وقتل الوقت، بل يريده صاحب رسالة وهدف، وأداة توعية وتغيير، وسيلة للمكاشفة والإضاءة على أمراضنا الاجتماعية المسكوت عنها.
ولذا فقد تابعنا في (رمضان) حلقات (لام شمسية) الذي لم نشاهد مثيلاً له من قبل، وبعد أن شاهدنا مأساة الطفل يوسف الذي تعرض للتحرش من أقرب أصدقاء والده والأستاذ الجامعي والمربي غير الفاضل على الشاشة تابعنا ذات القضية.
وبنفس التفاصيل في الواقع من خلال مأساة طفل دمنهور (ياسين) الذي تعرض للتحرش في المدرسة من قبل عجوز أخرق، الأم في الحالتين كانت البطلة الحقيقية التي تحدت إرادة كل المحيطين لكشف المتحرش.
ولعل الفارق الوحيد أن التحرش في المسلسل تم بمغريات استخدمها المتحرش للإيقاع بضحاياه من الأطفال مستغلاً براءتهم وسذاجتهم، أما التحرش في الواقع فكان إجبارياً وباستخدام وسائل التهديد والوعيد من قبل العجوز الأخرق ومساعديه من طاقم المدرسة.

درجة التفوق في التمثيل
(لام شمسية) دراما منحت كل المشاركين فيها درجة التفوق في التمثيل والإخراج والتأليف وغيرها من عناصر الابداع، وأكدت نجومية الفنانة المتميزة في اختياراتها (أمينة خليل)، وارتفعت برصيد كل من (أحمد السعدني وكريم شاهين) إلى الصفوف الأولى.
كما أفرزت نجوماً جدداً يتصدرهم الطفل العبقري تعبيراً وإحساساً (علي البيلي) الذي جسد دور يوسف المتحرّش به الشخصية المحورية في المسلسل، وكان هو البطل الحقيقي الذي دار في فلكه باقي الأبطال.
على النهج ذاته جاء في (رمضان) مسلسل (ولاد الشمس)، بطولة (أحمد مالك وطه دسوقي)، وعدد من الشباب الذين قدموا السهل الممتنع تمثيلاً وناقشوا الفساد في دور الأيتام بسلاسة أدخلتهم قلوب المشاهدين ورفعتهم إلى صفوف النجومية.
وكان نجاح (أحمد مالك) في (ولاد الشمس) أحد الأسباب الرئيسية لإقبال الجمهور على فيلمه مع عصام عمر (سيكو سيكو)، والذي تم عرضه في دور السينما منذ أول أيام عيد الفطر.
محمود حميدة في (ولاد الشمس) كان العازف الذي يجيد عزف مختلف الألحان، فرغم أنه تعلم في مدرسة الأداء القديمة واشتهر من خلالها إلا أنه استوعب مناهج التمثيل الجديدة التي تعتمد البساطة والانسيابية في الأداء، وأعطى للمشاهد إحساساً أنه ابن جيل الشباب، تحدث كأنه منهم وعبر كأنه خريج مدارسهم، ولذلك لم يسقط في القاع مثل غيره من الفنانين الكبار، الذين أصبحوا خارج الزمن.
هذا الموسم لم يكن الموسم الفاصل درامياً بين عهد وعهد، أو مدرسة ومدرسة، بسبب طبيعة الموضوعات التي ناقشتها العديد من الأعمال التي خرجت عن المألوف وتناغمت مع هموم الناس وأمراض المجتمع، ولكن أيضاً بسبب طبيعة الأداء.
فنمط الأداء القديم الذي يبذل فيه الممثل جهداً كبيرا يعتمد على المبالغة في التعبير الجسدي والصراخ الصوتي بدأ في التلاشي ولم يعد مقنعاً للناس ولا مسبباً النجاح، وحل محله أسلوب البساطة والسلاسة والأداء الناعم، فجوهر الشخصية لا يتم الوصول إليها بالمبالغة في التعبير والصوت ولكن يتم التعبير عنها من خلال المواقف التي تتبناها.

الشر بطريقة ناعمة
فالشرير لم يعد رافع الحاجب مشوه الخلقة، ولكن لو نظرنا حولنا سنجد الشر يمكن أن يصدر عن أكثر الناس نعومة، ومن أكثر الفنانين تعبيراً عن الشر بطريقة ناعمة كان الفنان دياب في مسلسل (قلبي ومفتاحه)، كما نال فيه آسر ياسين ومي عز الدين شهادة التفوق لأدائهم السلس لشخصيتي (محمد وميار).
(هدى المفتي) لعبت أول بطولة مطلقة لها في (رمضان) من مسلسل (80 باكو)، ورغم خلو المسلسل من أسماء النجوم إلا أنه نافس أعمال الكبار وتفوق على البعض منهم بسبب واقعية شخصياته وأحداثه، شاهدنا خلاله الواقع بتفاصيله وتتبعنا رحلة شخصيات تشبهنا أو تشبه معارفنا، في أحلامهم وأوجاعهم وتشابك علاقاتهم.
وتميزت فيه (هدى المفتي) وزملائها المعروفين والمغمورين الذين أصبحو معروفين بعد عرضه.
أعمال كثيرة تميزت وأعمال أخرى فشلت، ونجوم صعدوا ونجوم هبطوا في (رمضان)، وكانت الأكثر هبوطاً هذا الموسم، (إلهام شاهين) في شخصية (اعتماد الهواري) في (سيد الناس) شخصية فجة وقدمتها شاهين بأسلوب أكثر فجاجة، مبالغة في الصراخ وفي الماكياج وفي التكشير وفي التهديد.
وساهم في تقبيح الشخصية عمليات التجميل التي أجرتها (إلهام) وجعلت شفتها العليا جامدة متجمدة وكأنها جماد لايحس ولا تتغير ملامحه مهما بذلت من جهد في الصراخ ورفع الحواجب وفتح الفم على آخره، ولذا فيمكن اعتبار إلهام شاهين من أول الراسبين في الامتحان.
(هالة صدقي) بما يربطها من علاقة صداقة مع (إلهام) لم تقبل أن تترك صديقتها تسقط وحدها فلحقت بها من خلال شخصية شادية في (إش إش)، وليس غريباً أن تكون شخصيتي (شادية) واعتماد لهما نفس الملامح الدرامية وتم أدائهما بنفس الطريقة وكأن (إلهام وهالة) كانتا تنقلان من بعضهما في الامتحان، وهذا لاينفي تفوق (هالة صدقي في (قهوة المحطة).

سقطت مي عمر
وهو أمر طبيعي فالمسلسلين لمحمد سامي تأليفاً وإخراحاً وتوجيهاً وكل شيء، ولذا سقطت زوجته بطلة (إش إش) مي عمر في نفس القاع مع (هالة وإلهام).
ورغم أن نمط (محمد سامي) طغى على معظم شخصيات مسلسليه (سيد الناس) و(إش إش) فقد نجت انتصار من السقوط في المستنقع بعد تجسيدها لشخصية إخلاص كبوريا والتي قدمتها من دون ماكياج تعبيراً عن حالتها المزرية بعد المؤامرات التي حيكت ضدها.. كذلك من أكثر الممثلات سقوطاً هذا العام غادة عبدالرازق في (شباب امرأة).
أيضاً يمكن القول إن الماكياج من العناصر الفاصلة بين دراما (رمضان) 2025 وما قبلها، فلم تعد طبقات التجميل التي تغطي ملامح الوجه أولوية عند بعض الممثلات.
ولو تابعنا المسلسلات التي تميزت هذا العام في (رمضان)، نجد أن الماكياج لم يكن لدى بطلاتها أولوية، بل اعتمدن تخفيفه أو الظهور بدونه لتحقيق درجة من المصداقية وهو ما لم يكن مقبولاً عند الكثير من نجمات الأمس.
هذا العام طغت مسلسلات الـ 15 حلقة بعد سنوات عجاف عشناها مع مسلسلات الـ 30 حلقة التي كانت لا تخلو من الثرثرة الفارغة والمط والتطويل الممل.
قائمة التفوق والسقوط طويلة ولا مجال لسرد كل الناجحين والراسبين، وما تم ذكره ليس سوى نماذج تؤكد أن هذا العام كان مختلفاً، كان بداية لنجومية جيل جديد سيقود سفينة الدراما في السنوات القادمة، ونهاية جيل أفلس وأصبح خارج الزمن.