رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: عطر الذاكره (4).. (زكريا أمان) مرة أخرى

وصلني خطاب التفرغ

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

لاحظ (زكريا أمان) أنه كلما زارني في شقة العائلة وجد شيئا ناقصا.. كرسي.. باب .. ضرفة دولاب.. كانت والدتي كلما مر بها فترات صعبه تنادي علي بائع  الروبابيكيا للبيع فتدفع إليه بأي شيء بالشقة في مقابل بخس لتحضر لنا العشاء..

الجوع لا ينتظر.. و لا يقبل أعذارا.. ولا يفهم أن  المعاش الذي يتسلمه والدي إلى جانب  مرتبي بالكامل لا يكفي احتياجات الأسرة الضخمة  لمده أسبوع واحد.. لم تكن عندي ملابس كافية لتغييرها كل وقت طويل فتظل ملتصقة بى كجلدى..

كانت البطاطين التي نتعطى بها هى البطاطين السوداء التي كان يحضرها والدي من مخزن مركز طلخا الذي كان يعمل أمينا عليه بعد ابن ترك حجرة التليفون..

في ظل هذه الظروف القاتمة أخبرني أحد الأصدقاء أن لي برنامجا في الشرق الأوسط اسمه صوره شعريه تقدمه مذيعة اسمها حكمت الشربيني.. لم أكن أعرف برنامجا بهذا الإسم .. ولا مذيعة بهذا الاسم.

بعدها أصبحت والدتى تذهب إلى جارة لنا لتسمع اسمي في الراديو.. فتعود مبتهجة وكأنها امتلكت كنوز الدنيا.. كانت فرحتها تدفعنى لأن أتعلق مرة أخرى بأهداب الحياة..

هكذا كانت بدايتي مع الإذاعة.. كررت المذيعة في أكثر من حلقة  أمنيتها رؤيتي.. فجأة  وصلني صديق للبرنامج  من القاهرة هو الشاعر (مصطفى الشندويلي).. كنت أقرأ عنه في الصحف أنه بائع الفل الذي ستغني له أم كلثوم..

يخبرني (مصطفي السبيلي) أن المذيعه تريد أن تراني لم أتشجع في المرة الأولى.. بعد اكثر من زيارة لمصطفي الشندويلى سافرت معه إلى القاهرة.. دخلت الإذاعة.. انبهرت بكل ما فيها.. وتمنيت أن أعمل بها..

لاحظت أنني بين كثير من  المذيعات والمذيعين.. (تهاني حلاوة) قابلتني بحفاوة بالغه.. (دريه شرف الدين، إسعاد يونس، سوسن سامي، إيلي معروف، مشيره نجيب، محمد أنور، سمير غنيم، كمال علما، عاطف عبد العزيز، سمير عبد العظيم، محمد علوان) وغيرهم من المذيعين والمذيعات.

حكمت الشربيني

حكمت الشربيني

جلست في حجرة المذيعات.. دخلت مذيعة جميلة رشيقه تصافحني..سألتها: حضرتك حكمت الشربيني؟.. كان ردها: و حضرتك سيادة الشاعر (إبراهيم رضوان؟)..

بعد فترة طلبت من (مصطفي السبيلي) أن يصعد معي للدور التاسع حتي يعرفني علي المستشار (علي السيد) مستشار مجلس الدوله القانوني والمستشار  لوزير الإعلام  وابن المستشار (سيد علي) وزير الدولة السابقة والذي اتهموه بعد ذلك أنه كان السبب في مذبحة القضاة واستبعاد السنهوري..

دخلنا الى حجرة المستشار علي السيد، الذي كان يرفض أن تكون له سكرتارية خاصه رغم منصبه، وعرفه (مصطفى السبيلي) بي فقام يحتضنني ويقبلني ويقول ليبعد أن عرف أنني أعمل في التدريس (لماذا تسجن نفسك في التربيه و التعليم  بالمنصورة؟).

قلت له: مجبر أخاك لا بطل.. ليس بيدي أعمل مدرسا.. و المدرس يظل في مهنته حتي يموت.. رغم أنى مدرس فاشل).

قال لي: سأحاول أن أحصل لك على منحة تفرغ تقدر من خلالها تبقى قاعد في القاهرة وبتقبض مرتبك من غير ما تشتغل.. بس في نهاية السنه هاتقدملهم اللي انت أنجزته.

فرحت جدا لهذا العرض.. أكد لى  مرة أخرى عن طريق تليفون نادي المعلمين بطلخا أنه قدم لي طلبا في إداره التفرغ عند السيدة (روحيه القليني).. وطلب مني أن أذهب للتعرف عليها والتوقيع على الطلب..

أخذني (زكريا أمان) وذهبنا إلى روحيه القليني) حيث كان الدكتور عبد العزيز الدسوقي عندها.. سألتني: (ما هي قرابتك للمستشار علي السيد) فقلت لها أننا بلديات لأنه من منية النصر دقهليه.. وأنني من العائله..

التفت ناحيتنا د. عبد العزيز الدسوقي  ممتعضا يعقب: سبحان الله والد علي السيد هو السيد علي وزير الدولة وكان متدينا جدا، وأسرته كلها غاية في التدين فكيف تنجب هذه الأسرة شيوعيا مثل إبراهيم رضوان.

في هذا الوقت بالفعل  كان كل من يكتب عاميه ويتم اعتقاله يعتبر محسوبا علي التيار الشيوعي.. تضايقت جدا لكننى لم استطيع الرد.. هى أيضا لم تستطع أن تخالف رأيا للمستشار علي السيد.. أعطتني الأوراق.. ووقعت عليها.. انصرفت..

ظللت مع (زكريا أمان) الذي كان قد ترك الجيش واستقر في حجرته القديمة في شارع العدوي بشارع زين العابدين بالسيدة زينب،  وهى شقه عبارة عن خمسه حجرات يقيم في كل حجره ما لا يقل عن 10 طلبه من الازهر .

استمريت في ضيافته قبل عودتي المنصورة لعدة أيام وصلني خلالها  تلغراف من (زكريا أمان).. التلغراف مكتوم فيه مبروك (لروحيه القليني)..

بالفعل أخليت طرفي من التربيه والتعليم.. اتجهت إلى القاهرة

وصلني خطاب التفرغ

أخيرا حصلت على التفرغ.. في نفس اليوم الرائع  الذي وصلني خطاب التفرغ.. كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها زوجتي (اعتدال الجمل).. كانت في صحبة صديقه من الغربية.. قابلتني معها عند المسجد المجاور لميدان الطوميهي..

أخذت صديقتها خطاب التفرغ  لقراءته في لا مبالاة حتى أنها  لم تكمله..أخذت اعتدال الخطاب تقرأه بعناية معقبة في فرحة حقيقية.. مبروك يا أستاذ إبراهيم.. مستقبلك اهم من أي شيء.. و دا فعلا المكان اللي يليق بيك..ا ٔنا متابعه كل أعمال حضرتك.

افترقنا بأجسادنا.. لكن رباطا أثيريا  ما بين روحينا نشأ ليبقى حتى نهاية العمر.. بالفعل أخليت طرفي من التربيه والتعليم.. اتجهت إلى القاهرة.. قابلني (زكريا أمان) على المحطة..اصطحبنى فورا إلى (روحيه القليني) لأتسلم عملي بالتفرغ لمده عام قابل للتجديد في صورة  إعارة داخليه لخمس سنوات أعود بعدها إلى التربية والتعليم إن لم يتم نقلي على درجتي المالية الخاصة..

ذهبت مع (زكريا أمان) إلى شارع زين العابدين.. كانت المرة الأولى التي أدخل فيها مسجد السيدة زينب.. كنت أطوف حول المقام وأنا أبكي.. دعانى (زكريا أمان) إلى أحد المطاعم .. طلب لي طبقا من الكبدة والطحال كانت وجبة لذيذة..

اتجهنا بعدها إلى الحجرة التي سأشاركه السكن بها.. سرير وكنبة صالون قديمة.. تسريحه يعلوها بعض الأدوية.. بالشقة  دورة المياه مشتركه مشغولة دائما فكل حجرة بها 10 من طلاب الأزهر ..

في نفس الحجرة شاركنا أيضا  سمير .. الشقيق الأصغر لـ (زكريا أمان).. بالإضافة إلى الضيوف القادمين بصفة شبه يومية من (شرنقاش)..

فى هذه الجواء بدأت رحلتى  في القاهرة.. في اليوم الأول لى في  الإذاعة أخذني (زكريا أمان) إلى مطعم الدمياطي بميدان السيدة زينب.. كنت أمضغ  سندوتشات الفول و الطعمية. .سارحا في رسالة يبثها المذياع لى بصوت عبد الحليم حافظ :

 وابتدى.. اابتدى ابتدى المشوار.. آه يا خوفي.. من آخر المشوار أه يا خوفي..

يا ابه.. وتعبت جدا..

يا أمه والفقر قاتل

فيه ناس مش قادره تدن..

مع ناس تملك مشاتل

كان نفسي اسعد سيادتك..

وأكون في ضهر ابويا

يا نايمه زي عادتك..

تدعي ع اللي داسونا

لأولادي باحكي سيرتك..

قبل ما الموت يجينا

ما اقدرش انساكو أبدا..

يا ضحية كرسي عالي

من كتاب (مدد مدد..)

سيرة ذاتية لبلد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.