تعرف على الأغنية التى كانت سببا في تأسيس (محمد عبد الوهاب) لشركة (صوت الفن)!

كتب: أحمد السماحي
نحيي اليوم ذكرى نهر الموسيقى العذب موسيقار الأجيال (محمد عبد الوهاب) الذي منح الموسيقى أروع الأنغام، وأطرب الملوك والرؤساء، وأبناء الشعب، وحقق مجدا فنيا لم يقترب منه أحد حتى اليوم.
كان (محمد عبدالوهاب) تاج على جبين الغناء المصري ـ ومازال ـ وتوج مشواره الغنائي بخمسة وثلاثين عاما من العطاء المتواصل منذ عشرينات القرن العشرين، وحتى منتصف الخمسينات.
واستمر بعدها في الغناء على فترات متباعدة، لكنه تحول بالجزء الأكبر منه نحو التلحين، والتأليف الموسيقي، وفي رحلة المشوار لحن لأساطين النغم (أم كلثوم، نجاة، وردة، فايزة أحمد، عبد الحليم حافظ، عبد الغني السيد، محمود شكوكو، محمد عبد المطلب) وغيرهم.
من بين الأسرار التى نكشفها في مشوار (محمد عبد الوهاب) المليئ بالأسرار التى لم يكشف الكثير منها حتى اليوم، هو سر تأسيسه لشركة (صوت الفن)؟!
وكيف أسس هذه الشركة التى أنتجت روائع النغم لكبار مطربين مصر والعالم العربي؟ وما هو دور الشاعر والكاتب الكبير (كامل الشناوي) في تأسيس هذه الشركة؟
السر الذي نكشفه اليوم حمله كتاب المحامي (مجدي العمروس) شريك الموسيقار محمد عبدالوهاب، وعبدالحليم حافظ في شركة (صوت الفن).

فوق الشوق.. سبب التأسيس
فإليكم التفاصيل التى سردها العمروسي والتى يقول فيها: كان (محمد عبد الوهاب) كشريك في شركة (كايرو فون)، وكصاحب شركة (أفلام عبد الوهاب) عرف عام 1959 إمكانات المطرب (عبدالحليم حافظ) جيدا.
وأدرك (محمد عبد الوهاب) بذكائه الحاد قيمة صوت (حليم)، وقيمته كمطرب متفرد، ليس له شبيه، فوضع عينيه عليه، وخطط لذلك، وكان (عبد الحليم) قد وضع عينه وأمله في نفس الوقت على (محمد عبد الوهاب) كملحن وكإسم ومكانة وسمعة، ومجد عريض.
وبذلك أصبح كل واحد منهما يتمنى ود الآخر، ورضاءه، وفي عام 1959 لحن (محمد عبدالوهاب) أغنية (فوق الشوق) كلمات علي مهدي، ونجحت هذه الأغنية نجاحا كبيرا.
وفي هذه الفترة كان (عبد الحليم) يعبئ أسطوانات ويتعاون مع شركة (كايرو فون) التى كان شريك فيها (محمد عبد الوهاب)، وكان العندليب يحصل على 400 جنيه مقابل كل إسطوانة يسجلها.
وعندما أرادت شركة (كايرو فون) تسجيل أغنية (فوق الشوق) على اسطواناتها طلب (عبدالحليم) 2000 جنية أجرا للأغنية، بالإضافة إلى نسبة 20% من الإيراد.

عبارة أغضبت عبد الوهاب وحليم
ثار الخواجة (بطرس بيضا) مدير شركة (كايرو فون)، لكنه قبل على مضض إعطاء عبدالحليم 2000 جنية كأجر، ولكنه رفض تماما إعطاءه أي نسبة!
وقال عبارة أغضبت (محمد عبد الوهاب)، وعبد الحليم حافظ في نفس الوقت، حيث قال : (عبدالحليم يريد أن يعمل رأسه برأس محمد عبد الوهاب!)، لكن (عبد الوهاب) بحكم أنه شريك في الشركة نصح (بيضا) بقبول طلبات (العندليب).
بل وطلب إدخال (عبد الحليم) شريكا في شركة (كايروفون)، ووافق أغلبية الشركة في (كايروفون)، وقمت بعمل العقد، ووافق عليه الجميع، ووقعوا عليه.
وهنا طلب مني (عبد الحليم) أن أطلب أتعابي عن تحرير ذلك العقد، فطلبت 1000 جنيه، ولكن (بطرس بيضا) مدير الشركة رفض أن يدفع المبلغ، وقرر إعطائي 500 جنيه.
وهنا ثار (عبدالحليم) من تصرفات (بيضا)، وقال أنه لن يشارك في الشركة، ولن يعمل معها في حياته، وطلب مني أن لا أتمم إجراءات تسجيل العقود، وأن لا أسلم أحدا أي نسخة منها، وقال لي غاضبا: (بل ياريت تقطعها!).
وهنا تدخل الأستاذ (محمد عبد الوهاب) وقال لـ (عبدالحليم) : يا حليم سيبك منه، طول عمرنا تعبانين معاه، ومع تصرفاته، تعالى نعمل شركة مع بعض).
فقال له عبد الحليم: أنا عندي شركة اسمها (العالم العربي) مع الحاج وحيد فريد، مدير التصوير، ودي شركة أفلام ممكن نوسع نشاطها، وتشمل الاسطوانات).
فقال عبد الوهاب: لأ، لما (محمد عبد الوهاب)، و(عبد الحليم حافظ)، يعملوا شركة سوا، فهذا حدث مهم، ويجب أن يبرز إعلاميا، ولازم نلاقي اسم جديد للشركة).

صدور الشاعر كامل الشناوي
يستكمل المحامي (مجدي العمروسي) ذكرياته ويقول: وافق (عبد الحليم)، واقترح (محمد عبد الوهاب) أن نطلب من الشاعر والكاتب (كامل الشناوي) أن يختار اسما جديدا للشركة.
وأن يكتب كلمة يوضح فيها أهداف الشركة، وتكون هذه الكلمة دستورا للشركة، فعلا طلب الأستاذ (محمد عبد الوهاب) من (كامل الشناوي) ذلك.
واقترح (كامل الشناوي) منذ أول الأمر أن يكون الإسم بعيدا عن التسميات الموجودة في ذلك الوقت، فقد كان المعتاد أن تكتب كلمة (فون) بعد كل إسم، مثل (بيضافون)، و(كايروفون) و(مصرفون)، وهكذا.
واقترح أيضا أن يكون السم مكونا من أهداف الشركة، ومعبرا عنها، وليكن (صوت الفن) مثلا، وتحمس (عبد الوهاب، وعبد الحليم) للاسم ووافقا عليه.

شعار صوت الفن
أما الشعار فقد كتبه (كامل الشناوي) بخط يده، وكان كالآتي: (إن صوت الفن ليست شركة لصنع الأسطوانات، بقدر ماهى شركة لتأدية رسالة الفن الغنائي العربي، شركة يساهم فيها رأس المال بنصيب محدود، ويساهم فيها الفن بنصيب ليس له حدود).
يضيف (مجدي العمروسي): كتبت العقد، ووقع عليه (عبد الوهاب، وعبد الحليم)، وتم تسجيله وإشهاره، وهنا ثارت مشكلة، فقد كان (عبد الوهاب) قد سجل قبل تأسيس (صوت الفن) أغنية (هان الود) كلمات أحمد رامي بصوته لشركة (كايروفون).
وهنا طلب (عبد الحليم) من (عبد الوهاب) ـ وكان ذلك يدل على شدة ذكاء عبد الحليم وموهبته الخارقة في الإقناع ـ أن تكون أغنية (هان الود) هى هدية (محمد عبد الوهاب) للشركة الوليدة، وباكورة إنتاجها، لأنه ليس من المعقول أن يكون صاحب الشركة (محمد عبد الوهاب) وتنزل أغنيته الجديدة (هان الود) مع شركة أخرى!
ويمكن أن تدفع شركة (صوت الفن) لشركة (كايرو فون) كل قرش صرفته على أغنية (هان الود)، فلما قال الأستاذ (عبد الوهاب) أن شريط الأغنية (الماستر) موجود لدى شركة (باتييه ماركوني) التى تقوم بطبع اسطوانات (كايروفون).
وبالذات في يد الأستاذ (أحمد حشلف) رئيس القسم العربي في شركة (EMI)، فاقترح عبد الحليم فورا أن أسافر فورا إلى باريس بورقة مكتوبة بخط (محمد عبد الوهاب) يقول فيها أنه يريد (ماستر هان الود)، وأسلمها لـ (حشلف).
وبالفعل سافرت، وقابلت (حشلف) وكان حرصي الأول أن أسمع (هان الود) التى لم يكن أي أحد يعلم عنها أي شيئ جريا على عادة (محمد عبد الوهاب) في كل أعماله.
ولما سمعت الأغنية جننت، بمعنى الجنون الفعلي، وزاد تمسكي بأن تخرج الأغنية على شركة (صوت الفن) وتكون باكورة إنتاجها، وقد كان.
ومنذ هذا الوقت تأسس شركة (صوت الفن) وسارت من نجاح إلى نجاح، وانضمت إليها شركة (العالم العربي) التى خصصت جهدها للأفلام، وأنتجت أفلاما ناجحة منها (الخطايا، البنات والصيف، الخرساء، إنتهى الحب، بياعة الجرايد، بالوالدين إحسانا، الراهبة، مولد يا دنيا، حكايتي مع الزمان، أبي فوق الشجرة).







