

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب
صباح الجمعة 9 مارس الجارى تلقى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي (دانيال هاجاري) قرار بعد ترقيته لرتبة لواء، ليعلن على الفور قراره بالاستقالة من منصبه بعد 18 شهر قضاها في هذا المنصب عمل خلالها على تحقيق شيء واحد،الا وهو بث الأكاذيب سعياً من وراء التستر على الإخفاق والفضيحة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي جراء عملية السابع من أكتوبر 2023.
فبعد تلك المدة التي قضاها (دانيال هاجاري) مروجاً لأكاذيب الجيش الإسرائيلي، جاء قرار عدم ترقيته الذى ابلغه به رئيس الأركان الجيش الإسرائيلي لجديد (إيال زامير)، معلناً التخلى عن منصبه الذي شغله منذ مارس 2023 ورحيله منه وتقاعده من الخدمة العسكرية، وهو ما اعتبرته وسائل الإعلام الإسرائيلية بمثابة إقالة، علماً أنه كان مرشحاً لقيادة البحرية الإسرائيلية.
عدم الترقية أو رحيله، كشف معه عن صراعاً بين (دانيال هاجاري) والمنظومة العسكرية الإسرائيلية، خاصة وزير الدفاع (يسرائيل كاتس)، حيث يعتقد أن الأخير كان يرفض الموافقة على ترقية (دانيال هاجاري)، ووسط أدلة وشواهد مفادها إن (دانيال هاجاري) لم يحظ بثقة وزير الدفاع (يسرائيل كاتس)، وكذلك إلى وجود خلافات بين (دانيال هاجاري) ومكتب رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو).

قربان الإخفاق الإسرائيلي
فور الإقالة ترددت معلومات مفادها إن بعض قيادات الجيش الإسرائيلي تشعر بالصدمة حيال قرار إقالة المتحدث باسمه، مع التأكيد على أن إقالة (دانيال هاجاري) قبل إقالة المسئولين عن إخفاق هجوم 7 أكتوبر 2023 أمر مشبوه، وتأكيدهم كذلك على أن المحيطين (بنتنياهو) كانوا على علم قبل أشهر بإقالة (هاجاري).
الأكثر من ذلك هو حديث (يعقوب باردوجو) المقرب من (نتنياهو) عن إن وزير الدفاع الإسرائيلي (يسرائيل كاتس) كان مهددا بخسارة منصبه في حال منحه (دانيال هاجاري) رتبة لواء، وهو ما اعتبرته بعض الأوساط الإعلام الإسرائيلية إن تصريح (باردوجو) بهذا الأمر قبل أسابيع يعني أن رئيس الأركان (إيال زامير) تلقى هذا الأمر قبل توليه منصبه.
كما وصف البعض القرار بأنه ظالم، وإن (دانيال هاجاري): (أصبح القربان الذي تضحي به هذه الحكومة الفاشلة وثمنا لإخفاق كل الأطراف في هذه الحرب الفاشلة)، وإن (دانيال هاجاري): (كان الوحيد الذي بقي موجودا في أول يوم للحرب، في حين اختبأ الجميع بالغرف المحصنة).
وإن (دانيال هاجاري) لم يكن جزءا من إخفاق عملية 7 أكتوبر 2023، كما إنه لم يعد ممكنا تجاهل الخوف من أن اعتبارات غريبة “تسللت إلى أقدس المقدسات لدينا، تعيينات الجيش، وتحدث كذلك مسئول أمني إسرائيلي رفيع المستوى عن إن الشرطة الإسرائيلية قد سبق وإن سقطت، متسائلاً “هل يمكن أن يحدث هذا للجيش؟

مروج الأكاذيب والضلال
على النقيض من تلك الأصوات الداعمة للمتحدث السابق للجيش الإسرائيلي، برز حديث (جدعون ليفي) الصحفي الإسرائيلي المناصر والداعم لحقوق الفلسطينيين في صحيفة (هاآرتس) بقوله: إن (دانيال هاجاري) وكل من يعملون في وحدة المتحدث باسم الجيش حاولوا خلال 18 شهرا الكذب والتغطية على جرائم الحرب.
وقال (ليفي): (أتذكر أن أكاذيب المتحدث باسم الجيش كانت مفضوحة جدا في واقعة اغتيال مراسلة الجزيرة (شيرين أبو عاقلة)، لأنه لم يكن هناك أي شك في مقتلها على يد الجيش.
كما رفض (ليفي) وصف (دانيال هاجاري) بالشخص النزيه، مؤكدا أنه كان يدير وحدة مسئولية عن ترويج رواية الجيش، ولم يعترف ولو بارتكاب جريمة واحدة أو بقتل عشرات الأطفال في قطاع غزة.
فور قرار (دانيال هاجاري) الإستقالة من منصبه، جاء قرار رئيس الأركان الإسرائيلي (إيال زامير)، بتعيين المقدم (إيفي دفرين) خلافاً له لشغل هذا المنصب الهام، وعلى الفور تعالت الأصوات الغاضبة داخل وسائل الإعلام الإسرائيلية تجاه القرار.
إذ اعتبر البعض إنه يحق لقائد الجيش (آيال زامير)، تعيين متحدث جديد باسم الجيش عند توليه منصبه، لكن الطريقة التي اختارها للامتثال لمطالب المستوى السياسي، جاءت على حساب المسيرة العسكرية للمتحدث المُقال (دانيال هاجاري).
مع تأكيدهم على أن الأهم من ذلك أنها ترسل رسالة لكبار الضباط بألا تتورطوا مع السياسيين، لأن قائد الجيش لن يكون هناك من أجلكم، وإن (هاغاري) ليس مُدانا بإخفاقات السابع من أكتوبر، ولا تقع على عاتقه.
لكن من وجهة نظر المستوى السياسي، خاصة رئيس الحكومة ووزير الدفاع خلط في بعض الأحيان بين دوره كمتحدث باسم الجيش، وكونه المتحدث باسم رئيس الأركان، ونظراً للسياق التاريخي للنقاش الطويل والمعقد حول الحرب في تاريخ الدولة، فإنه يستحق قدرا أكبر من التعامل مما تلقاه من رئيس الأركان الجديد.
وأن ذلك يأتي رغم مسارعة جميع المعلقين العسكريين للإعلان أن (زامير) ليس تابعاً للمستوى السياسي، بل فعل بالضبط ما كان رئيس الوزراء ووزير الدفاع يتوقعانه منه، مع التأكيد على أن إقالة (زامير) المبكرة لـ (دانيال هاجاري) تعني أن تعيينه ناطقا باسم الحرب كان خطأ أساسيا لا بد من تصحيحه على الفور.
بحيث لا يمكن منحه منصة الشجاعة للوقوف أمام الجمهور في الأوقات الصعبة، وإعطائهم أخبارا سيئة عن مقتل الجنود، وهو بكامل هدوئه، فيما شكل إصراره على الحفاظ على كرامة عائلات المخطوفين أحد أسباب ثقة الجمهور به، وهو الذي طالما أكد أن الضغط العسكري لن يجلب الرهائن.
كذلك القول أن (الطبقة السياسية داست على (دانيال هاجاري)، و(زامير) يعرف كل هذا، وبدلاً من مكافأته بالحدّ الأدنى الذي يستحقه، قام (زامير) بإقالة هاغاري، لكنه لا يجب أن يكون متفاجئا إذا وجد نفسه في تلك اللحظة وحيداً، كما (دانيال هاجاري)، محاطاً بالضباط الذين أصيبوا بالرعب بعد فهم التلميح الذي أرسله هو نفسه).

حكم بالإعدام
الأكثر من ذلك حديث البعض عن إنه (كما حدث مع العديد من الحكومات السابقة، أصدرت حكومة (نتنياهو) و(بن غفير) حكما مسبقا بإعدام (دانيال هاجاري)، الذي شكّل قرار إقالته من رئيس الأركان الجديد، مصدر سعادة للكثيرين في الحكومة والائتلاف، من الرأس إلى أخمص القدمين.
مع القول أن “عضو الكنيست (تالي غوتليب) شنّت حملة (دولة عميقة) ضد (هاجاري)؛ واتهمه الوزير السابق (إيتمار بن غفير) بالعمل لصالح صحيفة (هآرتس) قبل فترة طويلة من الحرب؛ وفي الأشهر الستة عشر التي مرت منذ اندلاع الحرب، أصبح أحد الأهداف المفضلة للهجمات، والإهانات بين كبار المسؤولين الحكوميين اليمينيين).
وأن (دانيال هاجاري) بعكس أعضاء الحكومة (الجبناء)، وقف بشجاعة في وجه الجمهور في أصعب اللحظات التي عرفوها، لكن تصريحاته وخلافاته مع المستوى السياسي شكلت مصدرا لتغذية (آلة السم)/ ولكن مثل العديد ممن قبله، وقع في فخّ الحكومة الأكثر كذبًا، والأقل نزاهة وأخلاقية في تاريخ الدولة.
ولذلك بدأت قضيته ضد الحكومة تغلي لعدة أشهر، ووصلت نقطة عالية بشكل خاص في مكتب رئيس الوزراء في يونيو 2024 بعد أن اعتبر علنًا أن أطروحة (النصر الكامل)، وفكرة تدمير حماس كانت (حبة رمل في نظر الجمهور).
والقول أن (هاغاري) طالما كان محميّاً من وزير الدفاع المُقال (يوآف غالانت) ورئيس الأركان المستقيل (هآرتسي هاليفي)، لكن تصريحاته الأخيرة لسوء حظه جاءت تحت وزير دفاع جديد، وفي حقبة تعيين رئيس أركان جديد، وكان ذلك علامة على نهاية (دانيال هاجاري) الوشيكة.
لأنه رفض إقرار قانون يهدف لمنح الحصانة لمن يسرّبون المعلومات لرئيس الوزراء، ضمن فضيحة (الوثائق السرية)، بما من شأنه تعريض الجنود للخطر”.
وأن (الائتلاف اليميني سرعان ما انقضّ على (دانيال هاجاري) مذعورًا، ومطالبًا بالاعتذار والطرد، وتعرّض لتوبيخ من رئيس الأركان، واعتذر عن تجاوزه لصلاحياته، ولكن بدا أن مصيره قد حُسم، مما سيجعل من قرار (زامير) بفصل (دانيال هاجاري).
وعدم ترقيته لمنصب آخر في الجيش، فرصة لمنحه نقاطاً إضافية لبدء ولايته مع شركاء وعائلة نتنياهو، مروراً بمكتب (كاتس)، وإن (قرار (زامير) بإقالة (دانيال هاجاري) بعد ساعات فقط من دخوله للمنصب، سيجعله في الوقت ذاته شخصًا ينحني ويخضع لأسياده ورؤسائه، في مكتب رئاسة الحكومة، ويستجيب لضغوط السياسيين والمغردين اليمينيين)

خلافات الجيش والساسة
هناك كذلك من يري أن (زامير) فشل في اختبار (دانيال هاجاري)، لأنه اختار إزاحته في أقل من يومين من تولّيه منصبه، وبدلاً من حماية ضابط بارز أصبح رمزًا للمصداقية في نظر الجمهور بعد السابع من أكتوبر، أرسل (زامير) رسالة مقلقة لجميع قادة الجيش.
مفادها: لن يقف رئيس الأركان بجانبهم، حتى لو تفوقوا في مناصبهم، وأن (زامير) يتولى منصبه خلال الفترة الأكثر تسميماً في تاريخ العلاقات بين المستويين السياسي والعسكري، عقب تعرّض سلفه، (هآرتسي هاليفي)، للهجوم بشكل شبه يومي من قبل آلة السم الخاصة بحاشية رئيس الوزراء.
كجزء من الهجوم العام على (الدولة العميقة) الوهمية التي اخترعها خدم نتنياهو لتبرير التدمير المنهجي للدولة، من خلال تحويل مسؤولية الفشل عن أكتافه منذ عقد ونصف قبل كارثة أكتوبر”.
وأنه “تم تعيين (زامير) من قبل (كاتس)، الذي يتمثل تفويضه الصريح بإساءة معاملة النخبة العسكرية، ومنذ تعيينه تمكن (كاتس) ذاته من مهاجمة رئيس الأركان والجنرالات الآخرين، ونشر تلميحات حول الرؤوس التي ستطير، مما زاد من الوضع المرهق الذي يعيشه الجيش.
ووصلت الذروة في نتائج استطلاعات للرأي متتالية أجريت في أكتوبر 2024، قال فيها الإسرائيليون إنهم لا يثقون بأحد سوى المتحدث باسم الجيش، مما جعله يتحوّل رمزا قابلا للاستهداف في بلاط (نتنياهو)، بحيث باتت التهديدات توجه إليه صراحة، والمطالبة بإقالته كانت واضحة لا لبس فيها.
وإن إقالة (دانيال هاجاري)، بهذه السرعة وضعت مصداقية (زامير) على المحك، بأنه لا يدين بالولاء للجيش، بل فعل ما أُمر به من المستوى السياسي، ولن يساعده أي تفسير، ولن يصدّقه أحد أن عزله لم يكن شرطًا لتعيينه.
ويبعث برسالة للجيش وهيئة الأركان العامة التي يريد تشكيلها، ومفادها أنه ليس مخلصًا للجيش ولكم، ولن يحميكم، لأن لديه سلطة أعلى، فوق واجب الولاء هذا، وحقيقة أنه تصرف بهذه الطريقة، فهذا فشل سيكون من الصعب التعافي منه.

خليفة الدجال
بعيداً عن حالة الجدل والإستقطاب التى تبعت إقالة ( هاجاري)، وبعد قرار تعيين المقدم (إيفي دفرين) خلافاً له لشغل هذا المنصب، يبقي الحديث عن (دفرين) المتوقع له بطبيعة الحال إستكمال مسيرة من سبقوه في الكذب والتدليس والخداع.
وهو عسكري إسرائيلي، شارك في حرب لبنان الثانية عام 2006 وأصيب بجروح خطيرة، وكان مسؤولا عن العلاقات الخارجية في الجيش الإسرائيلي قبل تعيينه في منصب الناطق باسم الجيش الإسرائيلي خلفا لدانيال هاغاري في مارس 2025.
ولد إيفي دفرين عام 1972، ومتزوج من ضابطة سابقة برتبة مقدم في سلاح التعليم بالجيش الإسرائيلي، ولهما 4 أبناء.
حصل (دفرين) على درجة البكالوريوس في العلوم الاجتماعية من جامعة بن جوريون، ثم الماجستير في الأمن من الجامعة العبرية، كما تخرج في الكلية الملكية لدراسات الأمن في بريطانيا، ومن ثم التحق (دفرين) بسلاح المدرعات عام 1991.
وبدأ جنديا في (اللواء 7)، وفي عام 2017 عمل في الملحق العسكري للجيش الإسرائيلي في الهند ممثلا بلاده فيها وقاد التعاون العسكري بين البلدي،. وفور عودته عام 2019 ترأس شعبة العلاقات الخارجية (تِبِل) في الجيش الإسرائيلي حتى إنهاء تقاعده في أغسطس 2024.
ثم التحق بشركة (رافائيل) للصناعات العسكرية نائبا لرئيس التسويق. وشعبة “تيفيل” هي وحدة في الجيش الإسرائيلي تعنى بالعلاقات الخارجية للجيش مع قوات حفظ السلام والمنظمات الدولية والقوات الأجنبية.
ثم شارك (دفرين) في حرب لبنان الثانية قائدا لكتيبة المدرعات، وأصيب يوم 12 أغسطس 2006 بجروح خطيرة في وادي سلوكي بعدما قصفت المقاومة اللبنانية دبابته بصاروخ مضاد للدروع، وقال إنه تعرض لاضطراب ما بعد الصدمة، إذ أصبح كل صوت يذكره بيوم الحادث.
أخيراً، ذهب الدجال وخلفه دجال آخر لجيش طبيعته الدجل والكذب والخداع شهوته الوحيدة ممارسة القتل لأبعد مدى.
وللحديث بقية…