
بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
صحبت صديقى المتذمر دائما الذى لا يعجبه العجب أو الصيام في رجب الى مبنى وزارة الشباب بميدان سفنكس لمشاهدة مسابقة (إبداع) التي تقيمها الوزارة لطلاب الجامعات في أكثر من 19 مجال فنى وأدبى وعلمى واجتماعى، وتخيلت أنه سيسعد بأن يرى إنجازا حقيقيا لـ (الحكومة).
ولكنه ثار لأن المسابقة لا يذيعها التليفزيون سواء على محطات (المتحدة أو في ماسبيرو)، وكاد أن يتسبب لى في فضيحة بعلو صوته وحدة حديثه، فكل مرة يرى خطأ ما – من وجهة نظره – يتحول إلى شعلة من الغضب، يتكلم في سرعة محمومة حتى تنفر عروقه ويكاد أن ينقطع نفسه.
ولذا سارعت بمصاحبته لنغادر المبنى ولما كنت قد تركت سيارتى بعيدة عن المبنى بسبب أعمال التجديدات، طلبت من صديقى أن ينتظرنى حتى أحضرها، خوفا من أن يسير معى في الشارع فيرى ما لا يرضيه و يتسبب لى في مشكلة ثانية.
وأثناء عودتى بالسيارة لاحظت أنه يتحدث مع العمال الذين يقومون بتجديد المبنى وتوجست شرا، و لكنى لاحظت أنه يتحدث بهدوء، وعندما اقتربت منه دعوته للركوب، ولكنه رفض دون أن يتكلم.
وعندما ألححت عليه إذا بصديقى ينهار على الرصيف باكيا.. تركت سيارتى واندفعت إليه لأسأله عن سبب بكائه فأشار بيده الى سور مبنى (الحكومة) خلفه فلم أجد فيه شيئا يدعو للبكاء فسألته انت زعلان انهم بيجددوا المبنى؟
فقال لى وسط بكائه: مش شايف الشعار اللى بيركبوه على السور؟ المبنى يتم تجديده لأنه أصبح مقرا لمحافظة الجيزة، قلت له وما هي المشكلة؟
بدأ صوت صديقى يعلو: مبنى وزارة الشباب هتاخده محافظة الجيزة، يعنى المسرح اللى جوا المبنى هيبقى تبع المحافظة!! وابقى قابلنى لو استمر نشاطه كمسرح، هيبقى قاعة اجتماعات أو مؤتمرات بالكتير، ووزارة الشباب تروح تأجر مسارح بالشيئ الفلانى عشان تعمل نشاطها.

تنسيق الوزارة والمحافظة
قلت له: مين قالك كده؟ أكيد فيه تنسيق بين الوزارة والمحافظة وهما تابعان لـ (الحكومة) لاستغلال المسرح في الأنشطة الطلابية.. رد صديقى في حدة أكبر: تنسيق ايه يا أبو تنسيق؟ كان المفروض القرار اللى صدر بتخصيص المبنى للمحافظة ينص على أن المسرح تظل ملكيته لوزارة الشباب.
والحكاية ماتبقاش حسب أهواء أي محافظ.. مرة يوافق ومرة يرفض.. قلت: من المؤكد فيه بروتوكول تعاون هيتعمل بين المحافظة والوزارة، رد في حدة: تعاون ايه يا أبو تعاون، أى بروتوكول ممكن يتلغى في أي وقت ولأى سبب.. لنفترض جاء محافظ يكره الفنون؟ هل سيسمح باستخدام المسرح؟
قلت له إنه متشائم بشكل زائد، و كان رده مفاجئا: مش عاوزنى أتشائم وأنا شايف وزارة الشباب بتسيب مبناها اللى اشترت أرضه من وزارة الأوقاف زمان بمبلغ صغير و رايحة تأجر مبنى في العاصمة الإدارية بالشيئ الفلانى!
بقى ده اسمه كلام، عندك مبنى ببلاش في وسط البلد يقدر يوصل له أى حد وتروح تأجر مبنى في العاصمة الإدارية؟ تسيب المبنى اللى انت بتملكه وتروح تأجر مبنى مفروش؟ هى (الحكومة) دى ايه؟ عندها فلوس كتير قوى كده تبعزقها يمين وشمال؟
عاوزة تدى فلوس لشركة العاصمة الإدارية تديها من غير اللفة دى كلها، وليه أساسا (الحكومة) تدفع فلوس للشركة؟ ما (الحكومة) نفسها شريكة في الشركة، قلت بدهشة: بتجيب المعلومات دى منين؟ قال: انت اللى مش دريان، رئيس الشركة بنفسه قال إن هيئة المجتمعات العمرانية أحد ملاك الشركة، يبقى (الحكومة) شريك فيها، هى الحكومة بتأجر من نفسها؟
قلت له: ا(لحكومة) أدرى بما تفعله، و جايز شايفة إن ده استثمار كويس.. أكيد هتبيع مبنى محافظة الجيزة اللى في شارع الهرم، وده قصر على مساحة كبيرة وحواليه جنينة.
رد في سخرية مريرة: ما الاستثمار موجود قدامها، كانت تحول مبنى وزارة الشباب لفندق جامعى تكسب منه طول السنة، وفي أوقات مسابقاتها يقيم فيه المشاركين بدل ما تروح تأجر فنادق وتدفع فيها ميزانية كبيرة! مش العقل برضه بيقول كده؟
وفي نفس الوقت تحتفظ بالمسرح عشان الأنشطة بتاعتها طول السنة وتأجره في الأوقات اللى معندهاش فيه نشاط و لو إنى أشك أن الآتى عارف نشاطها كبير جدا وطول السنة.

أثاث محافظة الجيزة
مرت من امامنا سيارة تنقل مفروشات إلى داخل المبنى، وإذا بصديقى يزداد انفعاله وصوته يزداد ارتفاعا، سألته ماذا به فقال: العربيات اللى داخلة قدامك دى بتدخل الأثاث بتاع محافظة الجيزة، قلت له هذا طبيعي.
فقال: وزارة الشباب – زى أي وزارة – خدت المبنى في العاصمة الإدارية مفروش من مجاميعه، يعنى سابوا هنا مكاتبهم بالتكييفات وكل المشتملات، و دلوقت محافظة الجيزة بتنقل أثاثها، طب الأثاث القديم هيروح فين؟ هيترمى ولا هيتباع ولا ايه؟ ومين اللى هيقبض تمنه؟ أكيد مش وزارة الشباب.
ضقت ذرعا بحديثه، خاصة وأن بعض الناس بدأت تلتفت إلينا بسبب بكائه وصراخه.. صحت فيه: انت مالك؟.. بتسأل ليه؟.. من تدخل فيما لا يعنيه صابه مالا يرضيه؟، رد علىَّ صارخا: ما لا يعنيه ده ايه؟.. دى فلوس الدولة يعنى فلوسنا.. مع صراخه بدأ البعض في الاقتراب، فقلت له بتوسل: ياللا نركب العربية عشان نمشى.
قمت بشده من جلسته على الرصيف وهو مازال يبكى بصوت عال واتجهت به إلى السيارة، فاقترب منا رجل ذو شوارب ووجه عابس وسألنى وعينيه بها شرر: فيه حاجة يا أستاذ؟.. صاحبك ده بيعيط ليه؟
أدركت أننا في طريقنا لحدوث مشكلة أكبر مما نطيق، نظرت للرجل مبتسما وقلت على الفور: صاحبى بعيط من الفرح ان محافظة الجيزة اتنقلت هنا!