رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

تعرف على القصيدة التى لحنها بليغ حمدي وفضل سماعها من (نعيمة سميح) على محرم فؤاد

(نعيمة سميح) كانت قادرة على الترنم بجميع نغمات الصدر والحلق والرأس

كتب: أحمد السماحي

رحلت عن عالمنا منذ يومين أيقونة المغرب، وعميدة الأغنية المغربية (نعيمة سميح) التى كانت أصغر فنانة عربية، وثالث مطربة عربية تغني على مسرح (الأوليمبيا) الشهير في باريس عام 1977، بعد سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وجارة القمر فيروز.

غنت (نعيمة سميح) وأبدعت وتألقت، وتركت لنا جواهر غنائية يحتفظ بها عشاق الطرب في وجدانهم، فعندما ترحل الأصوات يبقى في الأسماع جميل غنائهم، فالأصيل النادر يبقى محتفظا برونقه وقيمته.

وقد يوصف الصوت بأنه جميل، ولكن نسب النقاء والبقاء هي التى تعطي لصوت ما قدرات الإستمرارية، وملامسة سماوات الخلود، بينما يذهب غناء آخر وصفوا صوت صاحبه في يوم ما بالجمال، وذلك لأنه لم يضف لمواصفات الجمال في صوته اعتبارات أخرى، مثل الثقافة والصقل، والفطنة وحسن التصرف، ومراعاة الذوق العام.

 إن الصوت يعد جميلا إذا أثبت قدرته على الترنم بجميع نغمات الصدر والحلق والرأس، وإن فقدان جزء من هذه الخصائص لا يجعل الصوت يوصف بأنه رخيم، كما لا يعد صاحبه من المغنيين الجيدين.

و(نعيمة سميح) كانت قادرة على الترنم بجميع نغمات الصدر والحلق والرأس، حيث تعاونت خلال مشوارها الذي بدأ في السبعينات مع أساطين الكلمة واللحن في المغرب والعالم العربي.

وحفرت (نعيمة سميح) اسمها بحروف من ذهب في ذاكرة الأغنية المغربية، والعربية، وقدمت مشوارا ناجحا يمتد لعقود من الزمن أمتعت من خلاله أجيالا بإرث موسيقي وفني فريد ترسخ في الوجدان.

تميز صوت (نعيمة سميح) بالجمع بين بين الإحساس العميق والدقة العالية في الأداء

نعيمة سميح والبحة الأطلسية

تميز صوت (نعيمة سميح) بالجمع بين بين الإحساس العميق والدقة العالية في الأداء، وذلك لأنها تمتلك مساحة صوتية جيدة، وإمكانات صوتية هائلة خاصة في منطقة (الجواب)، كما كانت تمتلك بحة أطلسية فريدة من نوعها، وأضافت إليها تنوعيات صوتية زادت من مساحة الشجن لديها.

ورغم قلة إنتاج (نعيمة سميح) الغنائي، لكنها قدمت مجموعة قيمة من الأغنيات الطربية الرائعة، ومن أشهر أغنياتها (فتح الورد، يا حبابي هذا حالي، جاري يا جاري، ياك جرحي، وأمري لله والحب عذاب، كم بنينا من قصور في الهواء، يا ليل طول أو لا تطول، أحلى صورة، البحارة، راح، ونحمدو ربي ونشكروه، على غفلة، غاب علي الهلال، واقف على بابك، كان قلبي مولاه، لا شكوى تفيد، داني الشوق).

حظيت (نعيمة سميح) باستقبال الملك الراحل الحسن الثاني في مجموعة من المناسبات الوطنية

نعيمة سميح والحسن الثاني

حظيت (نعيمة سميح) باستقبال الملك الراحل الحسن الثاني في مجموعة من المناسبات الوطنية والسهرات والحفلات وأعياد ميلاد الأمراء، إلى جانب مجموعة من النجوم.

 وحظيت بمكانة خاصة لدى الملك (الحسن الثاني) بعدما أعجب بصوتها وموهبتها، مما جعلها توصف بـ (مدللة القصر).

لفت صوت (نعيمة سميح) أذن الموسيقار العبقري (بليغ حمدي) وطلب منها الحضور إلى مصر

بليغ حمدي.. لست أشكو

لفت صوت (نعيمة سميح) أذن الموسيقار العبقري (بليغ حمدي) وطلب منها الحضور إلى مصر، والأستقرار فيها، مثل كثير من زملائها المغاربة، وفي مقدمتهم الديفا سميرة سعيد، والصوت الأسمهاني (عزيزة جلال) لكنها رفضت، وفضلت أن تظل في المغرب.

ولكن حب (بليغ حمدي) لصوتها وافتنانه به، جُعله يعيد في السبعينات تلحين قصيدة (لست أشكو منك، فالشكوى عذاب الأبرياء) كلمات الشاعر الكبير كامل الشناوي، لتغنيها من جديد، بعد أن تغنى بهذه القصيدة في منتصف الستينات المطرب الكبير محرم فؤاد.

وكان (بليغ حمدي) يفضل الاستماع إلى غناء هذه القصيدة من صوت (نعيمة سميح) الذي وصفه بأنه مشغول بالشجن، ومطرز بالآهات.

مع ابنها شمس

نعيمة سميح.. فتح الورد

بدأت (نعيمة سميح) مشوارها الفني وهي صبية صغيرة، من خلال برامج اكتشاف المواهب الفنية التي كانت تقدمها الإذاعة والتليفزيون المغربي

وكان أول ظهور لها ـ كما ذكرت في أحد برامجها ـ في برنامج (خميس الحظ)، الذي كان يعده الإعلامي (محمد البوعناني)، ثم شاركت بعد ذلك في برنامج المسابقات (مواهب)، الذي كان يقدمه الراحل (عبد النبي الجراري).

وهو البرنامج الذي كان أكتشف للعديد من الأصوات المغربية المتميزة في نهاية الستينات مثل (عزيزة جلال، وسميرة سعيد).

ونالت موهبة (نعيمة سميح) إشادة واسعة، وبدأت تغني واشتهرت لها أغنية (فتح الورد)، لكن والداها قابل فكرة إحتراف ابنته الغناء بالرفض، وتدخل مجموعة من كبار الفنانين والإعلاميين الذين كانوا مؤمنين بموهبتها، لإقناع والدها بالعدول عن موقفة.

فوافق على شرط أن تغني أغاني دينية، ووطنية، وعاطفية راقية، وتشتغل مع كتاب كلمات وملحنين محترمين، وتناقش قضايا وطنية ودينية وعاطفية مهمة وبكلمات راقية.

ومن هذا المبدأ قدمت (نعيمة سميح) أغنية (جاري يا جاري) التى كانت رسالة وطنية للصلح مع الجزائر، في فترة شهدت توتر العلاقات بين المغرب والجزائر.

مع يحيي الفخراني
نعيمة سميح رفقة الملحن عزيز حسني في لحظة ابداع 1987
نعيمة سميح والموسيقار الحاج يونس

نعيمة سميح والمرض الخبيث

كان آخر ظهور رسمي لـ (نعيمة سميح) عام 2016، من خلال مشاركتها ضمن فعاليات مهرجان أصوات نسائية بمدينة (تطوان)، حيث قدمت سهرة فنية كبرى استقطبت جماهير غفيرة تفاعلت معها.

وكانت بمثابة لحظة وداع لها مع محبيها الذين ساندوها لسنوات عديدة، وداع يليق بصورة نجمة كبيرة وهرم من أهرام الأغنية المغربية.

خلال السنوات الأخيرة، عانت (نعيمة سميح) من المرض الخبيث، وظل تعاني منه فترة طويلة، مما جعلها تتخذ قرار الاعتزال دون الإعلان عنه وتتوارى عن الأنظار والأضواء، وتستقر في بيتها وتكرس وقتها للعبادة وقراءة القرآن وسط حضن العائلة.

وبرحيل المطربة الكبيرة (نعيمة سميح) يخسر المغرب واحدة من أعظم الأصوات المغربية التي تميزت بالصدق الفني في كل ما تغنيه، ورفضت الهجرة إلى أي بلد عربي غير المغرب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.