رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(القدر).. قطرة عطر تفوح بالرومانسية، وناقش قضية اجتماعية مهمة، وأبدع فيه قصي خولي)

غلف مسلسل (القدر) أحداثه بطابع الرومانسية التى افتقدناها لسنوات طويلة

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد السماحي

ما بين رقصة دبكة (زيد/ قصي خولي) في الحلقة الأولى من المسلسل المعرب (القدر)، وبين رقصته للدبكة في الحلقة الأخيرة، دارت أحداث المسلسل المكون من 45 حلقة، حول زوجين هما (زيد/  قصي خولي) و(تالا/ ديمة قندلفت) يعيشان في حالة حب دائم ومستمر!

ولكنهما يواجهان مشكلات في الإنجاب، فتسعى (تالا) لإيجاد حل لهذه الأزمة التي تهدد استقرار علاقتها بحبيب العمر، ومع تصاعد الضغوط العائلية والاجتماعية، تلجأ (تالا) مع (حماتها الست نجوى) إلى فكرة الأم البديلة للحفاظ على زواجها.

مما يفتح الباب أمام سلسلة من الأحداث الدرامية المعقدة، التي تتداخل فيها مشاعر الحب، والتضحية، والصراعات العائلية.

غلف مسلسل (القدر) أحداثه بطابع الرومانسية التى افتقدناها لسنوات طويلة، والتى كانت يوما فرس الرهان الرابح.

وكانت التضحية المبررة أوحتى غير المبررة، والعاطفة الملتهبة المتأججة تدفع الجمهور للبكاء والانفعال والتصفيق متوحدا مع البطل في اندفاعه، أو البطلة في جموحها.

وكانت الرومانسية السينمائية في زمن (الأبيض والأسود) نتاج تفاعل خلاق، حي ومبدع، مليئ بلحظات الفرح، وباقات الزهور، وفراق المحبين، والتضحيات الهائلة، وكانت كل هذه المشاهد مصحوبة بلحظات القلق والتوتر.

لا أحد سينسى كيف كانت قصة حب (زيد، وتالا)،
ولا أحد سينسى كيف كانت قصة حب (زيد، ونور)

مرجع للدراما الرومانسية

هذه الرومانسية التى أفتقدناه بقوة، رغم احتياجنا لها الآن أكثر من احتياج الإنسانية لها في أوقات سابقة، تجسدت أمامنا، ورأيناه من خلال مسلسل (القدر) الذي أصبح واحدا من مراجع الدراما العاطفية العربية في العصر الحديث، سيعود إليه الشباب من كل جيل ليجدوا فيه تعبيرا عن أحاسيسهم وعواطفهم التى قدم المسلسل منها الكثير.

فلا أحد سينسى كيف كانت قصة حب (زيد، وتالا)، وكيف أصبحت؟، وماتت كضوء الشمعة أمام أعيننا المليئة بالدموع على انتهاء قصة الحب هذه بسبب غيرة وجنون (تالا)، ولعبة (القدر)!

ولن ننسى كيف تحولت مشاهد العطف والشفقة من (زيد) للفتاة الفقيرة (نور/ رزان جمال) إلى نشيد حب عارم مليئ بالآهات والدموع، وصرخات الفرح.

كما لن ننسى مشاهد كثيرة صامتة لـ (زيد) كان وجهه فيها معبرا بأروع الكلمات دون أن ينطق كلمة واحدة، كان أهمها مشهده في الحلقة الخامسة والعشرين.

وذلك عندما بكى، وانهمرت دموعه كالمطر عندما كان يظن أن (نور) أجرت عملية الأجهاض، لكن عندما أخبرته بأنها لم تجري العملية، وأن الجنين بخير، إرتسمت البسمة والسعادة والتأثر على وجهه.

وأبدع (قصي خولي) في مشاهد صامتة آخرى كثيرة لعل أبرزها في الحلقة (39) من مسلسل (القدر) عندما ذهب إلى (نور) في المطعم الجديد الذي كانت تجهزه.

ومعه الأوراق التي تثبت تنازله لـ (نور) بنصف أملاكه، فشاهد (تيم) وهو يتقدم لـ (نور) بالزواج بعدما أخبرته الأخيرة أنها موافقة على الزواج.

في هذا المشهد الصامت، والذي طأطأ فيه رأسه للأسفل، وهو يسير ناحية سيارته، وأعقبه الذهاب إلى الفيلا الخاصة به هو و(نور)، وشرب الخمر حتى الثمالة.

وصل (قصي خولي) بأدائه للقمة، كانت نظراته التى تحمل عذاب الدنيا كلها، وحركاته المتأنية تجمع بين حرفية الممثل وعفوية الإنسان، كان مثال حقيقي لما يمكن أن يصل إليه فن الممثل

وذكرني هذا المشهد بجزء من أغنية (زي الهوا) للعندليب الأسمر (عبدالحليم حافظ)، والذي يقول فيه: (وف لحظة لقيتك يا حبيبى، زى دوامة هوا، رميت الورد، طفيت الشمع يا حبيبى)!

هذا غير المشاهد التى صال فيها وجال بصوته والتى قدمها مع والدته الست (نجوى)، ومع (تالا)، ومع صديقه (طارق)، ومع شقيقه (إياد).

البناء الدرامي في مسلسل (القدر) محبوكا ماهرا لا تنقصه اللمحات الإنسانية

السيناريو والإخراج

كان البناء الدرامي في مسلسل (القدر) محبوكا ماهرا لا تنقصه اللمحات الإنسانية، ولا الجزئيات المؤثرة، ولا الصدق والبساطة، حتى الحلقة الـ (25)، بعد هذه الحلقات عاب عليه المط والتطويل بعض الشيئ، لكن أنقذه أداء الأبطال، وذكاء الإخراج.

وتضمن البناء الدرامي شخصيات متطورة مثل (زيد، وتالا، ونور، والست نجوى، ويوسف) وشخصيات غير متطورة، وهى شخصيات تفتقد التعقيد والانفعالات التي حظيت بها الشخصيات المتطورة، ما يجعلها شخصيات ثابتة لا تسعى لتحقيق هدف بذاته.

وقد احتوى مسلسل (القدر) على العديد من هذه الشخصيات مثل (إياد/ ميلاد يوسف) وزوجته (راندا/ رانيا سلوان)، و(ريما/ نورا رحال) والشغالين في بيت (آل نصر) وأصدقاء الأبطال مثل (طارق، وسمر) ودانا أخت (نور) وغيرهم.

استعمل المخرج أصابعه وقلبه وأحاسيسه ليجعل من الرباعي الذي لعب معه (قصي خولي، ديما قندلفت، رزان جمال، رندة كعدي) سيمفونية متكاملة تشع بألف بريق.

وكانت لديه لمحات ومشاهد كثيرة ذكية أهمها مشهد (تالا) في السيارة وزجاج السيارة المغلق عليه رزاز المطر، وكأن المطر يبكي مع (تالا) على ما وصلت إليه.

قصي.. يملك وجودا، وكاريزما، وطلة لا مثيل له

قصي خولي أو (زيد)

لو تحدثنا عن الأداء في مسلسل (القدر) فلابد أن نبدأ بالنجم (قصي خولي) أو (زيد)، الذي يملك وجودا، وكاريزما، وطلة لا مثيل له، ويملك بعد ذلك موهبة تجعل من النهر الصغير محيطا لا نهاية له، كان هو ضوء الشمس الذي أنار العمل كله، وأعطى بثقل وجوده وقوة تعبيره كل المعاني والرموز التى أراد المؤلف والمخرج والمصور أن يعبروا عنها.

 وملأ دوره نضجا وعمقا بتعبيراته العفوية وبقدراته الخارقة على أن يعبر عن أدق الأحاسيس من خلال نظرة واحدة أو تهدج صوت أو من خلال عطاء متدفق ينسينا في انهماره كل ما عداه.

وكان طوال الحلقات في لحظات حزنه وألمه عاشقا ينزف دما ودمعا أمام أعيننا المبهورة، وفي لحظات فرحه كان مغنيا ينشد كلامه كالأهازيج.

ديما.. قدمت دون شك واحدا من أفضل أدوراها على الإطلاق

ديما قندلفت أو (تالا)

ديما قندلفت، في دور(تالا) الزوجة العاشقة حتى الجنون قدمت دون شك واحدا من أفضل أدوراها على الإطلاق، كانت منذ بداية المسلسل وحتى نهايته دافئة، أنيقة، مقنعة، حائرة، مندفعة، غيورة حتى الجنون والقتل.

كانت مثل عود من الزنبق الأبيض كسره ريح قاسية تتمثل في الظروف التى أجبرتها أن تفعل ما فعلته من نزعة شريرة، وأقنعتنا (مفترية التمثيل) هذه، وسيطرت علينا، وجعلتنا نفهم ونقبل سلوكها المتمرد، ونزعة الشر التى انعكست على حياتها عندما شعرت أن حبيب العمر (زيد) سيطير من يدها.

دور(تالا) يضع (ديما قندلفت) في قائمة نجماتنا الكبار اللواتي يمكن لموهبتهن أن تجعلنا نقبل منهن كل شيئ.

لأول مرة أقتنع بـ (رزان جمال) كممثلة

رزان جمال أو (نور)

لأول مرة أقتنع بـ (رزان جمال) كممثلة، يجوز أنها استمدت قوة التمثيل من المبدع (قصي خولي) الذي جمعتهما مشاهد كثيرة، أو يجوز أنني لم أكن مركزا معها في أدوارها السابقة!

 لكنها كانت رائعة في دور (نور) ولم يفلت منها تعبير واحد – (ريأكشن Reaction)  – كانت كل تعبيرتها دقيقة للغاية، وقدمت دورها بحساسية شديدة وحزن نبيل، وشفافية.

وأعطت لعينيها أمواجا من الحزن والشجن، كما جعلت من حوارها أنغاما موسيقية تنشدها أكثر مما تنطقها.

رندة كعدي.. كانت عظيمة، ومقنعة، وصادقة، ومبدعة

رندة كعدي أو (الست نجوى)

رندة كعدي.. كانت عظيمة، ومقنعة، وصادقة، ومبدعة، وقدمت في هذا الدور دليلا جديدا ومدهشا على تمكنها وقدراتها التمثيلية الفائقة، وكانت في مشاهدها مع (تالا) و(زيد) و(بهاء) الند بالند.

وسام حنا.. حاول المستحيل أن يقنعنا بدوره ولا ينجح إلا في أن يدور حول نفسه

وسام حنا أو (يوسف)

وسام حنا.. حاول المستحيل أن يقنعنا بدوره ولا ينجح إلا في أن يدور حول نفسه، محاولا أن يجد نقطة ارتكاز واحدة بلا جدوى، فلجأ إلى الصراخ، والزعيق والتبريق، وعلك اللبان أو الأعلان الذي وضع في المسلسل.

فوسام هو شرير والسلام! لا نعرف شيئا عن سبب الشر في نفسه ولا رعونة وحماقة تصرفاته، وحاول بكل طاقته المتفجرة أن يمثل ولكن خذله الدور!.

فالطريقة التى كتب بها الدور وعدم ترك أي هامش يستطيع فيه الممثل أن يتحرك بحرية جعل من هذا الدور، دورا آخر للرجل الشرير بلا اية ظلال، ولا أية أبعاد.

 فعل (وسام حنا) كل ما يستطيعه من تبريق، وحذق، وصراخ، ولكن ضاع جهده هباء تجاه التسطيح الشديد للشخصية وخطوطها التقليدية المعتادة.

نموذجا نادرا لما يمكن أن يفعله ممثل قدير

حسني عويتي أو (بهاء)

حسن عويتي.. أحد عمالقة الفن العربي الذي قدم من خلال دور(عمو بهاء) نموذجا نادرا لما يمكن أن يفعله ممثل قدير، وكيف يستطيع أن يغوص في مشاهده ليقدم لنا اللؤلؤ بين كفيه.

وأضحكنا كثيرا عندما علم أن زوجته (نجوى) هى التى كانت وراء ما يحدث من أحداث فيقول لأبنه (زيد) في الحلقة 42 وهو في حالة دهشة واستغرلب: (شو هالمرة، شو هالداهية اللي متجوزها أنا)!

ميلاد ورانيا بدوا لنا في (القدر) كـ (مانيكان) بلا روح

رانيا سلوان، وميلاد يوسف

رانيا وميلاد.. رغم قدرتهما التمثيلية المتميزة في أعمالهما السابقة، بدوا لنا في (القدر) كـ (مانيكان) بلا روح، يرتدوا أفخم الملابس، ويتصرفا، ويتحركا ويتكلما دون هدف ولا غاية أنهما يمثلان شخصيات فارغة وتافه لا تقول شيئا ذو أهمية! لكنها مطلوبة لملأ فراغ!.

نورا وبيير.. أردا أن تكونا طائرا حزينا جميلا، دافئا، أصابته رصاصة في جناحه

نورا رحال.. وبيير داغر

نورا رحال .. أردوا أن تكون طائرا حزينا جميلا، دافئا، أصابته رصاصة في جناحه فوقف إلى جانب الماء ينزف دمه نقطة نقطة على مدى سنين، دون أن ينجده أحد، أو يجد أحد يخفف من ألمه.

واستطاعت (نورا رحال) أن تكون هذه الست التى حرمت من زوجها وحبيبها لسنوات طويلة، دون ذنب، وادت دورها بعفوية ومهاردة ودفء.

أما (بيير داغر).. فرغم قصر دوره لكنه كان مليئا بالموهبة والصدق، واعيا بكل أبعاد دوره، وقدم خلاصة تجاربه من خلال دور بدا واضحا أنه مرسوم لأجله بالمقاييس والزواية.

(مارينال سركيس) .. قدمت دورها بفهم، وعذوبة وإنسانية شديدة
قيكنوريا عون.. موهبة واعدة ونجمة المستقبل بحساسية وذكاء أدائها

ومارينال وفيكتوربا عون

زهير ومارينال: كان زهير عبدالكريم مفاجأة في دوره الصامت المليئ بالإنسانية والشجن والمعاناة، عرف دون كلمة واحدة أن يمزجهم جميعا ليقدم لنا نموذجا فنيا يثيرالإعجاب، وعرف كيف يفوز بقلوبنا وعقولنا.

 وكذلك فعلت الفنانة اللبنانية الكبيرة (مارينال سركيس) التى قدمت دورها بفهم، وعذوبة وإنسانية شديدة.

 أما (فيكتوريا عون) التى جسدت دور (دانا) أخت (نور) فهي موهبة واعدة ونجمة المستقبل بحساسية وذكاء أدائها.

في النهاية أكد (القدر) أن المسلسلات (المعربة) يمكن أن تكون ممتعة أو لديها رسالة، لو تخلصت من المط والتطويل، واللف والدوران حول الأحداث.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.