
بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
تتمتع إمارة (الشارقة) بسحر خاص ، فهى تتميز بجمال لا يخطئه بصر وتمتاز بمكانة لا تخطئها البصيرة، فعلى امتداد مساحتها الصغيرة نسبيا تمتلئ شوارعها بالخضرة والنخيل وتزين ميادينها المتسعة ورودا منسقة بعناية الى جانب حدائق و متنزهات و يمتاز هواؤها بعدم التلوث.
ولذا فلا عجب أن تسمى (الشارقة) رسميًا مدينة صحية من قبل منظمة الصحة العالمية، و يزداد الأمر جمالا بوجود مبان حكومية وسط تلك المساحات الخضراء وقد اعتمدت الطراز الإسلامي وتنوعت فيه حتى صارت مثالا لجمال العمارة الإسلامية في محاولة من (الشارقة) أن تربط الحاضر بتراثها الإسلامي و تؤكد عليه.
وبسبب مجهودات القائمين عليها اختيرت (الشارقة) عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2014، ونالت جائزة عاصمة السياحة العربية لعام 2015، وفي عام 2016 تم تصنيفها إحدى أفضل المدن للطلاب الجامعيين . وعاصمة عالمية للكتاب لعام 2019.
وبرغم هدوء مدينة (الشارقة) المحبب إلا أنها تمتلئ بصخب نشاط ثقافى ضخم ومكثف خلال شهور الخريف والشتاء ويمتد حتى بدايات الربيع – مثل معرض الشارقة للكتاب، ومهرجان التراث و الشعر – و بسبب كثرة الأنشطة الثقافية و الفنية التي تقام فيها تعتبر العاصمة الثقافية لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي القلب من نشاطها الثقافي المتنوع يبرز نشاط المسرح، فالشارقة تقيم أحد أقدم المهرجانات العربية المحلية للمسرح ، و هو مهرجان أيام (الشارقة) المسرحية – الذى بدأ عام 1984 و عقدت دورته الرابعة و الثلاثون في فبراير الماضى – و يقام سنويًا تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
بهدف دعم وتطوير المسرح الإماراتي، من خلال توفير بيئة تفاعلية تُسهم في هذا التطوير، وتعزيز التبادل الثقافي والفني بين المسرحيين، و يُعد المهرجان منصة هامة لاكتشاف ورعاية المواهب المحلية.

مهارات تتعلق بالمسرح
سواء بين الكتاب أو المخرجين أو الممثلين، مما يعزز من تطور المشهد المسرحي الإماراتي فمن خلال الورش التدريبية والندوات، يتمكن المشاركون من اكتساب خبرات ومهارات جديدة تتعلق بالمسرح، إلى جانب تسليط الضوء على الإبداعات المسرحية المتميزة.
وبذلك يسهم المهرجان في نشر الوعي بالمسرح كفن ثقافي وإبداعي، مما يشجع المزيد من الأفراد على التفاعل مع هذا المجال.
المهرجان لا يقتصر على فترة انعقاده فحسب، بل يخلق تأثيرًا مستدامًا يمتد ليؤثر على المشهد الثقافي والفني طوال العام من خلال ما يقدمه من إلهام وتجارب للمسرحيين والجمهور.
كما يساهم في إبراز الهوية الثقافية الإماراتية وتعزيز القيم الوطنية من خلال العروض المسرحية التي تتناول موضوعات محلية ، كما يقدم المهرجان منصة للنقاش وتبادل الأفكار بين المسرحيين المحليين والدوليين.
مما يساهم في تطوير الفن المسرحي بشكل عام، ويجذب المهرجان جمهورًا واسعًا، بما في ذلك الزوار من خارج (الشارقة)، مما يسهم في دعم السياحة الثقافية والاقتصاد المحلي.
ويشارك في المهرجان عدد من الفرق المسرحية المحلية ، ففي الدورة الأخيرة شاركت 15 فرقة مسرحية من داخل الامارات ، ستة منهم داخل المسابقة الرسمية تنافست على جوائز أفضل عرض و إخراج و تأليف و موسيقى و سينوغرافيا و موسيقى و 6 جوائز للتمثيل.
كما يتم تكريم فنان عربي بجائزة (الشارقة) للإبداع المسرحي العربي، تم إهداؤها هذا العام للفنان السورى الكبير (أسعد فضة)، بالإضافة إلى تكريم أحد رواد الحركة المسرحية المحلية و تم إهداء التكريم للفنانة الإماراتية القديرة (مريم سلطان) والملقبة بأم المسرحيين .

مهرجان أيام (الشارقة)
ويتم اختيار العروض المشاركة في مهرجان أيام (الشارقة) المسرحية من خلال عملية دقيقة تشرف عليها لجنة مختصة ، حيث تقوم اللجنة العليا المنظمة للمهرجان بتشكيل لجنة من خمسة أعضاء – بينهم عضوان من المسرحيين المحليين – تقوم بمراجعة وفرز العروض المسرحية المقدمة، وتصنيفها إلى عروض داخل المسابقة وأخرى خارجها.
حيث يخضع الاختيار لشروط عديدة أهمها أن تكون الفرق المسرحية المشاركة معترف بها رسميًا من الجهات المختصة، وأن تلتزم العروض بلوائح النشاط المسرحي والقوانين المعمول بها. و يُشترط تقديم العرض المسرحي كاملاً خلال البروفات، مع وضوح الرؤية الإخراجية.
ولا يُسمح لأي فنان بالمشاركة في أكثر من عملين مسرحيين خلال المهرجان، باستثناء مؤلفي النصوص، وهذه العملية تهدف إلى ضمان جودة العروض المشاركة وتنوعها، مما يعزز من قيمة المهرجان كمنصة للإبداع المسرحي .
إلى جانب العروض المسرحية، يضم مهرجان أيام (الشارقة) مجموعة متنوعة من الأنشطة التي تضفي طابعًا ثقافيًا وفنيًا مميزًا على الحدث ، من بين هذه الأنشطة:
الملتقى الفكري: و يُعقد سنويًا تحت عنوان مختلف، حيث يجتمع نقاد و مسرحيون من كافة اقطار الوطن العربى لمناقشة قضايا تتعلق بالمسرح، مثل دور النقد في توثيق التراث المسرحي الذى كان عنوان ملتقى الدورة الماضية.
ملتقى الأوائل: تُنظم مجموعة ورش تدريبية متخصصة في مجالات مثل الإخراج، التمثيل، والسينوغرافيا، لمجموعة من أوائل المعاهد المسرحية في الوطن العربى الذين يستضيفهم المهرجان.
ندوات نقدية: تُقام ندوات نقدية تطبيقية للعروض المقدمة الى جانب جلسات حوارية تحت مسمى المسامرات لتبادل الخبرات ومناقشة التحديات التي تواجه المسرح.. هذه الأنشطة تجعل المهرجان منصة شاملة تجمع بين الإبداع، التعلم، والتفاعل الثقافي.
لم تكتف إمارة (الشارقة) بهذا النشاط فقط، بل استمرت في جهودها الكبيرة في دعم وتطوير الفنون المسرحية على المستويات المحلية والعربية، ملتزمة بتعزيز دور المسرح كوسيلة للتعبير الفني والحوار الثقافي، لذا تقيم العديد من المهرجانات المسرحية المميزة إلى جانب مهرجان أيام الشارقة المسرحية

أبرز هذه المهرجانات:
مهرجان (الشارقة) للمسرح الصحراوي: وهو مهرجان دولى يُقام في بيئة صحراوية فريدة، ويهدف إلى إبراز التراث الثقافي العربي من خلال عروض تجمع بين الأداء المسرحي الحديث والتقاليد البدوية.
مهرجان (الشارقة) للمسرح الخليجي: يُنظم كل سنتين ويجمع الفرق المسرحية من دول الخليج العربي للتنافس على جوائز فنية، مع التركيز على إبراز التجارب المسرحية الخليجية المبتكرة.
مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة: يُركز على العروض المسرحية القصيرة ويُعتبر منصة لاكتشاف المواهب الشابة وتطويرها.
وكل مهرجان من هذه المهرجانات يُسهم في تعزيز المشهد المسرحي والثقافي في الشارقة، ويعكس التزام الإمارة بدعم الفنون والمسرح.
ولم تغفل (الشارقة) دور التربية المسرحية لذا اهتمت بتطوير المسرح المدرسي كجزء من رؤيتها لتعزيز الثقافة والفنون رامية إلى تنمية شخصية الطلاب وتعزيز مهاراتهم الإبداعية و اكتشاف المواهب الشابة من خلال تقديم عروض مسرحية تُعبر عن قضايا اجتماعية وثقافية ، تساهم في تعزيز الانتماء وتُعزز من ثقة الطلاب بأنفسهم.
كماتُسهم في بناء شخصياتهم من خلال التفاعل مع الجمهور، فأقامت مهرجانا للمسرح المدرسى تقدم فيه عروضا مسرحية من المدارس الابتدائية والثانوية، كما أقامت مجموعة من ورش العمل التدريبية والمحاضرات التي تهدف إلى تطوير مهارات الطلاب في التمثيل والإخراج.
و هناك مهرجانا للمسرح الكشفى يتضمن عروضًا قصيرة وورش عمل تدريبية تُدمج بين التقاليد المسرحية والمبادئ الكشفية. كما يُعتبر منصة لتطوير مهارات الشباب في التمثيل والإخراج.
ويُركز المسرح الكشفي على تعزيز القيم الكشفية مثل التعاون والمسؤولية الاجتماعية، من خلال عروض مسرحية تناقش قضايا اجتماعية بطريقة إبداعية، ويُسهم المسرح الكشفي في تنمية مهارات المشاركين الإبداعية والاجتماعية، ويُعزز من قيم الكشافة مثل الشرف والطاعة والرغبة في المساعدة.
بسبب كل هذا النشاط المسرحى المتنوع و المتعدد يزداد ألق إمارة (الشارقة)، ويزين حبها قلب كل مسرحى، فهى نموذجًا يحتذى به في العالم العربي لتشجيع الفنون المسرحية من خلال أنشطتها التي تتمتع بدعم حكومي قوي، و من خلال الجوائز والتكريمات التي تُمنح للمبدعين.
ولكن أسبابا مضافة جعلت الشارقة صاحبة لقب (إمارة المسرح) و (قبلة المسرحيين).
وللحديث بقية..