
بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى الأسبوع الماضى ضد الفنان (أحمد حلمى) بسبب جملة قالها لمتفرج مصري في أثناء عرض مسرحى يقدمه في (موسم الرياض)، وتصاعدت الحملة ضده حتى وصلت للشتائم والسباب الذى يعاقب عليه القانون.
ولم تتوقف تلك الحملة عنده وإنما طالت أيضا زوجته الفنانة (منى زكي)، لدرجة أن البعض اعتبر أن استمرار الزواج بينهما بعد مشهدها في أحد الأفلام دليل على سوء خلقه ويستحق أن يهان من أجله (أحمد حلمي)!
قلت لنفسى أن الجملة التي قالها (أحمد حلمي) ربما كانت خطأ تسبب في إحساس بالإهانة للمصريين و من حقهم أن يدافعوا عن كرامتهم، و لكنى عندما شاهدت فيديو الواقعة وجدت أن تلك الجملة (مصري و قاعد في الصف الأول يبقى أكيد معزوم) تحتمل عدة تفسيرات، وأن أخذها على محمل الإهانة فيه كثير من التربص.
فالمصرى الذى يسافر إلى بلد آخر من أجل العمل هو بالطبع حريص على ماله، ولن ينفقه على المظاهر الفارغة كالجلوس في الصف الأول في عرض مسرحي، فالجميع سوف يستمتع بالعرض أيا كان مكان جلوسه ولو في الصف الأخير، مادام يرى ويسمع جيدا.
وعلى وجه آخر فمن المعروف في معظم مسارح العالم العربى أن الصف الأول دائما محجوز للمسئولين وأصحاب المعالي وضيوفهم، و بالتالى فإن تواجد شخص من غير أهل البلد في هذا الصف هو أمر يستحق التعليق وليس بالضرورة السخرية من الحالة المادية للمصريين.

(ملحن المسرحية) هو المقصود!
تحتمل هذه الجملة عشرات التفسيرات والتبريرات، أحدها فقط ربما يحمل استخفافا بالمواطن المصرى والباقى ليس به إهانة، فلماذا تم تفسير الأمر على هذا النحو؟ وعندما علمت أن هذا المواطن ليس شخصا مجهولا، و إنما (ملحن المسرحية) التي يقدمها (أحمد حلمي) تأكدت أن الأمر لا يمكن أن يكون فيه تعمد الإهانة أو الاستخفاف.
وأن تلك حساسية مصرية باتت واضحة ضد كل من يحاول الاقتراب من الوضع الاقتصادى مقارنة بأوضاع الأشقاء العرب، ولكن هل يجب أن تكون ردة فعلنا بهذا الشكل القاسى والمتجاوز؟
جاء الرد سريعا من الأستاذة الكاتبة والمخرجة فاطمة المعدول (شخصية هذا العام في معرض الكتاب)، لتقول على صفحتها: (خدوا بالكو خلاص مصر الكبيرة الحلوة المتسامحه اللي كانت بتقدر تنقد وتتريق علي نفسها وتنشر كل غسيلها نضيف أو مش نضيف علي حبال الجرايد والمجلات والسينما والمسرح والتليفزيون.. خلاص بح راحت في الوباء !..
أصل المصريين بقوا مجاريح وعندهم شعور ان بلدهم بتصغر.. أو فيه حد عايز يصغرها أو ياخد دورها!.. وده مزعلهم ومنكد عليهم قوي وخللي خلقهم ضاق جدا !.. ولا طايقين حد ينقدهم اوبيستخف دمه ويتريق علي فقرهم!..
وخاصة لو بره مصر!.. وخاصة اكتر لو عند اخوتنا في العروبه اللي طالعين في المقدر جديد.. والفنان الواعي يقدر يقري المشهد كويس يعني ياخد القرشينات من اخواتنا ومن غير مايدوس لنا علي طرف الفانلة الداخليه أو الجلابية).
شجعتنى تلك الكلمات التي تحمل التفسير الصحيح لموقف لاعني (أحمد حلمي) على الكتابة في هذا الموضوع، وخاصة أننى لاحظت أن هذه اللعنات لم تبدأ من تلك الجملة التي قالها (أحمد حلمي) وانما بدأت من قبل..
فقبلها بساعات و بمجرد نشر صور للمسرحية انتشرت حملة على وسائل التواصل تتهم (أحمد حلمي) بالترويج للماسونية وعبادة الشيطان، بناء على تلك الصور التي يرتدى فيها (أحمد حلمي) ملابس (شيطان) و خلفه عرش تزينه قرون طويلة (مع اننا لا نعرف إذا كان الشيطان يستعمل الملابس مثلنا أم لا وهل بالفعل له قرون؟، وزعم المهاجمون أن الصور تحمل رموزا وإيحاءات لا تليق ويجب محاسبة حلمى عليها.
رأيت في الهجوم بسبب صور لمسرحية لا نعرف مضمونها و ا أحداثها أمرا مؤسفا، وتخيلت أنها ربما كانت حملة منظمة (أو غير منظمة) ضد (أحمد حلمي)، لا أدرى مصدرها ولا المستفيد من وراءها، وأعتقد أنها بدأت منذ اتهام (أحمد حلمي) بالإساءة للمصريين، عندما نشر فكرة فيلم عن مغامرات (نشال مصري) في موسم الحج.

فيديو قديم لحلمي
واعتبر الجميع أن الفيلم (الذى لم يكتب بعد) فيه إهانة للمصريين، وأعتقد أن تلك فيديوكانت بداية التربص بحلمي، وزاد إيمانى بوجود تلك الحملة عندما تم نشر فيديو على وسائل التواصل يقول فيه حلمى: (أنا مش غلطان ومش بعتذر، هى دي الحقيقة اللي الناس كلها عارفاها، وبعدين الشاب باين عليه غلبان ومش فارقة معاه!.
وانتشر الفيديو ليحقق أكثر من مليون و 200 ألف مشاهدة قبل أن يتم اكتشاف أنه مفبرك من فيديو قديم لحلمي، فمن قام بنشره في ذلك التوقيت وبتلك الصياغة؟
ازدادت قناعتى بالكتابة لمناقشة أمور كثيرة منها التشكك في نوايا الناس، والحساسية المفرطة تجاه الآخرين، وقسوة الهجوم مع أول بادرة خلاف، واستباحة الأعراض وتوجيه الشتائم التي يعاقب عليها القانون على وسائل التواصل.
وبالفعل بدأت أكتب خاصة بعد ما قرأت ما نشره صديقى المخرج المسرحى المتميز صبحى يوسف (وهو بالمناسبة مصري يعتز بمصريته) على صفحته بالفيس بوك: ” ليس دفاعا عن (أحمد حلمي).
أنا كنت حاضر المسرحية بالصدفة في الليلة موضع الضجة اللي حاصلة دي، وشهادة لله هذا الجزء المصور مقتطع من حوار طويل هزر فيه (أحمد حلمي) مع زميلته السعودية (أسيل عمران) وسخر بهزار من لهجتها وأخذ تليفون من مشاهد سعودي وسخر منه بهزار وتقبل المشاهد والجمهور السعودي وضحكوا من قلوبهم، هذا تصيد اخذ أكبر من حجمه جدا.
أكتب هذا إرضاء لضميري وإذا كنت كمخرج مسرحي لا أميل لحديث أي ممثل مسرحي مباشرة، ولكن سبق لي في مسرحية سعودية من إخراجي اسمها (هاملت اخرج من رأسي) بطولة الفنان السعودي خالد الحربي (موجودة على يوتيوب)..
أن خاطب (خالد) الجمهور السعودي في الصف الأول (جزء من النص وليس خروجا عن النص) وقال طبعا انتم مش دافعين وجاين ضيوف والغلابة جالسين ورا والناس كانت بتضحك ومافيش حد قال بيهين او غيره، عارف اني حتهاجم من ناس مش فاهمة لكن ضميري أهم).
إذن الفيديو مقتطع من سياق يحمل (هزار) مع سعوديين ومصري، فمن اقتطع هذا الجزء فقط ونشره لكى نستاء من (أحمد حلمي)؟، ومن قام بتزوير الفيديو الذى قيل انه رد على الواقعة؟، ولماذا التربص به بداية من ملابس المسرحية وديكوراتها؟
أليس هذا يدعو الى الكتابة كى أضع هذه الأسئلة؟، و لكن قبل أن أكتب رأيت صديقا آخر لى – أحبه و أحترمه كثيرا – يسب بألفاظ خارجة على صفحته كل من يحاول أن يدافع عما فعله (أحمد حلمي)، فأسكت بذلك كل من خالفه في الرأي و الناس كلهم – وأنا منهم – تحب أن تبعد عن الشر وتغنى له.
فقلت لنفسى: (أحمد حلمي) ليس صديقا مقربا، ولا هو من بقية عائلتي، وليس بيننا مصالح مشتركة، ولست من المتعاملين مع موسم الرياض ، يبقى أوجع دماغى ليه وأجيب لنفسى الشتيمة؟
وهكذا آثرت الصمت، ولكنى عقلى المتمرد لم يتوقف عن التفكير في إجابة لأسئلة هامة: احنا ليه بقى خلقنا ضيق قوى كده؟ .. وليه بقينا قاسيين في الحكم على الناس؟، و ليه الإفراط في الشتائم؟ هو لازم نفسر الأمور على مزاجنا واللى يغلط – من وجهة نظرنا – ندبحه؟!