
بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
لم تفلت الفريسة من عيون الذئاب.. في حفل تنكرى أقيم في إحدى النوادى حضرته (ميمي شكيب) التي كانت لا تزال لم تطرق أبواب الفن.. فقد كانت دائبة الطرق على أبواب القصور متشبثة بأهداب الطبقة الاجتماعية الرفيعة التي سقطت من شاهقها بعد موت أبيها و رفض عائلته منحها وأسرتها ميراثهم.
في الحفل همس لها نجيب باشا الجواهرجى برغبته في تقديمها إلى الايطالى (بوللي) سكرتير الملك فاروق للشؤون الخاصة.. كان رد (ميمي شكيب) أنها لا تذهب إلى أحد.. ومن يريد التعرف عليها فعليه أن يأتي إلى حيث تجلس.
بالفعل وقبل نهاية الحفل تقدم (بوللي) مقبلا يدها.. طالبا منها مصاحبته للرقص حيث تبادلا خلاله أرقام الهواتف.. لم يكن يخطر على بال (ميمي شكيب) أن من يراقصها هو مجرد جسر لعبورها إلى حيث الملك فاروق جالسا ينتظر.. خاصة أنه يصغرها بسبع سنوات.
كان بهاء جمالها وأنوثتها كافيين للفت أنظار الملك.. لكن ما كان يجتذبه حقا هو الفراشات التي تحيطها هالات من ضوء الشهرة و النجومية التي لم تطرق باب (ميمي شكيب) بعد.

نداهة المسرح تنادى ميمى
في هذا التوقيت كانت (زوزو) قد بدأت تشق طريقها على المسرح.. في كل ليلة تنقل إلى (ميمى شكيب) بهجتها بأضوائه و سعادتها بتميزها و إحساسها بذاتها تتحقق مع تصفيق الجمهور في نهاية كل مسرحية تشارك فيها مع فرقة نجيب الريحانى التي انضمت إليها منذ فترة.
نداهة استمرت تهمس في أذنى (ميمى شكيب) أن تذهب إلى المسرح لتشاهد بنفسها أختها (زوزو) هناك.. سحرها إعجاب الجمهور بأداء أختها وتصفيقهم الحاد لها وبريقها و مشاركتها الأضواء لأسماء لامعة مثل نجيب الريحانى و مارى منيب..
من الصدف التي ترسم منعطفا على الطريق أن (ميمى شكيب) في هذه الليلة فقدت خاتما ثمينا أثناء مشاهدتها للعرض.. حينما ذهبت إلى الكواليس لتهنئة (زوزو) أخبرتها بقصة الخاتم.. تعمدت زوزو الصياح وسط كوكبة النجوم و أحدثت جلبة هائلة وصلت إلى مسامع نجيب الريحانى ليتقصى الأمر و ليلتفت إلى وجود (ميمى شكيب)..
بالفعل بعد أيام قليلة أرسل نجيب الريحانى شريكه في الفرقة و مؤلفها (بديع خيرى) إلى منزل (ميمى شكيب) يعرض عليها العمل بالسينما .. ترددت ميمى في القبول.. عاجلها بأن نجيب الريحانى سيسافر إلى باريس ليمثل فيلما.. وأنه بعد أن رآها في المسرح أصبحت لديه الرغبة أن تشاركه بطولة الفيلم.
كانت (ميمى شكيب) في هذا التوقيت لا ترغب في شهرة فوق شهرتها في حفلات القصور والباشوات.. وما يغدقونه عليها من أموال وهدايا.. منحها بديع خيرى فرصة عدة أيام لتفكر و تعود اليه بقرارها الأخير..

مدام إكس
في شلة لعب قمار رتبتها أبله (توتو).. كان أحد ضيوفها رئيس جمعية أنصار التمثيل (سليمان بك نجيب).. كان خاله حينها رئيس وزراء مصر أحمد زيور باشا.. وقد منحه الملك فاروق لقب الباكوية..
كان سليمان عازفا عن الزواج لإيمانه بأن النساء مناكفات.. يحبطن المبدع بنكدهن ونقارهن الذى لا ينتهى.. اجتذبه الفن من مهنته كمحامى.. بل ومن منصبه كسفير لمصر في استانبول.
أخبرت (ميمى شكيب) سليمان بك بعرض السينما المقدم لها..أجابها في حماسة أنها فرصة العمر أن تبدا مشوراها الفني مع نجيب الريحانى.. وبخصوص التدريب على التمثيل رشح لها (عمر وصفي) مؤكدا أنه سيجعلها ممثلة خلال شهر واحد.
كان (عمر وصفي) قد شارك سليمان نجيب في فيلم (دنانير) لأم كلثوم.. كما شارك في فيلم (العزيمة) في دور الحلاق مع حسين صدقى وزكى رستم وعباس فارس و فاطمه رشدي.
وهو الفيلم المصنف إلى الآن من أفضل 100 فيلم مصري.. كون (عمر وصفي) العديد من الفرق المسرحية مع بداية النهضة المسرحية في مصر.. فرقة سيد درويش.. فرقة سلامة حجازي.. جورج أبيض.. كما أخرج العديد من المسرحيات للفرق المختلفة.
ولم ينتظر سليمان نجيب أن تبدأ (ميمى شكيب) التدريب فعرض عليها أن تشاركه مسرحيته الحالية في دور صغير.. بالفعل ذهبت اليه في اليوم التالى مترددة.. اشترطت منذ البداية أن لا يضع اسمها على أفيشات المسرحية فقرر سليمان نجيب ضاحكا وضع اسم لها هو (مدام اكس).
في هذه المسرحية كان دور (ميمى شكيب) صغيرا.. كان عليها أن ترتدى جلبابا بلديا وتجلس على أرضية المسرح تنتف ريش أوزة.. وقد أدته ببساطة متناهية.. وأبلغت بعده سليمان نجيب أنها وجدت التمثيل سهلا ليحذرها بأنها ما زالت على شاطئ الفن.. و لا تقدر خطورة العوم.
وأصرت ميمى أن تأخذ دورا أكبر.. ليمنحها في مسرحية (جاكلين) دور فتاة مخطوبة لفتى لا تحبه.. ورغم أنها كانت تمثل أمام (زينب صدقي) إلا أنها أدت الدور بسهولة معللة هذه السهولة بأنها تلقى كلاما محفوظا وتتحرك خطوات في اتجاهات متفق عليها.. وترفع وتخفض من نبرات صوتها عند مواضع تم الإشارة اليها في البروفات.
لم يجد سليمان نجيب بدا من أن يرسل إلي منزلها (عمر وصفي) بنفسه.. حينما جلس (عمر وصفي) معها و مع أمها (هانم أفندي) أكد لها أن جمالها يؤهلها إلى أدوار البطولة إذا ما تدربت بشكل صحيح.

عمر وصفي يزيل التراب
بالفعل بدأ (عمر وصفي) في تدريبها على مسرحية بعنوان (الهاوية).. يقرأ معها.. يعلمها طريقة الإلقاء .. الإحساس بالمعاني.. مخارج الحروف.. توافق الحركة على المسرح مع الأحاسيس والحوار والحدث.. التفاعل مع الشخصيات الأخرى.. الريئاكشانات.. الوقفات بين الجمل.. استرداد النفس.. مواجهة الجمهور والتفاعل مع تصرفاته المختلفة.. إلخ.
تم التدريب خلال شهرين.. استأجر (عمر وصفي) من يوسف بك وهبى مسرح (ريتس).. أدت (ميمى شكيب) على المسرح دورها بالمشاركة مع شقيقتها (زوزو شكيب، وفردوس محمد)، فأضافت (ميمى شكيب) على المسرح إلى مهارتها في التمثيل فائضا من جمال وأنوثة طاغية.
ولاحظت أثناء العرض الإعجاب الشديد بها من إسماعيل وهبى شقيق يوسف وهبى.. كان هذا طريقا ممهدا إلى يوسف وهبى نفسه..
في المسرحية التالية (فيوليت) فوجئت (ميمى شكيب) وسط الجمهور بحضور نجيب الريحانى مع شريكه في الفرقة بديع خيرى.. بعد انتهاء العرض علمت من المحيطين به مدى إعجابه بحضورها و تطورها على المسرح.
في المسرحية التالية (خللى بالك من إيميلي) رشحها سليمان نجيب بديلا عن ملكة المسرح في هذا الوقت (روزليوسف).. بعد المسرحية عرض عليها سليمان نجيب – العازف عن الزواج – أن تتزوجه لكنها كالعادة رفضت، ولأنه كان مديرا للأوبرا فقد اختار غرفتها في الكواليس إلى جوار مكتبه ليكرر عليها عرضه كل يوم دون جدوى!
في غرفتها في المسرح فاجئها بحضوره (نجيب الريحاني) طالبا منه أن تنضم إلى فرقته.. أمام ترددها أسدى لها نصيحته.. فهو يعرف أنها تضيع وقتها على موائد القمار وسهرات الباشوات.. زهرة تحط عليها الدبابير.. وستذبل الزهرة وتموت وحيدة.
لكنها مع المسرح والسينما والفن ستصبح معبودة لملايين بدلا من صديقة لخمسة من الباشوات.. ستصبح ملكة في مملكة الفن.. قطعت (ميمى شكيب) ترددها ووقعت على عقد الانضمام الى فرقة الريحانى.. في الصباح اتصل بها مدير مسرح الريحانى (فلاديمير) يقرأ عليها لائحة العقوبات.. خاصة التأخير في مواعيد البروفات أو العروض.
مؤكدا على صرامة هذه القوانين وشمولها الجميع دون استثناء بما فيهم (الريحاني) نفسه.. في المساء كانت في الموعد في مكتب (الريحاني) ليقودها إلى المسرح.. يعرفها بأصدقائها الجدد (بشارة واكيم و حسن فايق والقصرى وسيد سليمان وستيفان روستى.. ويقدمها إليهم (ميمى شكيب).. البطلة الجديدة لفرقة الريحاني.