رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب: مازال الزعيم (عبد الناصر) ترند!

عصام السيد يكتب: مازال الزعيم (عبد الناصر) ترند!
لابد من الاعتراف بأن المتحدث هو (عبد الناصر) بالفعل

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد

كما هى العادة حاليا في بر المحروسة، قامت الدنيا و لم تقعد، وهذه المرة بسبب تسجيل صوتى أذيع على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، لحديث بين  الزعيم (عبد الناصر) و العقيد (معمر القذافى)، يتضمن آراء للزعيم لم تنشر من قبل.

وعلى الفور اشتعلت الدنيا هجوما على الزعيم – في غير المواسم المتعارف عليها – و سارع البعض بالدفاع، وأخذ كل فصيل يفسر التسريبات – و هو الاسم التجارى لإذاعة التسجيل – ووصل الأمر ببعض تلك الفصائل أنها استنتجت منه أن الزعيم (عبد الناصر) كان يخفى تعقلا وموضوعية تجاه المعركة مع العدو خلف صرامة موقفه فيها، وربما كان هذا تمهيدا لقبول سلام  بيننا و بين الكيان الصهيوني.

ومع رفض الناصريين لهذا التفسير تواصلت المعركة وأخذ الكل يكيل الاتهامات للكل: المهاجمون  ينعتون المدافعين بأنهم دراويش الزعيم (عبد الناصر)، الذى غير قناعاته دون ان يدرى اتباعه ، وأولئك يصفون المهاجمين بأنهم يحرفون الكلم ليجدوا مبررا للانبطاح، وتصاعدت المعركة وتسيدت وسائل التواصل مما يدل على أن الزعيم (عبد الناصر) مازال ( ترند ) حتى الآن برغم وفاته من 55 سنة .

أعمى غبار المعركة الجميع عن مجموعة من الأسئلة الهامة لابد أن نسألها لانفسنا أولا: هل التسريب صحيح ؟ بمعنى انه بصوت عبد الناصر؟، وهل ماهو في التسجيل لم يتم التلاعب فيه؟، ولماذا جاء التسريب الآن في هذا التوقيت؟، وماهو المقصود من كلام عبد الناصر؟

لابد من الاعتراف بأن المتحدث هو (عبد الناصر) بالفعل، ومن الواضح أنه لم يتم التلاعب في التسجيل ظاهريا، ولكن الحديث مقتطع من سياق لا نعلمه ولا نعرف بدايته ومنتهاه ، وبالتالى فقول جزء من الحقيقة – و ليس كلها – يعتبر كالكذب.

ولكن كيف يكون كذبا و من أذاع التسريب هى قناة على منصة اليوتيوب تحمل اسم (ناصر تى في)، وهى تقول عن نفسها أنها: (القناة الرسمية للرئيس جمال عبد الناصر على اليوتيوب)، وهى تابعة للموقع الرسمى للرئيس (عبد الناصر) بمكتبة الإسكندرية، ومتخصصة في نشر تراثه؟.

عصام السيد يكتب: مازال الزعيم (عبد الناصر) ترند!
جميع الوثائق والتسجيلات الصوتية والمرئية للرئيس جمال عبد الناصر

توثيق تراث الزعيم

وتصف نفسها بأن: (جميع الوثائق والتسجيلات الصوتية والمرئية للرئيس جمال عبد الناصر، والتي قُمنا بنشر أجزاء منها، منشورة على هذا الموقع منذ سنوات، بعد أن قامت د.هدى جمال عبد الناصر، بجمع وتوثيق تراث الزعيم السياسى والفكري والمرئي والمسموع في مشروع تاريخي ضخم).

وبدأت القناة في نشر أول مقطع لها في أغسطس من عام 2021، وتخصصت في تقديم تسجيلات نادرة لاجتماعات في مجلس الوزراء ولقاءات سرية جمعته بالعديد من القادة وممثلي الدول العربية لا يوجد في أرشيف الرئاسة المصرية أو جهات أخرى محاضر لها، كى تفتح الباب لإعادة قراءة تاريخ الزعيم  (عبد الناصر) بلسانه.

فبرغم صدور آلاف الكتب عنه؛ فإن القناة لديها إيمان راسخ – كما قالت في بيان سابق – بأن تاريخه الحقيقي لم يُكتب بعد..)، لقد كانت تدرك منذ البداية أن تقديم التاريخ كمادة خام بلسان صانعه، هو أمر غير مسبوق في العالم، فلم تتوفر مثل هذه المواد السمعية المسجلة لأي زعيم سياسي عربي أو عالمي مثلما توفرت للرئيس (عبد الناصر).

فلقد كان مهتمًّا بتوثيق تاريخه؛ لذا حرص على تسجيل كل اجتماعاته ولقاءاته مع وزرائه ومعاونيه، وكذلك مع القادة والزعماء من شتى أنحاء العالم، وكان المرحوم سامي شرف مدير مكتب الرئيس عبد الناصر للمعلومات، هو المسؤول عن عملية التسجيل لكل لقاءات واجتماعات الرئيس (عبد الناصر).

وتخرج من هذا الى أن إن قيام (عبد الناصر) بتسجيل كل لقاءاته واجتماعاته يدحض اتهامه بالديكتاتورية، فلا يوجد ديكتاتور يسجل لنفسه، كما أنه يثبت أن الرجل لم تكن على رأسه بطحة يحرص على إخفائها.

إلى هنا فالقناة (عداها العيب و جرى) فهى تعلن حرصها الشديد عل تراث الزعيم و تنفى عنه اكبر الاتهامات التي تكررت بالديكتاتورية، بل و تدافع عن آرائه، ولابد أن نصدق القناة فهي تتبع جهة رسمية (شبه حكومية) هى مكتبة الإسكندرية وهى جهة أكاديمية مرموقة، ولابد أن القناة جادة في مسعاها وصادقة في نواياها.

ولكن مكتبة الإسكندرية فاجأتنا بإصدار بيان – تم نشره في جميع الصحف وعلى غالب المواقع الإلكترونية – تنفى فيه صلتها بتلك القناة!!، وقالت المكتبة أنها غير مسئولة عن أي مواد متداولة عبر وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، تخص الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بخلاف الموقع الرسمي للرئيس,.

عصام السيد يكتب: مازال الزعيم (عبد الناصر) ترند!
تم إهداء المواد الرقمية الموجودة بالموقع من المؤسسة إلى مكتبة الإسكندرية

الحفاظ على الإرث الثقافي

والذي كان نتاج تعاون منذ عام 2004 بين المكتبة ومؤسسة (جمال عبد الناصر)، برئاسة د. هدي عبد الناصر، حيث تم إهداء المواد الرقمية الموجودة بالموقع من المؤسسة إلى مكتبة الإسكندرية، وقامت المكتبة بتنفيذ الجانب التقني للإتاحة بهدف الحفاظ على الإرث الثقافي والسياسي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وإتاحته للأجيال القادمة.

وتؤكد المكتبة أن موقع الرئيس جمال عبد الناصر المُنشأ من قبل مكتبة الأسكندرية ليس لديه أي صفحات رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي تخصه،. لذا فإن المكتبة تنفي مسؤوليتها عن أي محتوى تم نشره عبر قنوات التواصل الاجتماعي، وتنفي أي مزاعم تشير إلى ملكية المكتبة لهذه الصفحات.

وتؤكد أنها لا تتبنى أو تروج لأي محتوى لا يتماشى مع مهمتها الأكاديمية والبحثية، وتلتزم مكتبة الإسكندرية بأعلى معايير المهنية في التعامل مع التاريخ السياسي، وتؤكد على ضرورة الاعتماد على المصادر.

وهنا بدأت الشكوك تثور حول القناة التى أصدرت بيانا بعد الضجة تقول فيه: في عام 2018 بدأنا التفكير في إطلاق قناة خاصة بنشر تراث الرئيس جمال عبد الناصر؛ المرئي والمسموع، وعندما عرضنا الفكرة على المهندس عبد الحكيم جمال عبد الناصر، أبدى ترحيبه ودعمه لها، وبعد موافقته أطلقنا قناة Nasser tv. 

ويقول البيان: أن المهندس عبد الحكيم عبد الناصر أمدها بنسخة من اجتماعات ولقاءات الرئيس عبد الناصر من أجل نشرها فقامت بانتقاء أجزاء معينة من لقاءات واجتماعات الزعيم  في أعوامه الأخيرة بعد نكسة 1967، و تقدم تلك التسجيلات الرئيس عبد الناصر كرجل دولة قادر على رصد وتحليل كل المتغيرات حوله، حتى وهو في أحلك سنوات حكمه.

كما أنها تفتح الباب لإعادة قراءة التاريخ بلسان (عبد الناصر)، ذاته وكان الهدف هو تحطيم بعض المسلمات التي شاعت عن عبد الناصر، و بالطبع في قلب تلك المسلمات هو موقفه من التطبيع مع الكيان الصهيوني.

ولذا فبيان القناة يقول: الحقيقة أن عبد الناصر لم يرفض مطلقًا الحل السلمي للصراع العربي- الإسرائيلي؛ ولكن رؤيته لهذا الحل كانت قائمة على شرطَين، الأول أن يكون الحل شاملًا على كل الجبهات، والثاني أن لا يجعل هذا الحل من مصر دولة هامشية في محيطها العربي..

عصام السيد يكتب: مازال الزعيم (عبد الناصر) ترند!
هاهو الزعيم الذى حمل راية النضال ضد الكيان في العلن

إعادة قراءة التاريخ

وهنا تضح الصورة من وجهة نظرى: القناة تختار أجزاء معينة من لقاءات واجتماعات الزعيم بعد النكسة (فقط)، لتفتح الباب لإعادة قراءة التاريخ (فقط)، من أجل تحطيم بعض المسلمات (فقط)!!.

وأن عبد الناصر موافق على الحل السلمى للصراع، فلماذا لا تسيرون الآن خلف (عبد الناصر)؟، هاهو الزعيم الذى حمل راية النضال ضد الكيان في العلن، يقول في السر هيا إلى الصلح، فهل تجادلون الإله الذى كنتم تعبدون؟

ولأن من البديهى أن هناك علاقة بين (ماذا تقول؟) وبين (متى تقول ؟) فإن ظهور هذا التسريب في توقيت تعثر مفاوضات وقف حرب غزة بسبب طلب إسرائيل بنزع سلاح المقاومة و الذى رفضته حماس، يجعل من المقاومة فعل غير واقعى وغير عقلانى من وجهة نظر الزعيم!!.

وأن الواقع السياسى في لبنان يفرض على حزب الله تسليم السلاح والتخلي عن تحرير الأرض والانضمام لطابور الأحزاب المدنية، كى يسير على خطى الزعيم.

وأن على سوريا التي كانت من دول الصمود و التصدي ومحور المقاومة أن تستسلم وتلقى بنفسها في حضن الكيان، ولن نتهمها بالخيانة أو التفريط، فهكذا كان سيفعل الزعيم، وليهنأ الجميع بسلام – ليس من المهم أن يكون عادلا – في ظل الاتفاقيات الإبراهيمية الترامبية!

وهكذا يتحقق المراد من التسريب (نضرب عصفورين بحجر واحد: سمعة عبد الناصر ونفى أن المقاومة هى السبيل لتحرير الأرض)، ولكن يظل سؤال: لماذا قال الزعيم جمال عبد الناصر هذا الحديث في ذلك الوقت ؟

تلك قصة أخرى…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.